عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-07-2008, 12:43 PM   #14
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

9ـ انتصار أجهزة الفيديو

(( ما من دولة من دول العالم، مهما كان نظامها السياسي، نجحت في تحديث نفسها مع انتهاج سياسة الباب المغلق))
[ من خطبة ل دينج هسياو بنج1982]


في العقد الأخير من القرن العشرين، بدا جليا للناس أن الرأسمالية ستكون حتمية السيادة في البلدان المتقدمة، وأن الماركسية اللينينية تعتبر عقبة كأداء في طريق التقدم. هكذا استهل (فوكوياما) مقالته بعد أن اختار جزءا من خطاب الزعيم الصيني ليضعه شاهدا على حديثه الذي سيبدؤه.

لكن، لم يكن الأمر كذلك في منتصف القرن العشرين (الخمسينات والستينات) عند الدول الأقل تقدما، والتي كانت تحلم بالفحم الحجري وصناعة الصلب، فقد كانت تلك الدول غير مهتمة بالتفاصيل التكنولوجية المتقدمة عند الغرب الرأسمالي، فكانت تنجذب للإتحاد السوفييتي والنمط المركزي في السياسة الذي استطاع في الدول الاشتراكية أن يحرق المراحل بالقوة والعنف، فقد قطع الاتحاد السوفييتي مرحلة بربع المدة التي احتاجتها دول الغرب لتصل ما وصلت إليه، لذا كان هذا النموذج مرغوبا في الدول الفقيرة لتحذو فيه التجربة الاشتراكية. وقد شجع الدول النامية على هذا السلوك، ما كانت تواجهه دول أمريكا اللاتينية من فشل متكرر في تطبيق السياسة الرأسمالية.

(1)


لقد ظهر نمط من السياسة، سمي ب (التبعية)، كان منشئ هذا المصطلح هو: لينين عندما نشر كُتيب عام 1914 بعنوان: (الإمبريالية: أعلى مراحل الرأسمالية)، غمز فيها أن الرأسمالية الغربية لا تسعى لإفقار الطبقة العاملة في بلدان أوروبا، بل سمحت بارتفاع مستوى معيشتهم لتحويلهم الى عمال قانعين. ولكن تفسير مصطلح (التبعية) وما تم الزيادة عليه، يعود بالدرجة الأساس الى الاقتصادي الأرجنتيني (راءول بريبيش) والذي كان يترأس أحد اللجان التابعة للأمم المتحدة في الخمسينات، حيث كان يشير في كتاباته الى أن التجارة والعلاقة الاقتصادية بين دول المركز ودول الأطراف تزداد إجحافا لصالح دول المركز، وتبقي الدول النامية بحالة يُرثى لها، فأوجد ما يسمى بالصراع ما بين دول الشمال (المتقدم) والجنوب (الفقير).

(2)

لقد ظهر تياران، أحدهما يصف العلاقة بين الشمال والجنوب علاقة طبيعية، يبيع فيها أحد الطرفين التكنولوجيا والطائرات، ويبيع الطرف الآخر المواد الخام! ويتهكم أصحاب التيار الثاني على هذا الرأي، فيقولون: أن الشمال يدفع بأبناء الجنوب على أن يبقوا يقطعون الأشجار ويضخون الماء لصالح أبناء الشمال، وأن الحل لذلك هو الانسحاب من أي حوار بين الطرفين والثورة على الشمال، وقد كانت كوبا و الصين والاتحاد السوفييتي مراكز تحريض لتبني مثل هذا الموقف. فكان لكل طرف أتباع وهنا تكمن صورة فرز المعسكرين في الحرب الباردة.

(3)

يستشهد الكاتب بهذه الفقرة بما يدحض آراء أصحاب موقف الرفض للصورة الغربية، فيذكر ما قاله أحد كبار الساسة في سنغافورة [ لم يذكر اسمه]: (أن ثمة ثلاث جماعات تمقتها بلاده ولن تسمح أبدا بها: الهيبيز والفتيان ذوي الشعر الطويل، ومنتقدي الشركات متعددة الجنسية).

لقد وضع فوكوياما، أرقاما للمقارنة بين النمو في بعض البلدان (التابعة للنمط الغربي) وغيرها ممن لا يتبعون الغرب، فكان النمو في اليابان 9.8% في الستينات، ثم أصبح 6% في السبعينات، [وهي الدولة التي تربض القوات الأمريكية على أراضيها]، وكان النمو في النمور الأربعة (هونج كونج، وتايوان، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية) 9.3%.

ولم يكتف الكاتب بالأمثلة السابقة للتدليل عما يريد، بل تخصص في المقارنة بين دول من نفس المنشأ، فكان متوسط دخل الفرد في كوريا الجنوبية 4550 دولار في الثمانينات وهو يساوي أربعة أضعاف متوسط الدخل في شقيقتها الشمالية (الشيوعية)، ثم قارن بين تايوان والصين فكان متوسط دخل الفرد في تايوان عام 1989 (7500) دولار في حين كان (350) دولار في الصين.

وهنا يبرز رأي يقول: أن التصنيع هو سبب النمو وليس الرأسمالية، إذ لماذا لم تنجح السياسات الاقتصادية في دول أمريكا اللاتينية عندما كانت تبعيتها واضحة للغرب وبالذات للولايات المتحدة؟

يجيب الكاتب أنه في دول أمريكا اللاتينية وبلدان الشرق الأوسط لم تبذل محاولات جادة لمتابعة النهج الرأسمالي ووعد مناقشة ذلك في الجزء الرابع من الكتاب. لكنه فرَق بين أمريكا الشمالية التي ورثت التقاليد والفلسفة الليبرالية عن بريطانيا، في حين ورثت أمريكا اللاتينية عن المؤسسات الإقطاعية في البرتغال واسبانيا. ويكفي أن نذكر أن تكلفة إنتاج سيارة في البرازيل أو المكسيك أو الأرجنتين تزيد بين 60 و150% عنها في الولايات المتحدة.

(4)

يتحدث (هيرناندو دو سوتو) في كتابه "الدرب الأخير" عن كيف أن معهده في ليما حاول تأسيس مصنع من وحي الخيال وفق القواعد القانونية التي حددتها حكومة بيرو. كان عليه أن يمر بأحد عشر إجراء بيروقراطيا تستلزم 289 يوما وتكلفة قدرها 1231 دولار ومصاريف ضائعة أخرى بينها (رشوتان) أو ما يعادل 32 ضعف لأدنى مرتب شهري.

ثم يعطي الكاتب مثالا آخرا، هو أن نصيب الفرد الأرجنتيني عام 1913 كان يساوي نصيب الفرد بسويسرا وضعف نصيب الإيطالي، ونصف نصيب الكندي ولكن اليوم أصبح نصيب السويسري 6 أضعاف نصيب الأرجنتيني والإيطالي 3 أضعاف.

خلاصة

يستخلص الكاتب في نهاية مقالته هذه، أن معظم السياسيين في مختلف أنحاء العالم اكتشفوا سر التباطؤ في اقتصادهم وحاولوا ويحاولون الانتقال من وضعهم السابق (الصين، روسيا، كل العالم الثالث) الى الوضع الليبرالي، وهذا كله بفضل أجهزة الفيديو.!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس