عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-06-2006, 02:16 PM   #34
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

( 13 )

للزواج أهداف منها سننية ( تتبع لسنة الحياة ) ومنها وظيفية تشبع حاجات فسيولوجية من جانب ، وترفد من يعملون لإتمام الزواج بحاجات يعرفونها معرفة جيدة ..

في الجانب السنني ، يلهم الله عز وجل كل الكائنات الحية إلهاما يدفعها للقيام بالتكاثر ، فتجد عند كل الكائنات الحية من مستوى كائن حي مكون من خلية واحدة ، كالأميبا أو أي بكتيريا أو فطر ، الى أكبر حيوان يتحرك حركة ديناميكية ، أو حتى ستاتيكية .

فقد لاحظت كمختص أن شتلة من أشتال الحمضيات (كالمنتينا ) كانت بعمر أقل من سنتين ، قد تغطت بأزهار الإثمار تغطية كاملة ، وطبعا نعرف كمختصين أن تلك الظاهرة ، تنبئ بوجود مرض ، وعندما توقفت فاحصا ما يجعلها تطلق هذا الكم الهائل من الأزهار .. وجدت السبب .. أما لماذا قامت تلك الشتلة بعمرها المبكر بإطلاق هذا الكم الهائل .. فإن الشتلة تعتبر نفسها مسئولة عن تواصل جنسها ، فعندما أحست بالضعف ، استعجلت لإطلاق هذا الكم من الأزهار لتخلف من يخلفها في الحفاظ على جنسها ..

عند البشر ، يسلك الإنسان مثل سلوك شتلة الكالمنتينا ، فإذا لم يرزق بمولود فإنه يبذل قصارى جهده ، في معالجة الأسباب ، ويبقى نشاطه في البحث عن علاج يحل مشكلته قائما حتى يموت .. وهو يعلم أن له أخوانا أو أقارب أو غيره من البشر ، يقوم بمهمة الحفاظ على الجنس البشري !

في العتيقة كغيرها من قرى الريف ، يتغلب الجانب الوظيفي على الجانب السنني ، رغم الاحتفاظ بأهمية الجانب السنني ، فالزواج يعني مشروع رفد الأسرة بأعضاء جدد يقومون بأعمال الزراعة ، فإضافة مولود جديد ، يعني إضافة فلاح جديد ، يبذر ويزرع و يحصد و يقوم بالأعمال الأخرى .. ويعوض من ينتهوا من جراء أوبئة كالكوليرا أو الطاعون أو الحصبة أو غيرها ..

وقد تكون تلك العوامل الغائبة لدى الغرب ، هي ما تدفعهم لعدم الارتباط بالزواج و عدم الإنجاب ، لغياب مثل تلك المحفزات أو الأسباب ، التي يبدو أنها التصقت ك ( أليلات وراثية ) على كروموسومات أبناء شعبنا .. حتى بعد زوال عوامل الفلاحة ..

كان على الوالد عندما ينوي تزويج ولده ، أن يؤمن له (غرفة) يسكن فيها مع عروسه ، ويتدبر موضوع المهر و اللوازم الأخرى .. لكن اللوازم الأخرى لم تكن بنفس أهمية المهر ، الذي كان يتم بالمقايضة ، فيكون ( ربع ربعة دوارة ) وهي مساحة من الأرض تساوي حوالي عشرون هكتار ، و أعرف نساء تقدر قيمة مهر إحداهن ، الآن أكثر من 25 مليون دولار .. على الأسعار الحالية .. وإحداهن بعين واحدة ..


ومن لم يجد مهرا كافيا ، فيستبدل شقيقته بعروس ، وفي بعض الحالات تستبدل الابنة بعروس ! لقد كانت كثير من الزيجات تتم على طريقة سندات القيد فينزل من حساب فلان ، الى حساب فلان .. حتى تتساوى القيمتان ..

لا أذكر أكثر من حالتين ( خطف ) .. حيث سمعت أن فلانا خطف فلانة ، وكانت طريقة الخطف ، تتم عندما تنسد الأبواب في وجوه عشيقين ، ولم يستطع العريس تلبية طلبات والد العروس ، ولكن كل من العريس و العروس متمسك بالآخر ، فيهرب بها الى منطقة بعيدة ، ويدخل في حمى شيخ عشيرة ، فيعقد قرانه على فتاته ، ويتم الزواج ، ولكنني لم أسمع بأنهما عادا الى القرية ..


كنت أقلب صفحات (مفكرات ) والدي رحمه الله ، فعندما يدون حالة خطوبة ، يكتب ذبح دار فلان على فلانة ، وهي إشارة واضحة لعقد القران ، إذ كان الوفد(الجاهة) الذي يذهب لخطبة فتاة ، يأخذوا معهم كبشا أو تيسا ، ولوازمه و يذبحونه ، لعمل طعام بالمناسبة ..

من الطبيعي أن المفاوضات قد سبقت عملية اللحظات (الكرنفالية ) الذبح ، وقد تأخذ المفاوضات مدة تطول أو تقصر ، وقد تكون للنساء ( النسوان) الدور الأكبر في عمليات المفاوضات .. و أما المراسيم ( الكرنفالية ) ، ما هي إلا ملامح لنفاق اجتماعي ( محبب) .. و أظن أن لا تغيير كبير في ذلك قد حصل في الوقت الراهن ..

فعند دخول الجاهة ، يصب فنجان من القهوة ، و يشير أعضاء الجاهة (الوفد) الى رجل مرموق قد اختاروه قبل مجيئهم ، وهو من سيمثل أهل العريس ، وعندما تكون (الجاهة ) ، قد أغفلت اختيار من يتكلم باسمها ، فان من يصب القهوة ، سينتبه الى ذلك التقصير ، فيضع فنجان القهوة في وسط المجلس ، ويقول : ( شومتكم بينتاكم ) .. أي أن على الجاهة أن تقوم بتكريم من تريد من أعضائها .. فيقدم أعضاء الجاهة أحدهم ، فيعتذر ويكرم آخرا بها ، حتى يستقر الاختيار على واحد ..

فيقوم من تم تكريمه ، بقول كلام مكرر ، كان بإمكان أي واحد أن يقوله ، فهو لا يحتاج الى مذاكرة و حفظ ، وليس هو بالكلام المعقد والخطير ، بل كلام يشير الى الرغبة في طلب القرب من أهل العروس ، ويضيف بعض الصفات التي تدلل على نبل و ندرة و أهمية أهل العروس ، وهي صفات لا أظن أنها قد قيلت لهؤلاء فقط ، ولا أظن أن أهل العروس سيرهنون موافقتهم على ضوء صياغة هذا الكلام .. بل هي نمرة في برنامج .. وعندما ينهي المتكلم ، قوله بأن قهوتكم لا تبرد ، يوافق والد العروس على طلب الجاهة وتنطلق الزغاريد ..

في كثير من الأحيان ، بل في كلها ، كان يتم كتابة عقد القران ، في نفس الجلسة ، ويبقي الوفد ( الجاهة ) .. حتى يتناولوا الطعام وهو غالبا ما كان يتم مساء .. أي طعام عشاء ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس