عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-07-2014, 11:45 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

التوليفة الأيديولوجية للحزب


تشكل الحزبية شكلاً من أشكال التقييد حتى بالفكر، وهي تتناقض بذلك بجبريتها وتقييدها مع (التلقائية) أو (العفوية). ففي التلقائية ينشغل الناس بتصرفهم ضمن إمكانياتهم وحسب فهمهم لملائمة تلك الإمكانيات مع محيطهم، دون ضغوط خارجية كما في حالة الحزبية، وهذا حسب رأي (دوركيم، و أريك فروم) يقلل من فرص الفتن والحروب الأهلية، ويظهر مقابلها جرائم فردية يمكن السيطرة عليها.

لكن كيف يتم توليف المضمون أو النسيج الأيديولوجي للحزب؟ وكيف يمكن للمسئول الحزبي أن يتعامل مع هذه التوليفة؟

إن أول إشارة للتوليفة الأيديولوجية تظهر في اسم الحزب أو شعاره، فعندما يُطلق اسم الحزب الشيوعي على تنظيم فيتبادر للذهن أممية هذا التنظيم وعبوره للحدود الإقليمية والقارية، وعندما يقول (يا عمال العالم اتحدوا) فإنه أعلن بذلك الشعار انحيازه أو (زعمه بالانحياز) لفئات العمال والكادحين. وعندما يطلق تنظيم على نفسه حزب (البعث)، فإنه يزعم بأنه سيقوم ببعث عوامل القوة في الأمة التي حددها للعمل ضمن حدودها، ويضيف بشعاره (وحدة وحرية واشتراكية)، فهو بذلك لخص هويته من خلال الاسم والشعار.

وفي خلال عقد من الزمان أو أكثر قليلاً، ظهرت في المنطقة العربية أحزاب كثيرة، وجدنا أن أكثر من أربعين حزباً استخدمت كلمة (العدالة) في عنوانها، وأكثر من ثلاثين حزباً استخدمت كلمة الحرية.

(1)

يكون دور الأحزاب في تعيين الوعي السياسي للأعضاء وتحكمها في تحديد مضمون هذا الوعي، وهذا ما يفسر الجهد الإرادي الذي تبذله الأحزاب في هذا الميدان. وهذا الجهد الإرادي يتخذ لدى بعض المفكرين صيغة مقننة بقدر ما يمثل الشرط الرئيس للانتقال من الوعي العفوي الى الوعي السياسي*1

في بلادنا العربية، ترفع الأحزاب شعارات ولكنها لا تجعل من شعاراتها وحتى تفاصيل التوليفة الأيديولوجية منهاجاً إجرائياً، فهي تقوم على الفور بتنصيب آخر من الأحزاب السياسية العاملة على أرض البلد، وتقوم بتثقيف كوادرها وأعضائها على النيل من الأحزاب الأخرى، ولذلك أسباب معروفة، فهي لا تستطيع مهاجمة الدولة أو النظام الذي يُفترض أنها وجدت لتعديله أو إزاحته من الحكم، فتقوم بتعبئة أعضائها على مناكفة الأحزاب الأخرى، وقد تكون تعلم أو لا تعلم أن النظام سيتساهل في عدم ملاحقة تلك الأحزاب بمهاجمة بعضها (طالما رأسه سالم) وبعيد عن الانتقاد المباشر.

وقد يقوم أحد الأحزاب باستعارة موضوعات ثقافية من حزب آخر، حتى لو كان غير متحالف معه أو حتى على عداء معه، وقد يُحرّف بعض من يقوموا على وضع توليفة ثقافية أو أيديولوجية من موضوع ثقافي وضعه حزب مُفارق، فيحذف من يولف شيئاً ويغير العنوان، وينسبه لحزبه، وهذا ما كان يجري لدى بعض الأحزاب القومية العربية، عندما تتكلم بمواضيعها الثقافية عن الاقتصاد، فتحرف التجربة اليوغسلافية (أيام تيتو) وتنسبها لنفسها.

وفي أواسط الستينات، كانت تنظيمات حزب التحرير الإسلامي والذين لم يكونوا ـ ولا زالوا ـ على اتفاق مع الأخوان المسلمين، يحضر المسئول كتاباً، وضع على جلدته الخارجية غلافين من ورق الجرائد حتى لا يعرف اسم الكتاب، وقد قام أحد أعضاء الخلية بمغافلة المسئول ـ بمكر ـ وأزال ورق الجرائد، فتبين أن الكتاب هو (في ظلال القرآن) لسيد قطب!

(2)

في المنهاج الثقافي يختار الحزب مسارا يحصن فيه أعضائه من الانحراف ـ هكذا يزعم ـ ويحذرهم من الاطلاع على تجارب الأحزاب الأخرى الثقافية والفكرية، فيصنع بذلك جداراً قوياً بين الحزبيين وبين محيطهم الفكري والثقافي والسياسي، وحتى موضوعات التثقيف الذاتي التي يقوم بها الأعضاء أنفسهم، قد تؤدي بهم الى الفصل من الحزب، بتهمة الانحراف والانحياز للماركسية عندما يكون الحزب قوميا أو دينياً، ويحدث أن يفصل أحد الحزبيين لأن لديه أفكار يمينية (برجوازية، دينية، رجعية)، هذا إذا كان الحزب يسارياً ووجد بين أعضائه من اطلع على تجارب غيره.

هذه الظاهرة تنتشر انتشاراً واسعا بين الأحزاب العربية، وبالذات تلك التي تنضوي تحت نوع الأحزاب التكاملية، أي تلك التي تؤمن أن حل مشكلة الأفراد لن تُحل إلا إذا حُلت مشاكل المجتمع كاملة، ومن أمثالها (حزب البعث، والشيوعي، والأخوان المسلمين والتحرير وغيرها)، بعكس الأحزاب التي تنضوي تحت نوع الأحزاب (التمثيلية) كالأحزاب الليبرالية وغيرها..

(3)

قد ينضوي في صفوف حزب ما عناصر ذات كفاءة فكرية عالية، منهم الفلاسفة وأساتذة العلوم السياسية في الجامعات، وترفد الحزب بحزمة من الأفكار تتحاذى مع برامج الحزب، ولكن الإلمام بتلك الأفكار وفهمها فهماً حقيقياً لدى الحزبيين من الدرجة الثانية أو الثالثة، لا تكون بنفس المستوى الذي يفهمه واضعوها أو المؤمنون بها إيماناً (عضوياً).

يواجه المسئولون من الدرجات الدنيا مواقف محرجة، فقد ينفي أحد هؤلاء المسئولين إيمانه بالعلمانية، في حين يُصرح مسئولٌ من مستوى أرفع أنه يؤمن بالعلمانية، وقد يهاجم أحد المسئولين من الدرجات الدنيا موضوع الدين باعتباره موضوعاً رجعياً لا يتلاءم مع سياسة الحزب، في حين يصرح مسئولٌ أرفع أنه مع الإيمان ضد الإلحاد، وكذلك تحدث خلافات في المواقف تجاه المرأة والانتخابات وغيرها.

يؤسس عدم التطابق في المواقف الفكرية (الأيديولوجية) في صفوف الحزب، حالة أو حالات من التشكك وكثرة (ما يُسكت عنه)، وتظهر نتائجه في الحوار مع السياسيين من مختلف الأحزاب، ويظهر هناك العداء والنزق في الحوار وعدم التمهيد لحالة القبول بالتعددية الحزبية أو حتى عدم التوافق الشعبي، والذي يبدو أن الأحزاب هي التي تدفع باتجاه عدم التوافق، وبالتالي ظهور الانقسام في صفوف الشعب، والذي سيؤدي بالتالي الى غياب الأمن الاجتماعي بعد غياب الأمن السياسي، وهذا ما نشاهده في مصر والعراق وغيره من الدول.

فالمسئول الحزبي الذي يُبنى كيانه على لون فكري (أيديولوجي)، غير متين، لن يكون في يوم من الأيام سياسياً جيداً، وبالتالي لن يكون قائد سياسي شعبي.




هوامش
*1ـ عبد الرضا حسين الطعان/ البعد الاجتماعي للأحزاب السياسية/ جامعة بغداد/ كلية العلوم السياسية/ 1990 صفحة 362
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس