عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-03-2009, 12:47 AM   #1
متفااائل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2004
المشاركات: 1,161
إفتراضي ( منقول ) ما تحتمله الجدران

ما تحتمله الجدران
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى عشرينيات القرن الماضي كانت الكاتبة الامريكية الاصل ( جريترود شتاين 1874 - 1946 ) بمثابة الأب الروحي لجيل من الكتاب والفنانين الشباب المهاجرين الى العاصمة الفرنسية باريس ، وهي كانت شاعرة وقاصة وناقدة درست علم النفس والطب وتخصصت فى تشريح المخ ، كما كانت لها تجاربها مع اللغة ، حيث ارادت ان تنتج تبسيطاً للتكنيك النثري مثلما تجده فى نتاج بعض الفنانين المحدثين ، وقد امنت دائما بان لطريقة استخدام الكلمات او اللون التي نقدم بها عملاً فنياً هي العامل الاساسي فى ابراز معنى هذا العمل وقيمته ( بمعنى ان الطريقة التى اعبر لك بها عن فرحي هى التي تحدد قيمة هذا الفرح او القرف او ما شئت من المشاكل مثلاً ) كما كانت هي التي اطلقت على جيل همنجواي ( ولد فى 1899 وانهى حياته فى 1961 ) من الكتاب الذين نشأوا عقب الحرب العالمية الاولى اسم الجيل الضائع .
فى ذلك الوقت ، اعني عشرينات القرن الماضي ، كان همنجواي الشاب يجلس فى غرفته العلوية بالفندق يتدرب على اكتساب الخبرة بالعمل اليومي على تطوير نثره ، وهو المران الذي يجب ان يستمر حسبما يقولون على مدى العمر ليس اكثر ولا اقل .
كان عقد العزم على ان يكتب قصة عن كل شئ يعرفه فاذا تعثر قال لا تقلق فلقد كنت تكتب دائما من قبل وستكتب مرة اخرى وان كل ما عليك ان تفعله هو ان تكتب : " جملة حقيقية واحدة اكتب بصدق جملة تعرفها ثم واصل من عندها " وهكذا يتمكن من كتابة جملة حقيقية ويواصل من هناك .
ورغم مثل هذه الجملة الحقيقية التي عرفها الكاتب موجودة دائما الا ان العثور عليها لا يتطلب اقل من كاتب حقيقي لان هناك البعض ممن يمثلون حزما زائفة من الجمل والعبارات المختلسة من شتى الكتب والناس ، والتي لا ينتج عملا حقيقيا ابدا . وسوف نعود الى مثل هذه الحالة مستقبلا
كانت ( شتاين ) فى الثامنة والاربعين اذن عندما بدأ همنجواي الشاب يتردد عليها فى بيتها ، ثم كاتبها بعد ذلك لسنوات واعترف بفضلها عليه فى اختيار الطرق والاساليب التي انتهى اليها ، وقال انها جعلت منه كاتبا بدلا من صحفي فقط وطالبته دائما ان يجعل اسلوبه طبيعيا وان يحذف الزخرفات والمقدمات والالتواءات اللفظية التي لا يلجأ اليها الا النصابون من الكتاب وليبدأ بأول جملة خبرية حقيقية باختصار ان يستغنى عن كل ما يمكن الاستغناء عنه سواء فى السرد او الحوار .
بعد فترة من تردده وزوجته على شقتها والجلوس اليها : بدأ على " شتاين " وصديقتها انهما احبتانا هو وزوجته وعاملتانا كما لو كنا طفلين .. وقبلت دعوة زوجتي لهما لتناول الشاى معنا حسبما قال فى ( وليمته المتنقلة ) .
وجلست الانسة شتاين على الفراش المبسوط على الارض وطلبت ان ترى القصص التى كتبها ، وقالت انها اعجبتها ما عدا واحدة ( هناك فى متشجان ) وقالت : " انها جيدة ولكن لا يمكن تعليقها ، وهذا يعني انها مثل لوحة يرسمها الفنان بيد انه لا يستطيع تعليقها عندما يقيم معرضا ولن يشتريها احد لانه لن يمكنه هو الاخر تعليقها " .
وقد حاول همنجواي ان يدافع عن بعض الالفاظ التي جاءت بقصته ولكنها كانت قضية مستوى ، لذلك قالت : انك لا تكتب اي شئ لا يمكن تعليقه على الجدران انه خطأ وامر سخيف .

--------

قرأت المقالة السابقة السابقة للاستاذ ابراهيم اصلان فى جريدة الاهرام المصرية
واعتقد ان قراءتها لن تخلو من الفائدة فاردت ان تشاركوني قراءتها ...

تقبلوا تحياتي
متفااائل غير متصل   الرد مع إقتباس