عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-11-2007, 06:01 PM   #9
youcefi abdelkader
كاتب ساخر
 
الصورة الرمزية لـ youcefi abdelkader
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 223
إفتراضي قصة العم ابن دحمان ...........الجزء الرابع

ا

قصة العم ابن دحمان ......الجزء الرابع

استيأست من حال شيخنا، و كنت غير بعيد عن جسده المسجى و الناس حوله في حيرة من أمرهم ،و قد انتابتني
حالة من الحزن و الأسى على فقيد حارتنا، وبطل لعبة' السيق' الذين لا يشق له غبار، إذا شمر ساعدا وجثي على ركبة و نصف. قلت في نفسي، و أنا انظر إليه بعين الشفقة، و ألوك قطعة لبان : إيه يا عم ! أنت حلقة وصل بين البداوة و الحضر, بين الأمس و اليوم، أنت آخر حلقة سينفرط بعدها العقد كله، و يخلو الجو لرعاة الشاة. ساورني قلق في أعماق قلبي على حالته, تذكرت كيف كان يجمعنا حوله، و نحن صبية لا يتعدى عمر الواحد منا السادسة و يقص علينا قصصا، عن فرسه حين يسابق الريح عدوا، و عن غزو بني الأصفر، كيف دخلوا أرضه و استباحوا زرعه و أبادوا بهائمه.
تذكرت مزاحه و مداعبته لفرسه الشهباء، و هي تتمرغ تحت ظل تلك الشجرة العظيمة أمام البيت، و ها أندا أقف أمامه اليوم وقفة العاجز عن المساعدة. زفرت زفرة أو زفرتين، ودنوت من القوم زحفا ثم جثوت على ركبتي وقد صار الفقيد قاب قوسين أو أدنى مني.
بينما نحن قعود عند رأسه في صمت ،و كأن على رؤوسنا الطير، إذ أقبلت علينا" زليخة " ابنته، تحمل إناء ليقضى فيه أباها حاجته، و يفرغ مثانته في دار الدنيا.
دخلت ،على حين غفلة منا، و قد أسفرت عن وجه كأنه القمر. لم تكن تبرزه لأحد من قبل ، لها عينان كبيرتان رماديتا اللون كعيون ألمها ، غائرتان في محجريهما ،دواتا لهيب عجيب ، تلويان شعاعهما كعقافة كلاب على القلب فتضمه، إن أبحرت في تلك الأحداق، فلن يتحول بصرك إلا ليبحث عن شامة في الوجنة، تعرج بخيالك في عالم الأحلام.ينعقد لسانك فلا تعد قادرا على الكلام .
.إيه ، إيه يا ذاك الزمان، لما لا تعود إلينا أطيافك و لو مرة واحدة ؟ ، فتبتسم إذ ذاك الأفكار أمام ناظري، و يتمايل قلمي تمايل شجرة الصفصاف قرب الغدير، و وددت لو كتبت عنها ألف بيت لكنني، مثقل بالأحزان كالبركان بالحمم.
رأيتها و قد اتشحت ثيابا سود، و أشرق بياض قدميها على حمرة نعليها، كانت من أحسن فتيات الحي وجها، و كانت أطولهن إذا قامت ، و أعظمهن إذا قعدت أكثرهن ميلا للعزلة. أوتيت من فنون الطبخ الكثير، فكانت اذا صنعت طعاما جودته . علمت صويحباتها كيف تحظر أكلة الزر يزري الشهية، و الرفس، وخبز المسمن.
وقفت واجمة و قد عقد لسانها ما آل إليه حال أبيها ، فنكس القوم رؤوسهم إجلالا لها، و قد عرفناهم مجرد ثلة من الأشرار، لا تعرف غض الأبصار،و تظل عاكفة على لعب القمار، تتتبع عورات الناس من دار لدار ، تعبد الدرهم و الدينار لا تبالي إلا بملء بطونها ، أما أنا فقد أوغلت فيها ببصري،فأمعنت النظر اليها حتى سال لعابي كالمطر، كانت نظراتي بريئة ، براءة الذئب من دم يوسف ابن يعقوب، لكنها انقلبت وبالا علي في الدنيا قبل الآخرة، فما لبثت أن تهاطلت علي نظرات الشزر من شيخ يمقتني مقتا مريرا ، رأيت الشرر يتطاير من عينيه مذ وضعت منكبي حذو منكبه ، ثكلته أمه،فأخذ يقذفني بوابل من نعال القوم.
أصابني بعض تلك النعال إصابة مباشرة، كاد يهشم أنفي و تطاير بعضها الأخر هنا و هناك. أنفي، و كنت اتقي ضرباته متترسا بظهر عجوز في السبعين، أو نحو دالك، كان متقوقعا أمامي ،نال هو الأخر حظا من تلك النعال ،فتدرجت شيبته بالدم .قامت ضجة عظيمة، و أطلت الفتنة برأسها، لولا لطف لاختلط الحابل بالنابل .
لازلت في حيرة من أمري ، أأكتم غيضي على هون أو اصب على ذالك الأحمق جام غضبي، فأنغص على العم 'ابن دحمان' هجعته .رأيت انه من الأجدى أن ابتلع غضبي، لكن لي كبرياء ما أحببت أن تذبح بين القوم و إن كنت أضعفهم عودا ،و قد قرع الشيطان عليه لعنة الله ،طبول الحرب في أذني، فما أحسست إلا و صوتي يرتفع مدويا.
قلت: لما يمقتني هدا الشيخ من بين غلمان الحي؟ ، معتوه و رب الكعبة ،ألا يرى إن الموقف جلل و ألا سلطان لي على عيناي حبيستا هذا الزجاج ،إن هي إلا نظرات إعجاب أفلتت منهما فما الضير في ذالك .نكست رأسي و قد فاضت دموع عيناي .
سمعت صوتا يقول انج بنفسك يا غلام فوا لله لنكأني به يتبعك كأنه بعير أكل مرارا . نظرت يمينا فإذا هو يمشى نحوي مسرعا ثم مد ذراعيه و هم بالتقاطي من بين المشايخ ليرميني خارج الغرفة .
امسك كبير القوم'' الحاج محمد قدور'' على يده وأنتهره بعنف و جذبني من يدي و ،أجلسني بجانبه درءا للفتنة فأحسست بشيء من الدفء و الحنان و الأمان في حضنه، وانتشت نفسي بعد ضيق أصابها برائحة المسك المنبعثة من تلابيبه و لحيته البيضاء المسبلة على صدره ،قال : لا عليك يا عبدا لقادر، و ضمني ضمة لصدره، كادت تختلف لها أضلاعي و ينقطع نفسي، ثم أرسلني و اشتغل بإماطة الأذى عن عمي'' ابن دحمان'' .
سمعت لداك الأعرابي فحيحا كفحيح الأفعى و ما لبث ان خنس وتقوقع داخل كساءه، فكفى الله المؤمنين القتال و لو لا رحمة الله لتفرق دمي بين القبائل تلك الليلة ، أغضوا الطرف عنى إلا لحظوة كانت لأبي عند كبيرهم'' الحاج محمد قدور'' صاحب الكلمة النافدة فيهم .
في تلك الآونة ،هبت ريح صرصار، عاتية على البلدة الآمنة،كادت تجتث الشجر، و تقتلع أبواب البيت ، أخذت ستائر الغرفة ترفرف فوق رؤوسنا ،اندفع الغبار و الأتربة إلينا، فملأ صدورنا و عيوننا ،ثم انطفأ السراج فصرنا نسبح في ظلام مدلهم . ساد سكون رهيب و بلغت القلوب الحناجر من الخوف فكنت لا أسمع ألا عطس القوم أو سعالهم الشديد.
شرع الحاج'' محمد قدور'' في التسبيح و التكبير، لعل الله يحمينا من ضرر محتمل لتلك العاصفة، كأن يقع علينا سقف الحجرة، و قد أخذت أعمدته الخشبية المشدودة بالحبال، ترتعد . تبعه القوم يرددون ما يقول ، فغشيتنا رحمة من الله ،و هدئت العاصفة و استقرت ستائر الغرفة مكانها و عاد النور من جديد .
مكثت هامدا كجلمود صخر حطه السيل من علي لا أحرك ساكنا. أنتظر ملك الموت، لأرى كيف يعالج روح شيخنا ا لعزيز.
دثرت' زليخة' أباها بدثار احمر قرمزي ، وخرجت شاحبة الوجه تعلوها صفرة من قلة النوم و الأكل ،و ما أظنها تناولت طعاما بعد تلك الليلة إلا غصت به لذكر أبيها.
و ما كانت هبة دالك الرجل ، إلا لعداء يكنه لي منذ أعوام خلت ، إد كنت احرمه طعم القيلولة ، حين يخلد للراحة وقت الظهيرة .انزع النعاس من عينيه نزعا، حين أتسلى برشق باب منزله بالحصى ، و أتوارى خلف الجدار، بحيث أراه و لا يراني ، و انظر كيف يثور و يزمجر كالرعد،و يتوعدني بفصل راسي عن عنقي إن ظفر بي .
دعوت الله إن يسلط عليه زوبعة تجتثه من الأرض، وقد بلغ أرذل العمر فأصيب بالخرف و زعم أن الشيطان يأتيه في يقظته و ينزع عنه لباسه على مراء من المارة ، حتى انتبذه أهله وتركوه في أحد المصحات النفسية و ما لبث أن قضى نحبه ومات، خشيت أن يفتضح أمري بين القوم فأثرت الزحف على ركبتاي لأغير المكان . و قد أصاب انفي شيء من روائح جوارب القوم النتنة.
انزويت في ركن ، حيث تلتقط عيناي صورة أوضح للفقيد، من بين تلك العمائم المتراصة كقمم الجبال حوله، و قد سكتت الألسنة عن الكلام و الخوض في الحديث عن الاسواق و الهمس فيما بينهم ، فخيم السكون و "خشعت الأصوات للرحمن ،تنتظر قضاء الله و ما هو فاعل بالعم ابن دحمان عليه سحائب الرحمة ،بعد هنيهة من الزمن .أرسلت بصري نحوه ، رأيته يرتعد و سكرات الموت تمخضه مخضا . يفتح عيناه، فاغرا فاه، ثم يغيب عن الوعي ،و قد صار على شفير القبر ،في موقف وداع الحياة أجمعها حلوها و مرها أهله و دويه و فرسه الشهباء .يذرف بين الحين و الحين دمعا، لا يذرفه إلا من قل نصيبه من الأصدقاء و أقفر ربعه من الأوفياء و حرم زيارة الأتقياء .
أثر في نفسي حاله و أنا أراه كمن يتشبث بأهداب الحياة ،بكل ما أوتى من قوة و هي تنسل من بين أصابعه خيطا تلو خيط، حتى يهوي في قاع جـب لا نجاة منه .
ازداد فضولي لأطلع عن كثب، كيف يصارع ابن ادم الموت، و ما أظن ذلك المشهد ينمحي من مخيلتي ما حييت ،بل سأظل أذكره على الدوام كلما سولت لي نفسي فعل المنكرات ، أو رشق باب من أبواب الجيران بالحصى .
دنوت منه حتى صرت بجانبه ، و قد اشرأبت الأعناق نحوه، شعرت كأن قلبي يرتعد جزعا وهلعا، حين شخص ببصره إلي وأطال النظر في وجهي، وكأن لسان حالة يقول أقرضني من عمرك أعوام و سأظل ممتنا لك على الدوام . لو كان بوسعي دالك، لوهبته من عمري حولا كاملا ،يستعد فيه للقاء الواحد الجبار ،يتصدق علينا
بالخراف الخمسة ، و يقيم الليل و يصوم النهار و يحج، فيطوف بالبيت باكيا متذللا للواحد القهار، ويسبحه أناء الليل و أطراف النهار، فيفوز بميتة الأولياء و الصالحين الأطهار، بعيدا عن هذا الجمع من الأشرار، الذي لا خير في السواد الأعظم فيه، الا من هجر الديار لبلاد الكفار، كهذا القابع أمامهم ،و تنبعث من تلابيبه روائح بني الاصفر.
.قلت في نفسي، أيها القوم ما أظن أن الموت مصبح مريضكم هذا ، و لا مهرب من قضاء الله ، أفلا بعثتم أحدكم بورقكم إلى البلدة المجاورة، ليدرك سوق الماشية صباحا، فيبتاع كبشين أملحين أقرنين ،لإطعام الوافدين لتقديم التعازي والمتطفلين أمثالي ،غدا أو يختار عجلا فالعجل أكثر لحما و أوفر للمال و الرأي رأيكم .
خشيت أن يلهج لساني ببعض ما جال في خاطري،فألقى حتفي، فعقلته بين ضرسين طاحنتين ، وغشيني النعاس فأسندت كتفي للحائط و توسدت ذراعي ............يتبع
youcefi abdelkader غير متصل   الرد مع إقتباس