عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-06-2008, 02:13 AM   #6
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

والصورة العامة في اوزان عمر أنها اوزان سهلة خفيفة، وان کثيراً منها جزّئ، حتي يکون خفيفاً علي هؤلاء المغنين من الأجانب، ونحن نظن ظناً ان تحريفات کثيرة وقعت، وان کانت کلها تستهلکها نظرية الزحاف والعلل التى اتي بها الخليل بن احمد، اذ قال ان کل تفعيلة من حقها أن تُعُلّ عللاً کثيرة، بتسکين المتحرک فيها، او حذف ساکنها، ونحو ذلک.

وقوام هذه المدرسة

السعي الى المرأة حيثما كانت وبشتى الوسائل الممكنة،لا لانها امرأة وحسب،بل لانهم يعشقون الجمال واللذة،و ليس كالمرأة من كائن يجمعها معا.
التصريح في الحب والفعال تصريحا يصل الى بعض التفاصيل،من دون تبدل او اسفاف في اللغة الشعرية والوصف الحسي،الا فيما ندر.
عاطفة سريعة قوية،لا تحتمل الصبر،و لا تدخلها المعاناة الا من قبيل السعي الى اللذة،و لا للوجد والشوق والهيام.
اللغة الشعرية الواضحة.
التي مر ذكرها.

اصحاب الغزل الحضري:

من قريش: اول من تجرّأ علي التشبيب منهم ابن ابي عتيق، وهو حفيد ابي بکر الصديق، ويقولون انه کان طاهراً عفيفاً شبب عن غير ريبة، ثم عمر بن ابي ربيعة من قريش والعرجي وهو من قريش ايضاً، وغيرهم. وکلهم من شعراء العصر الاموي. فتجرأ الشعراء من غير قريش علي الاقتداء بهم حتي شاع التشبيب، وصاروا يعتقدون ان الشعر لايحس الا به لما فيه من عطف القلوب فيبدأ الشاعر الحضرى بذکر الحبيب والصدود والهجران، کما يبدأ البدوى بذکر الرحيل، والانتقال ووصف الطلول.

يروي ابو الفرج:كانت العرب تقر لقريش بالتقدم عليها في كل شيء الا بالشعر،فانها كانت لا تقر لها به حتى كان عمر ابن ابي ربيعة،فاقرت لها بالشعرو ايضا لم تنازعها شيئا. و في الختام جدير بالذکر «ان الخصائص الجديدة: قليلة في شعر عمر، اما ميزة عمر الکبري فهى انها جمع خصائص الغزل التى کانت قبله. ثم احسن تصريفها في شعره، وعمر قصر شعره کله علي الغزل,ثم قصر القصائد علي المعانى فانتهي به المعني. فکل قصيدة لعمر موضوع تام في نفسه، سواء أکانت ابياتاً قليلة او ابياتا کثاراً».

الغزل العذري او العفيف (نشاته، سماته، خصائصه وشعراؤه):

نحو اواسط القرن الاول للهجرة فيمايليها واخذت بعض شعراء اهل الوبر المعدودين يقول القصائد في مجرد النسيب بل لايتعاطون غيره وصناعتهم بعيد عن اسلوب شعراء الجاهلية وعن منهج الغزليين عن اهل المدر, فانهم لايعشقون الاإمراة واحدة، جعلوا عيشهم فداءها ولا يتغزلون ولايفتخرون بنيل وصلها وانما يظفرون في شعرهم رقة القلب وشدة الحنو ويكثرون في بيان الصبابة وتوجع الكآبة وقلق الاشواق الم الفراق وفرط الحزن والغم واليأس وكل ذلك مصوغ في قالب رشيق, مترجم بلفظ رقيق, وكلام لطيف عفيف لايدخل فيه شيء من الخلاعة والشهرة الدينية

تسميته: ان الغزل العذري اكتسب اسمه من قبيلة بني عذرة احدي قبائل قضاعة التي كانت تنزل في وادي القري شمالي الحجاز، لان شعراءها اكثروا من التغني به ونظمه ويصيرون الي الجنون ومن قبيل صدفة غريبة فان هولاء العشاق المتيمين ينتمون الي قبيلة اصيلة الجنوب العربي، وهذه يضاف اليها حديث منحول:" من احب فعف فمات مات شهيدا".

ماهية الغزل العذري:

فالغزل العذري تعبير عن وضع طائفة من المسلمين كانت تتحرج وتذهب مذهب التقي، وتؤثر السلامة والعافية علي المقامرة والمخاطرة، وتري ان النفس امارة بالسوء "ان النفس لامارة بالسوء" وان النارقد حفت بالشهوات علي حد تعبير الحديث الشريف "و انه من الخير لها ان تصبر… "و ان تلتزم ما امر الله به ان يلتزم *وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله من فضله.

اما الغزل العذري التعبير الفني الشعري عن هذا الحب… انه هذه الثروة الشعرية التي خلقتها لنا النفوس المحبة التي تذرعت بالايمان واجتمعت بالعفة. ولنا ان نقول اذن ان الغزل العذري هو المظهر الفني للعواطف المتعففة والمتلهبة في آن معا والتي وجدت ان هذا التعويض الفني هو خير ما تطفيء به لبهما وتتسامي به في غرائزها

ولادة الغزل العذري وعوامل نشأته اوظهوره:

قد يكون من العبث ان تحدد ولادة هذا الفن الشعري ذلك انه ظاهرة من الظواهر الفنية التي ترتبط اشد الارتباط بالظواهر الاجتماعيه… ومثل هذه الظواهر تمتاز بانها ليست منفصلة عما قبلها ولامنفصلة عما بعدها… فليس لها هذا التوقيت، وليس في صورتها المكتمله التي نراها عليها مايبيح لنا ان نقول انها نشأت في هذا العصر او استوت في هذه الفترة.

وكان الاسلام اقوي العوامل في ظهور هذا النوع من الغزل، از خلق ادراكا جديدا للعاطفة، فيما دعا اليه من جهاد النفس، ومقاومة الهوي، وفيما هيا للروح الزهد، وبتهوينه من شأن الدنيا، وتهوينه لعذاب الاخرة، وكانت مقاوة النفس للهوي اكبر ظاهرة تجلي فيها زهد هؤلاء الغزليين من المتاع الحسي، حتي كان بعضهم من الزهاد والاتقياء

وفي بيان تأثير الاسلام في ظهور هذا الجنس نقوم بدراسه حياة البدوبين في العصرين الاسلامي(الاموي) والجاهلي علي حسب ما جاء به طه حسين في حديث الاربعاء: يكفي ان توازن بين حياه البدو بعد الاسلام وقبله، لتري ان هناك فروقا عظيمة بين هذين النوعين من الحياة، ولكن هذه الفروق تكاد تقتصر علي الحياة المعنوية وحدها. فلم تكد الحياة المادية تتغير عند هؤلاء الناس بعد الاسلام، وانما كانوا في ظل الخلفاء كما كانوا في عصر الجاهلية: يخضعون لقوانين البداوة ويقاسون من شظفها وخشونتها مثل ما كانوا يقاسون في العصر الجاهلي. وربما اتيح لهم شيء من سعة الحياة، ولكنه لم يكن كثيرا ولاموفورا، ذلك لا نهم لم يكونوا يشتركون في الحياة السياسية، فان فعلوا لم يكونوا يحتفظون بالحياة البدوية.

وربما كان من الحق ان نلاحظ ان هؤلاء الناس من اهل البادية كانوا قد احتملوا اعباء في الاسلام لم يكونوا يحتملونها في الجاهلية، اريد اعبا الصدقة والزكاة، فقد كانوا قبل الاسلام احرارا لايؤدون اتاوة ولا يخضعون لنظام الا ما اصطنعوا لا نفسهم من نظمهم الخاصه فيما بينهم. اما بعد الاسلام فقد ضربت عليهم الضرائب واخذوا بالصدقات في سائمتهم. اضف الي هذا شيئا آخر، وهو ان الاسلام قد اخذ علي هؤلاء الناس شيئا من طرق الكسب التي كانت مألوفة في الجاهلية، لأن الاسلام اقرا السلام بين القبائل البدوية وحال بينهما وبين ما كانت تتخذه مجدا وشرفا ومكسبا من الغزو وضروب الاغارة. فلم يكن يتاح للقبائل بعد الاسلام ان تتغازي ويغير بعضها علي بعض، كما كانت الحال في الجاهلية. واذن فقد كانت الحياة المادية عند اهل البادية بعد الاسلام شرا مما كانت عليه قبل الاسلام، ولهذا لم تدم الحياة الاسلامية المنظمة في البادية عصرا طويلا، ولم يكد يضعف سلطان الخلفاء ولم يكد الخلفاء ينصرفون الي تدبير البلاد المفتوحة حتي انتهز اهل البادية هذه الفرصة، فاستأنفوا ما كانوا فيه ايام الجاهلية من غزو واغاره وحرب وخصومة، بل لم يدع اهل البادية فرصة تمكنهم من الفرار من اداء الصدقات والضرائب الا انتهزوها واستفادوا منها.

لم تتغير اذن حياتهم المادية في جملتها، بل ظلوا يلقون من الضيق ويقاسون من الشظف مثلما كانوا يلقون ويقاسون في العصر الجاهلي. اما حياتهم العقلية والمعنوية بنوع خاص فقد تغيرت تغيرا شديدا. وحسبك ان تقارن حياة بدوية متأثرة بهذه الطائفة من الآراء التي كان يتأثر بها الجاهليون، بحياة بدوية اخري متأثرة بالقران الكريم وما فيه من دين وخلق وادب وحكمة ونظام، لتشعر بالفرق بين نفسيه البدوي المسلم في الاول عهد الناس بالاسلام ونفسيه البدوي الجاهلي. كان هذا الفرق عظيما وكان التوازن مختلا بين الحياة العقلية والحياة المادية، تغيرت الاولي تغيرا تاما، ولم تتغير الاخري اولم نيلها من التغير الا شي قليل.

ومن هنا نشأ في نفوس هؤلاء الناس شيء من اليأس (لسبب تغيير مقرالدولة من الحجاز الي العراق) في الحياة المادية، تبعه شيء من الأمل في حياة اخري ليس واضحا في هذه النفوس الساذجة وضوحه في نفوس اهل الحضر ومن هذا اليأس والأمل تكون لهؤلاء البدو مزاج خاص لاهو بالبدوي الغليظ ولا هو بالحضري الرقيق، وانما هو شيء بين بين.

ويعزو كثير من الباحثين ظهور العفة في شعر الغزل الي اخذ الناس باسباب الدين وباسباب الحياة الخلقية والاجتماعية التي كانت تسود اوساط الناس في البوادى، وربما كان شيء من ذلك صحيحا، وربما كان ايضا كثير ام قليل من ذلك صحيحا، غير اننا نؤكد قطعا خضوع الادب شروط الحياة التي تتوافر له في هذه البيئة وذلك المناخ، كما تتوافر له شروط اخري في خارجها، والغزل الذي نما شروط الحياة في البوادي، انتج لنا نموذجين اثنين من الشعر:

غزل عفيف طاهر، طغت عليه نزعة الحب الوجداني.
غزل نقي باهر، طغت عليه نزعة الحب الوصفي.
وعميد النوع الاول من الغزل العفيف، هو جميل بثينة، الذي اقام له مجسما في ركن الروح اما عميد النوع الثاني من الغزل النقي، فهو ذوالرمة، الذي كان يقيم له من شعره مجسما، اتخذ عناصره من اشياء البادية.

وبمقتضي هذه النظرية الاشتراطية التي تطابق بين الحياة والشعر، فان الغزل البدوي كان يشكل اعلي تجليات المطابقة بين الشعر والطهرية الدينية الاخلاقية في المجتمع البدوي

زمن نشاته:
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس