عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-08-2010, 10:34 PM   #576
اقبـال
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2009
المشاركات: 3,419
إفتراضي


إستراتيجية المقاومة بعد الإنسحاب الأمريكي



عندما وقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما داخل أكبر القواعد العسكرية بالولايات المتحدة في لوزيانا بتاريخ 27-2-2009 معلناً جدولة الإنسحاب الرسمي لقواته القتالية من العراق. فقد كان هذا القرار الرئاسي إعترافاً صريحاً بفشل الحل العسكري وتقهقر الجيش الأمريكي. مما يعني تقدماً ميدانياً قد حققت إنجازه المقاومة العراقية وحدها وبمفردها.
ومع بداية التطبيق الفعلي لهذا الإنسحاب الذي يوجب الخروج بنهاية هذا الشهر الجاري 31-8-2010، على أن يكتمل قبل 31-12-2011، تكون المقاومة العراقية قد قطفت ثمار إستراتيجية "أضرب وأهرب" التي إتبعتها في السنوات الماضية. حيث أنهكت فيها قوات الاحتلال نفسياً ومعنوياً وإرادياً، بسبب ما يتعرضون إليه من مباغتات وهجومات فجائية تحصد أرواحهم وتعصف بمعداتهم وتثخن بدماء جرحاهم، دونما أن يتمكنوا من شلّ أو تحجيم ضربات المجاهدين المقاومين.
وبما أن القوات الأمريكية ستبقي نحو 50 ألف جندي موزعين في أكثر من 40 قاعدة، بحجة التدريب والتأهيل لِما تسمى بالقوات العراقية ظاهرياً؛ بينما باطنياً هو إسناد هذا الجيش بمجابهة رجال المقاومة الأبطال وبقية الوطنيين العراقيين الشرفاء. فضلاً عن توفير الحماية اللازمة والكافية لحكومات الاحتلال التي تشرعن الوجود العسكري الأمريكي عبر الإتفاقية الأمنية المبرمة بين واشطن وبغداد في عام 2008. وعليه فإن مرحلة ما بعد الإنسحاب الأمريكي ستوجب على المقاومة العراقية وضع إستراتيجية جديدة ليس فقط لكي تثبت فيها قدرتها وفاعليتها وإمكانيتها بفرض وجودها الميداني كما فعلت في المراحل السابقة، بل لكي تكمل نهجها الجهادي الذي، بحمد الله تعالى، أقتربت فيه كثيراً من تحرير البلاد والعباد.
ومن هنا نستطيع من خلال متابعتنا لِما يصدر عن بعض قادة المقاومة من أقوال وتصريحات، وما يتم نشره في مواقعهم الرسمية؛ علاوة على الوقائع والأحداث المشاهدة والملموسة على أرض الواقع في الساحة الجهادية، حيث يمكننا أن نستنبط الإستراتيجية التي ستتبعها المقاومة العراقية في هذه المرحلة بالذات، وما سيترتب عليها وفق الزمن المنظور من إيجاب للمقاومة، وسلب للمحتل الأمريكي.



الاستعداد لمرحلة القواعد الدائمة


بعد أن أثبتت المقاومة العراقية عمق وعيها وقدرتها بإستيعاب كل المستجدات والتحديات، وبرهنت على حيوية تكيفها مع المتغيرات والمعطيات، وكل ما ينتج من مخططات المحتل الأمريكي، إبتداءً من أحابيل مجلس الحكم والعملية السياسية، وصولاً إلى مجالس الإسناد (الصحوات) ومهزلة الإنتخابات وغيرها. فهذا الأمر إن دل على شيء، فإنما يدل على الاستعداد المسبق الذي تضعه عقلية المقاومة في حسبانها وحساباتها في الفعل ورد الفعل وما بعد رد الفعل.
لذلك عندما أقر أوباما جدولة الأنسحاب الرسمي للقوات القتالية الأمريكية من العراق، نجد إن إعلام المقاومة أخذ يركز بشكل ملحوظ على إبراز أسلوب حربي جديد يتعلق بصناعة الصواريخ من حيث تطويرها وتحسينها بشكل أكفأ وأدق من ذي قبل. وهذا الأمر ليس بالمستغرب، بل ويعرفه الخبراء العسكريين الأمريكان جيداً. حيث أن قوات الجيش العراقي السابق قد إكتسبت خبرات قتالية هائلة وعقلية تصنيعية بارزة بعد حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة. وخصوصاً في سنوات الحرب ضد إيران ما بين (1980-1988) والتي إنتصر فيها الجيش العراقي الباسل. وتجرع في حينها الخميني السم الزعاف، كما قال عن نفسه.
معنى هذا إن الأسلوب القتالي القادم للمقاومة العراقية سوف ينصب أكثر على توجيه الضربات الصاروخية المتواصلة على القواعد العسكرية الثابتة أو الدائمة للمحتل الأمريكي لتجعلها براكين تستعر لظى نيرانها وفق ما تحدده وتقرره قيادات المقاومة زمانياً ومكانياً.
صحيح إن التقنية العسكرية العالية التي يمتلكها الجيش الأمريكي ستقلل نوعما من ويلات الضربات، لكنها لا تستطيع منع وابل الصواريخ على نحو كلي. ورغم أنها تقدر على حجب الخبر عن الإعلام، مثلما تفعل مع صواريخ المقاومة التي تدك المنطقة الخضراء بين الفينة والأخرى. إلا أن إستعداد المقاومة لمرحلة ضرب القواعد الدائمة وما ستخلفه من تدمير أو حريق وبشكل متواصل تجاه هذه القاعدة أو تلك، فإنها سوف تقض مضاجع القادة السياسيين في البيت الأبيض، والقادة العسكريين في البنتاغون. حيث إن تسريب الأخبار الخطيرة لابد لها أن تصل للشعب الأمريكي بصورة أو أخرى، فينعكس ذلك سلباً على مستقبل القادة السياسيين والعسكريين.
وبما أن الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأمريكية ستبدأ في تشرين الثاني/نوفمبر القادم. لذا فمن المتوقع أن يظهر أوباما أمام شعبه بأنه قد أوفى بوعده حيث سحب قوات بلاده من العراق. وطالما كان الإنسحاب غير الجلاء، لذا فإن المقاومة العراقية ستمتلك نحو سنتين من العنصر الزمني لتذيق فيها القواعد الأمريكية الدائمة علقماً مريراً تجبر فيها الحملة الإنتخابية للرئاسة الأمريكية لعام 2012 على رفع شعار الجلاء، مثلما ساهمت بشكل غير مباشر في وصول أوباما للرئاسة عام 2008 عندما رفع شعار "الإنسحاب من العراق".


حتمية الجلاء والقيادة الموحدة




وفقاً لمسار الأحداث العسكرية والسياسية منذ الغزو الأمريكي للعراق ودخوله إلى بغداد الرشيد في 9-4-2003. فإن عملية الإنسحاب الرسمي للقوات الأمريكية خلال 18 شهراً تعني فشل الحل العسكري بفرض نظام سياسي؛ كما أراد الرئيس السابق جورج بوش عند تبنيه نظرية المحافظين الجدد المشؤومة. صحيح إن أوباما أثناء حملته الإنتخابية للرئاسة الأمريكية قد أعترف بأن الحرب على العراق "خطأً". وأقر بمرسوم رئاسي على سحب القوات، لكنه عملياً وزمنياً لا يستطيع إقرار الجلاء النهائي. حيث أن هذه المرحلة تتطلب وضعاً مغايراً تختلف فيه الأحداث العسكرية. لذا فإن زخم الضربات الصاروخية للقواعد الأمريكية الدائمة ستشكل منعطفاً جديداً تُمكن الرئيس الأمريكي القادم على إتخاذ قرار الجلاء، وهي المحطة الأخيرة لزوال المحتل وإنتصار المقاومة الوطنية المسلحة وقواها المدنية الممانعة للإحتلال.

ورغم إن منطق الأحداث الميدانية وحقائق التاريخ تؤكد على زوال المحتل، بيد أن المدة الزمنية بين بقائه وزواله تقترن أيضاً بالمدى الذي يقابله الطرف المقاوم. إذ كلما كانت الجهود متظافرة ضمن قيادة واحدة أو مجلس مشترك لأغلب الأقطاب المجاهدة، كلما كانت مدة المحتل أقل. وبما أن كل الفصائل وجبهاتها الجهادية تشترك في هدف تحرري واحد، لذا ليس شرطاً أن يكون إنبثاق القيادة الموحدة خاضعاً لتنظير معين، أو يسوده فكراً محدداً. وربما يكفي أن يكون هناك إتفاقاً مبدئياً حيال بعض الثوابت التي يجتمع عليها الجميع.

إن قضية القيادة الموحدة للمقاومة العراقية أمراً تحتمه طبيعة المرحلة القادمة. ومثلما إستجابت فصائل المقاومة للتحديات التي فرضتها الساحة الجهادية، وشكلت في النصف الثاني من عام 2007 جبهات رئيسة تقود العمل المقاوم، لذا فإن ما بعد الإنسحاب العسكري الأمريكي يوجب بالضرورة على قيادات هذه الجبهات بقيام وحدة توازي وتطلعات الشعب ومستقبله.

أضف إلى ذلك، إن القيادة الموحدة توجب كثيراً من الأمور، ومنها:

أولاً: إلتفاف عموم الشعب حول هكذا قيادة موحدة تنقذه من الهلاك الذي هو فيه منذ سنين، وتعيد له كرامته الوطنية وسيادته العراقية.

ثانياً: تجعل من الرئاسة الأمريكية القادمة أمام قوة قيادية لا مفر ولا مناص من التفاوض معها آجلاً أم عاجلاً بغية الجلاء، أو مواجهة الهزيمة.

ثالثاً: وجود هكذا قيادة موحدة تفرض على دول الجوار ثقلها وإحترام قراراتها. وكذلك تجعل من الدول الكبرى أن تتعامل معها كونها قوة وطنية كبيرة.

رابعاً: ما زرعه النظام الإيراني المسخ داخل المجتمع العراقي من ميليشيات وجمعيات وشركات الخ. سوف تتهاوى أمام زحف قيادة المقاومة الموحدة. لأن هذا الزحف سيكون مدوماً بقوة شعبية وجماهيرية تقلع كل الدخلاء والعملاء.

ولكن! إذا كانت هناك صعوبات تعيق ولادة هكذا قيادة موحدة بين مكونات المقاومة، ولكي لا يطيل المحتل بقائه، فعلى الجبهات الرئيسة أن ترى أيها الأقرب إليها فكرياً وعقائدياً فتعمل معها على إنبثاق هذه القيادة الموحدة، على أمل أن يلتحق فيها بقية الفصائل المجاهدة. فهذه الوحدة حتمية الوجود، بيد أنها تنتظر من ينفذها فيدخل التاريخ شامخاً مخلداً.


د. عماد الدين الجبوري
اقبـال غير متصل   الرد مع إقتباس