عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-03-2010, 10:39 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي أحسنت يا صديقي العزيز

يكستب هذا العمل قيمة كبيرة من حيث هو تعبير عن وجه من وجوه الظلم الاجتماعي والتسلط المتواري خلف مجموعة من الصلاحيات المطلقة المستغلة والموجهة في طريق لا يخدم الهدف الأساسي من السلطة وهو حفظ المصلحة العامة .
والعمل حيث يتناول قضية تتعلق بالكثير من الفئات العاملة في المجال الأمني والعسكري بشكل أعم فإنه لا يتاول إشكالية الظلم وسوء استغلال وتوظيف هذه الكوادر والتي هي في النهاية عناصر بشرية لها حقوقها المستمدة من القوانين السماوية ثم الأرضية فحسب، بل يتناول قضية في غاية الأهمية وهي قضية الفساد الإداري، فالذي يستطيع أن يلمحه القارئ بين ثنايا هذه الأسطر تساؤل عن كفاءة هذه الأجهزة وقدرتها الحقيقية على التعامل مع القضايا المنوطة بها وقدرتها على تحقيق الأمن والنظام . وهذا التناول يجعل قضية الفساد إحدى القضايا المطروحة على ساحة العمل الأدبي ، ولكن بطريقة تتيح للكاتب التفرد عن أعمال أخرى من خلال الأساليب الفنية والأدوات الخاصة التي جعلت للسخرية دورًا فاعلاً في تعميق هذه المأساة . بل ويمكن القول إنه تطرق بشكل غير مباشر إلى قضية أخرى وهي (التمرد ) باعتبارها واحدة من أخطر القضايا التي تواجه النظام الأمني و الإداري وليس التمرد هنا عملية اختراق لقوانين أمنية ولا أعراف عسكرية وإنما التمرد المقصود هو الاضطرار تحت وطأة ظرف استثنائي إلى الحصول على واحد من أبسط حقوق الإنسان في الحياة وهو (قضاء الحاجة) ويتمثل ذلك في العقاب الذي ناله المجند السابق جراء اجترائه ودخوله مرحاض" كبير الضباط ".
وإلى ذلك كان التناول الأدبي مؤكدًا على بعض القيم والتي تتخذ منحى (اللمس) والإشارة غير المباشرة وذلك من خلال بعض التعبيرات التي وظفت في سياقات متناسقة لتؤكد على عمق المعاناة الإنسانية مثل "منحوتة فرعونية" والتي هي إشارة إلى استمرار النظام الإداري والسياسي على الشاكلة القديمة .
ولقد كان التعبير عن هذه المأساة من خلال الأسلوب الساخر متقنًا في إظهار التناقض في بين الإنسان والكلب ، إلا أن قمة هذا الأسلوب الساخر تتجلى في السطر الأخير حيث يلجأ الكاتب بعبقرية شديدة إلى إظهار هذا التناقض الذي امتد إليه هو الآخر في تفضيل الكلب وسبقه كلمة الباشا وهنا تأتي المعادلة الصفرية حيث تتساوى قيمة الطرفين الضابط والعسكري في مواجهة الكلب !
ولا أجد بعد ذلك ما يمكن فعله غير الدخول إلى العمل والتعليق عليه جزئية جزئية في ضوء معرفتي المحدودة بجوانب تقييم العمل الأدبي .


***

من ظلاله على أديم الأرض يمكنك أن تستدل على مواضع الشمس ، تشرق عليه الشمس ، وتتعامد ، وتغرب وهو واقف في مكانه - لا يمكنه الحراك - يبدو كمنحوته مصرية قديمة، وضعت في قسم شرطة بحي راق ٍ .
أول ما تلتقطه العدسة في هذا المشهد هو الجندي الواقف تحت ظلال الشمس ، والبدء بهذه الصورة جاء ليلغي جميع التفاصيل المكانية المحيطة ليجعل الصورة الأولى هي الصدمة ممثلة في الجندي الواقف تحت الشمس ، والبدء بهذ المشهد جاء ليؤكد القضية المركزية وهي الإنسان ، محور العمل كما هو محور سقوط ضوء الشمس ! ويبدو عنصر الإضاءة المتمثل في صورة الشمس متسقًا من حيث طبيعة الوهج ودرجة الألم مع الحالة النفسية للجندي . هذا التناسق بين عنصري الصورة والحالة النفسية للجندي –والذي يتوحد الكاتب فيه أحيانًا –جعل نقطة البدء والتي هي في غاية التكثيف مثار تساؤ حول العديد من أوجه الظلم الاجتماعي في دولة لم تستمد من نظامها القديم غير الفرعونية .
السخرية كانت متخذة أسلوبًا يسميه القدماء التشبيه البليغ وهو عكس المشبه والمشبه به ، حتى صار الجندي أشد سخونة من الشمس من كثرة تعامدها عليه ، ويبرز هذا التعبير عنف الحالة والقسوة الاجتماعية ، كما أن القارئ قد يرى الجندي رمزًا للإنسان المصري ، إذ تشرق شمس نظام وتغرب وما زال هو لم يتغير (كمنحوتة مصرية قديمة ).
عنصر النحت أضاف صورة رائعة تبرِز الألم واستقرار الجرح في النفس ، فكان ثمة تساوق وتناسق بين الجانب المعنوي المحسوس والمادي الملموس .وإذا كان هذا بحي راق ، فكيف يكون الوضع في الأحياء الشعبية ؟!إنها تساؤلات مشروعة حول حقوق الإنسان في أماكن يفترض أنها أكثر رقيًا ، والحي الراقي يمكن أن يتخذ –بغير قصد الكاتب- دلالة يمكن سحبها على دول العالم المتقدمة . فكما يبدو الجندي كمنحوتة فرعونية يبدو المواطن المصري كائنًا معذبًا حتى في البلاد الراقية .
وكيف يتحرك ؟! من ذا الذي يغفل جفنه إلا بأذنه!- بالطبع هو يعي ويتذكر ما حدث مع مجند سبقه في خدمة الضابط - يوم لم تطلعه شمس ، داهمته نوبة تعنيه شديدة , فهرول لقضاء حاجته ، فكانت خطيئته لا تغتفر، أنه انصرف دون إذن، والطامة الكبرى أنه ولى وجهه شطر مرحاض كبير الضباط ، فكان جزاؤه نكالاً وتأديباً،شق له طريقاً منفياً وراء الشمساتخذ النص طريقه بطيئًا نحو الحدث والذي لا يراد الكشف عنه مرة واحدة للتشويق وكان السرد أيضًا مميزًا وارتفاع نبرة السخرية في حالة تتماشى مع ارتفاع حرارة الشمس كان موفقًا في تصوير عمق المأساة ، وذلك من خلال التناص مع الآيات القرآنية ورغم تحفظي على استخدام هذه الألفاظ إلا أنها جاءت لتؤكد معنى آخر وهو (قدسية ) هذا النظام والعاملين عليه وذلك في العبارات الملونة باللون الأحمر . وكانت السخرية بالغة درجة الكوميدية في المشهد المضحك المبكي وهو قضاء الحاجة في مرحاض الضابط الأكبر ، وهنا يجد القارئ تغليفًا جيدًا وتصريفًا رائعًا لكل المشاهدات ، فالكاتب يفلسف المرحاض بأنه شيء يكتسب هالة من القداسة لقداسة الضابط .
وأنا أرى أن هذا الاستعمال والتناص مع النصوص القرآنية في غير موضعه من الناحية الشرعية وقد يعطي الانطباع باستهزاء الكاتب بهذه الآيات القرآنية، رغم أنه أبعد ما يكون عن ذلك .فالمبدع لا يصح أن يكسر القواعد الدينية والتي تكتسب أهميتها من أنها قواعد سماوية ليست أرضية قابلة للنقاش .

"شق له طريقًا منفيًا وراء الشمس"
كان فيه المفارقة بين المحسوس والملموس ، فالجو لا يمكن أن يشق لكن من شدة قسوة وهمة النظام في القسوة شقوا الفضاء كأنها طرق برية . لكن لا أستطيع استيعاب دلالة " طريقًا منفيًا ".هل هي كناية عن المبالغة في التنكيل حتى أن الطريق نفسه نفي ؟ لا أظنه تعبيرًامستساغًا .


منذ أن سمع هذا ، قرر أنه مهما كان الخطب سيصبر ، فالبقاء تحت لفحه الشمس أفضل بأي حال من التواري خلفها ، يريد أن يمضي فترة خدمته على خير .. دون منغصات – بعد مسكن أهله في أقصى الصعيد لا يحتمل أي تأخير أو حرمان من إجازة - ولا سيما الحبس - اخذ عهداً على نفسه أن يكون أطوع للضابط من كلبه الشرطي الذي يلازمه اغلب الوقت


أشعر بأن أسلوبك انسيابي يأخذني لقراءة ما كتبته دون الشعور بالفجوة أو الملل رغم اختفاء الحدث طيلة هذا الوقت ، إلا أن كل هذا التأخير كان بمكانة الخلفية التي يقف عليها هذا الحدث الأليم ،والتعبير كان فاعلاً للغاية ومعمقًا المعنى الذهني للعقاب من خلال التعبير: فالبقاء تحت لفحه الشمس أفضل بأي حال من التواري خلفها
إذ أن الشمس طيلة هذا العمل لا تتخذ دلالة رمزية للضوء وإنما للعذاب وهنا كان توظيف الرمز جيدًا في العمل الأدبي .وفي رأيي أنك كشفت أو حرقت مفاجأة كانت بالانتظار لو أنك تريثت قليلاً لكان خيرًا عندما قلت : أخذ عهداً على نفسه أن يكون أطوع للضابط من كلبه الشرطي الذي يلازمه اغلب الوقت" لو تركتها للقارئ يكتشفها بنفسه لكان أفضل .. رأيي.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس