عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-12-2008, 02:29 PM   #6
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

وقوله تعالى: أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم (سورة البقرة ـ 218)
وقوله تعالى: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً (سورة آل عمران ـ 8)
وقوله تعالى: ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين (سورة المؤمنون ـ 109)
ولا يظن المؤمن أنه آمن بمحض مشيئته .. ولا يظن الطائع أنه أطاع بخالص قدرته وإرادته؛ لأن الانتقال من الكفر إلي الإيمان، ومن المعصية إلي الطاعة يكون برحمة الله وتوفيقه واتل قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً (سورة النور ـ 21)
ورحمة الله عز وجل مطلقة كسائر صفاته، ولقد أشار الحق تبارك وتعالى إلي ذلك في العديد من الآيات القرآنية .. فقال جل وعلا: قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} (سورة الأعراف 156) وقال سبحانه: قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92" (سورة يوسف)
إنه عز وجل ارحم الراحمين وخير الراحمين، ورحمته وسعت كل شيء .. فهي الرحمة المطلقة التي غمرت كل المخلوقات وغمرت كل البشرية بما فيها من عناصر الكفر بالله والشرك به والمعصية له والجحود بأنعمه. ومن العجيب أن هذه العناصر الكافرة والمشركة والمعصية تحاول هباء أن تشكك في طلاقة الرحمة .. فيقولون: كيف تكون رحمة الله مطلقة رغم أنه سيدخل بعضا من خلقه جهنم ويذيقهم أشد العذاب؟. محاولين بذلك أن يتلمسوا لأنفسهم مخرجا إذ ما اكتشفوا بعد الموت أن الله عز وجل حق، وإذا ما اكتشفوا زيف عقائدهم التي أصروا عليها في الدنيا.
وقد بينا في غير موضع سذاجة فكرهم وسطحية عقولهم، وجهلهم بمفهوم الكمال الإلهي .. ونكرر ما ذكرنا من قبل في هذه الجزئية الهامة حتى يعلم من لم يعلم، ويتثبت من علم. لقد قلنا ردا عليهم: أن هذا فهم قاصر .. إذ أن رحمة الله قد شملت جميع مخلوقاته منذ أن خلقهم من العدم المطلق وتكفل بتوفير مقومات الحياة لهم من هواء وماء وطعام إلي غير ذلك مما لا نستطيع حصره، وفي مقابل ذلك طلب منهم عبادته وطاعته بما هو ميسور لهم من العبادات، وهذه العبادة ليست إلا القيام ببعض الأعمال وامتناع عن بعض .. علما بأن الالتزام بالفعل والامتناع يكفل لهم حياة كريمة هادئة ويحقق لهم الأمن والأمان وسعادة الدنيا والآخرة، فإذا أطاعوا الله فيما أمر به ونهى عنه فستشملهم رحمته في الآخرة كما شملتهم في الدنيا.
وأما من عصى ولم يعبد الله بما يتناسب مع نعمه عليه فقد أسقط عن نفسه موجبات الرحمة في الآخرة، واستحق أن يعامله الحق عز وجل بمقتضى عدله المطلق الذي يقتضي معاملة كل إنسان وفقا لعمله في الدنيا. ولو ساوى الله بين عباده في الحساب وأدخل الجميع فسيح جناته لأصبح ظالما لعباده الصالحين الطائعين .. فعدله عز وجل يقتضي أن يكون رحمن الدنيا فتشمل رحمته في الدنيا جميع خلقه، وأن يكون رحيم الآخرة فتشمل رحمته في الآخرة عباده الصالحين الطائعين، بل إن تعذيب النفوس الشريرة التي دأبت على المعصية قد يكون رحمة من الله سبحانه وتعالى لتطهير هذه النفوس من شرها وعنادها، فإذا أدخلها الجنة بعد ذلك دخلت طاهرة بما يتناسب مع قداسة الجنة وقداسة أهلها.
إن الله تبارك وتعالى واحد أحد متعدد الصفات، ولكل صفة مجال للعمل، فصفة الرحمة لها موجبات، وصفة الانتقام لها موجبات، فإذا تحققت موجبات الرحمة حلت الرحمة حيث تحققت موجباتها .. وإذا تحققت موجبات الانتقام الإلهي .. حل الانتقام حيث تحققت موجباته .. ولا تعارض بين هذا وذاك.
وأنه لمن الجهل المتعمد بالكمال الإلهي أن ينتقي الإنسان من الصفات الإلهية ما يوافق هواه فيتشبث بها، بينما يغفل ويتناسى سائر الصفات وكأنها ليست من صفات الله عز وجل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: "إن رحمتي سبقت غضبي"
وفي رواية "تغلب غضبي" أي غلبت بكثرة آثارها .. بدليل أن قسط الخلق من الرحمن اكبر من قسطهم من العذاب، لنيلهم إياها بلا استحقاق، فقلم التكليف مرفوع عنهم إلي البلوغ، وعقوبة العصيان غير معجلة، وحتى مع العصيان فإن الله يرزقهم ويقبل توبتهم. إن الحق جلا وعلا رحمن رحيم في نفس الوقت الذي هو فيه شديد الانتقام وشديد العذاب، ولا تعارض البتة لمن يفهم المسألة على وجهها الصحيح. فسبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم .. الرحيم الذي ينزل إلي السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول:
أنا الملك.
من ذا الذي يدعوني فاستجب له؟ .
من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ .
من ذا الذي يستغفرني فاغفر له؟.
فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر. .
فتبارك ربنا الملك الحق .. الرحمن الرحيم
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس