عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-03-2009, 11:27 PM   #28
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الجزء الرابع: القفز فوق رودس.

20ـ أشد الوحوش لا مبالاة

{ (( في مكان ما ثمة بشر وقطعان. لكنهم ليسوا هنا حيث نعيش يا إخواني. فهنا ثمة دول. آه، دولة؟ وما الدولة؟ فلتصغوا جيداً إلي. ففي نيتي أن أحدثكم الآن عن مصرع الشعوب)).

(( الدولة هي اسم أشد الوحوش لا مبالاة. وهي تكذب أيضاً في لا مبالاة. وتخرج الكذبة من فمها فتقول: أنا الدولة، أنا الشعب. وهذا محض افتراء! فالخالقون هم الذين خلقوا الشعوب وزودوها بالإيمان والمحبة وبذا أصلحوا الحياة)).

(( أما من ينشدون العدم فينصبوا الفخاخ في طريق الكثرة ويسمونها دولة، ويشهرون السيف ويغرسون في النفوس عشرات الشهوات)).

(( وهذه آية أسوقها إليكم: كل شعب له لغته الخاصة عن الخير والشر لا يفهمها جاره. قد اخترع لغته عن عاداته وحقوقه. أما الدولة فتكذب بكل لغات الخير والشر. وكل ما تقوله كذب. وكل ما تملكه قد سرقته)). }

...اقتباس من كتاب: هكذا تكلم زرادشت للفيلسوف فريدريك نيتشه

(1)

في نهاية التاريخ ليس ثمة منافسون أيديولوجيون للديمقراطية الليبرالية!

هكذا يبدأ فوكوياما أول سطر من مقالته بعد الاقتباس السابق. فيقول: كان الناس في الماضي يفضلون الحكومات الثيوقراطية (الدينية) أو الإمبراطوريات أو الحكومات الشمولية على الديمقراطية الليبرالية. أما اليوم، وإذا استثنينا العالم الإسلامي، فإن كل الشعوب تتجه للديمقراطية الليبرالية.

يستدرك ذلك بتساؤل: حسنا إذا كانت تلك الشعوب والدول تتجه الى الديمقراطية الليبرالية، فلماذا لم تحققها، وإن حققتها لماذا سرعان ما تتخلى عنها أو أنها لم تصنها؟

ثم يستعرض دول العالم التي اتجهت الى الديمقراطية الليبرالية منذ أكثر من قرنين، ولم يجد إلا الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد حافظتا على تقاليد الديمقراطية الليبرالية! في حين وصل عدد الجمهوريات في فرنسا الى خمس جمهوريات، أي أن ديمقراطيتها لم تكن مستقرة. ودول في أمريكا اللاتينية قد استقلت عن إسبانيا وأسست ديمقراطيات، لكنها سرعان ما كانت تنقلب عليها بانقلاب عسكري.

(2)

يدخل هنا فوكوياما بتحليل الأسباب: فيقول: أن السبب وراء أن الديمقراطية الليبرالية لم تعم العالم، ولم تستطع الاستقرار في بعض الدول، يعود لقصور التجاوب بين الشعوب والدول. فالدول تشكيلات سياسية ذات هدف، أما الشعوب فجماعات معنوية سبقت الدول في الظهور. وهي كما وصفها نيتشه بالاقتباس السابق أن لكل شعب لغته الخاصة عن الخير والشر.

والدول تفرض نفسها على الشعوب من القمة. وهي أحيانا تُشكل الشعوب. فإن كان هم الدولة سياسيا، فهم الشعب لا يكون كذلك، فلذلك تعيش معظم دول العالم في حالة صراع مع شعوبها. فالدولة الشمولية مثلا، في الصين والاتحاد السوفييتي السابق كانت تسعى لهداية الشعب للطريق الاشتراكي على عكس رغبة تلك الشعوب.

نحن إذا تمعنا بنصوص نيتشه، سنجد أن الثقافة لدى شعب تنبع من قدرته على التقييم، وفق تراثه، ففي أمكنة ما في العالم أن الشخص الذي يطيع والديه إنسانٌ صالح، أو أن الإنسان الذي يتناول لحم الخنزير إنسان طالح. إنها قيم لأناس لا تستطيع بالقوة أن تجعلهم يغيرونها.

يخلص فوكوياما في هذه الفقرة الى القول بأن الإنسان حتى يصبح مهيأ لأن يكون ديمقراطيا ليبرالياً، عليه أن يكون: مشاركا و عقلانيا و علمانيا ومتحركا ومتسامحا.

(3)

ما هي العناصر الثقافية التي تعرقل تأسيس الديمقراطيات الليبرالية المستقرة؟

أولا: عناصر تتعلق بدرجة وطبيعة الوعي القومي والعرقي والجنسي في دولة من الدول. ليس هناك تناقض بين الوطنية والليبرالية (الكلام لفوكوياما) بل أنهما في كثير من الأحيان يكونان متحالفتين. (توحيد ألمانيا وإيطاليا في القرن19) انتفاضة بولندا في ثمانينات القرن20 ضد الارتباط بالسوفييت (نقابة تضامن).

غير أن الديمقراطية لا يمكن أن تنشأ في دولة تكون فيها النزعة الوطنية أو العرقية مبالغا فيها. لذلك نجحت الديمقراطية في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا (حيث الشعور بضرورة التوحد) ولم تنجح في جنوب إفريقيا (في عهد الفصل العنصري) أو في بيرو حيث أن الطبقة الحاكمة من البيض لا تعادل سوى 11% من السكان (89% هنود حمر)

ثانياً: الدين، يشير فوكوياما أن الديمقراطية لم تأخذ طريقها، إلا بمساعدة البروتستانتية التي نحت جانبا تدخل الكنيسة في الحكم. وقد كان للعلمانية دور كبير في ذلك، كما كان للعلمانية دور في الدول البوذية والكونفوشيوسية. أما الإسلام واليهودية، وبالذات الإسلام فهو يدعو للعدل كما تدعو المسيحية للعدل، لكن لا يحبذ المسلمون الليبرالية ولا الديمقراطية، وهم ينظرون نظرة ريبة نحو الدول الإسلامية التي تحاول التحول للمجتمعات الديمقراطية والليبرالية كتركيا.

ثالثا: العائق الثالث له علاقة بالاستعداد الشعبي لقبول الديمقراطية الليبرالية، فقد ولد الأمريكان والبريطانيون متساوون! لذلك كان سهلا لديهم قبول ذلك النظام، أما دول مثل البرازيل والأرجنتين والدول التي ورثت نظام الدول المستعمرة كإسبانيا والبرتغال، فإن المساواة معدومة، وتقبل النظام الديمقراطي صعب.

رابعاً: العائق الأخير يتعلق بقدرة المجتمع على أن يخلق بنفسه مجتمعا مدنيا سليماً، أي ما يسميه (توكفيل) (فن المعاشرة) دون الاعتماد على الدولة. وقد أشار (توكفيل) أن مسار الديمقراطية يكون أفضل ما يكون عليه عندما يصعد من القاعدة الى القمة، لا العكس. فتنظيم الناس لنقاباتهم وجمعياتهم وتكوين رؤى في تلك التجمعات، كما أن تكون الجامعات والمدن لها تنظيماتها المدنية، فإنها ستعرف الشكل الذي يجب أن يكون عليه شكل الديمقراطية وشكل قوانينها.

(4)

لا يمكن للديمقراطية أن تأتي من الباب الخلفي. بل ينبغي أن تنشأ عن قرار متعمد بإقامة الديمقراطية، ويبقي مجال السياسة بعيدا عن المجال الحضاري المدني، كما يجب أن يكون القائمون على ذلك النظام من الساسة الأكفاء الذين يفهمون فن السياسة فهما حكيما، ولديهم قدرة واضحة على تحييد القوات المسلحة في التدخل بشؤون السياسة والحضارة.

ويذكر الكاتب في نهاية هذا الباب، اندهاشه من التجربة الهندية التي لم يتوفر فيها شرطٌ واحد من الشروط التي ذكرها في تحقيق الديمقراطية، فبالرغم من التدني الحضاري وفقر الدولة وانخفاض مستوى التصنيع، وعدم التماسك القومي وليست بروتستانتية إلا أنها حققت ديمقراطية مستقرة تعيش منذ أكثر من ستين عاما.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس