عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-09-2009, 04:24 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

عزاء آل منفوخ الفرشة

للبخل مدارس، فمنها من تعلم أبنائها على إيهام الآخرين بأنهم لا يملكون شيئاً، بدافع إثارة شفقة الآخرين عليهم، ليقوموا بالتحسن عليهم وإعطائهم من الصدقات. وهؤلاء تجدهم في أزمات الدول يتراكضون أمام دوائر الدولة ليأخذوا حصة من مساعدات كالطحين أو السردين المعلب أو الزيت الخ، وإذا ما ارتأت الدولة دعم سلعة كالوقود، يحضرون تواقيع عشرات المخاتير من أجل إعفائهم من بعض الفلوس. وتجدهم يتزاحمون على لحوم الأضاحي ليأخذوا نصيبهم منها أو يتجمهرون أمام لجان الزكاة ليأخذوا بعض ما يجود عليهم به الغير. إنهم ليسوا محتاجين وليسوا فقراء، لكن المسألة أصبحت مبدأ بالنسبة لهم!

ومنها، من تعلم تلاميذها ومريديها بإنكار أي مظهر من المظاهر التي قد تفضح ـ لا سمح الله ـ وضعهم، أمام دوائر الضريبة، أو أمام الراغبين في اقتراض بعض المال لقضاء بعض حاجاتهم من الأقارب أو الأصدقاء.

وهناك مدرسة وهي التي ينتمي إليها آل (منفوخ الفرشة)، لا تحب العلاقات العامة مع الناس، ولا تحب أن تظهر بمظهر الفقير، بل تحاول اقتناء ما هو ثمين ولبس ما هو ثمين وأكل ما هو غالي، ولكن دون التفريط بفلس واحد على غير وجه حق، وعندهم مثل (الغالي ثمنه فيه)،وعند تحليل المثل نجد وراءه دوافع اقتصادية..

فاقتناء الثمين كالأثاث أو الملابس أو حتى الكتب، قد يبيعها أصحابها في سعر أغلى عندما تشح مثل تلك النوعيات من السوق. وأكل ما هو غالي، سيجنب الأسرة دفع قيمة الأدوية والعلاج وغيره!

مات أحد أفراد آل (منفوخ الفرشة) لنرى كيفية التصرف وفق تعاليم المدرسة التي ينتمون إليها..

وضعوا إعلانا بجريدة بطول 3x4 سم مكتوب فيه عنوان بيت العزاء وموعد الجلوس من الساعة الثامنة الى الساعة العاشرة مساءً [ في رمضان] ومدة العزاء ثلاثة أيام فقط، كانوا يرغبون في تحديد مدة الجلوس، لكن ذلك سيكلف بدل إعلان أكثر.

كانوا يعلمون أن الناس يأتون وقد أفطروا وشربوا ماءً وشراباً وتناولوا الحلوى، ومنهم من يذهب لصلاة التراويح، وكل هذا سيكلفهم فقط أجور الكراسي والإضاءة وقليل من القهوة السادة، وقليل من الماء.

كانت وصاياهم لبعض، أن يرفضوا أن يقدم لهم أحدٌ عرضاً بإحضار الطعام، فهذا سيفتح باباً من العلاقات غير المرئية، ومن يضمن أن أموات الآخرين ممن يعرضون إحضار الطعام، لن يكونوا أكثر من أموات (آل منفوخ الفرشة)، ثم ماذا سيفعلون بطعام كثير يعدونه الآخرين؟

كل شيء سار حسب الخطة الموضوعة، إلا عندما زارهم قبل المساء ضيوف لتقديم العزاء، ومن مدينة بعيدة، لم يحب آل منفوخ الفرشة أن يُقال عنهم كذا! فتطوع أحدهم وقال للضيوف: اسمحوا لنا أن نقوم بإعداد طعام الإفطار، لم يعتذر الضيوف عن قبول ذلك العرض، فأعد آل منفوخ الفرشة طعام (المَنْسَفْ).

من المعروف أن المنسف يؤكل بالأيدي وبدون ملاعق ومن قصعة واحدة لعدة مشتركين، وقد يكون اسمه أُخِذ من تلك الهيئة. لكن آل منفوخ الفرشة، ابتدعوا طريقة مختلفة لتقديم المنسف وهي سكب عدة ملاعق من الأرز في طبق ووضع كوبا من اللبن المطبوخ بجانب الطبق ثم وضع قطعة من لحم الضأن وحبات من صنوبر فوق الطبق.

تفاجأ الضيوف ومن تأخر من الأقارب بتلك الهيئة لتقديم المنسف، فأنكروها بدواخلهم، لكنهم لم يعلنوا عن تذمرهم. وبعد أن رُفع أذان المغرب وأُعلن موعد إنهاء الصيام، تناول الضيوف بعض حبات من تمر وقليلا من الماء، وما أن هموا بتناول الطعام حتى كان لا بد لهم من سماع بعض الملاحظات من مضيفهم ( يا أخوان اللي بده مزيد من الرز، هذا القدر موجود) ( يا أخوان لا تستحوا كلوا براحتكم) ( يا أخوان مكان غسل الأيدي والوضوء من هنا!) ..

لم يكمل أحد من الحضور ما سُكب في طبقه من كمية قليلة من الرز، ولم تنقص أكواب اللبن كثيرا، حتى أن اللحمة لم تكن ناضجة بما فيه الكفاية! وكله محسوب!!

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس