عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-08-2010, 11:55 PM   #587
اقبـال
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2009
المشاركات: 3,419
إفتراضي

وعندما يؤكد أبن خلدون على إدخال السببية في مجال البحث التاريخي، لأن معرفة السبب تمكننا من معرفة المسبب، وإن قراءة المستقبل ترتبط بالأسباب التي تتفاعل في زمننا الحاضر. لذا فإن المستقبل يمكن أن نتنبأ به وفق أسس علمية. فالتاريخ عند أبن خلدون علم من بين العلوم الطبيعية الأخرى، وظاهرة من ظواهر الطبيعة ليس إلا.

ولهذا كتب في "المقدمة" ما يلي:
"إنا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والإحكام وربط الأسباب بالمسببات وإتصال الأكوان بالأكوان وإستحالة بعض الموجودات إلى بعض".
وإذا ما طبقنا هذه النظرية على الوضع في العراق بين زمن الاحتلال البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى "1914-1918" وما تبعه من ثورات وإنتفاضات إنتهت بزوال الاحتلال وإنتصار الثوار، وبين الاحتلال الأميركي منذ العام 2003 ولحد يومنا هذا، مع إستمرارية النهج الجهادي المقاوم الذي أجبر الإدارة الأميركية على وضع جدول زمني للإنسحاب، فإن الاحتلال لا محال زائل وإن المستقبل يتجه فقط صوب المقاومة العراقية.

رصيد فشل
على الرغم من مرور سبعة أعوام على سقوط عاصمة البوابة الشرقية للأمة العربية تحت الإحتلال ووعود ساسة واشنطن ولندن وبقية شركائهم بأن يحولوا بلاد الرافدين إلى جنة في المنطقة العربية، ونموذجا يمكن تعميمه ليخلص الولايات المتحدة وإسرائيل ممن تصفهم بالأنظمة الشمولية والدكتاتورية وتلك الساعية لفرض أوهام الوحدة العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي وتدمير إسرائيل، تكشف الحصيلة زيف كل ذلك، وتعثر كل المخطط، وتفضح أكبر وأفظع الجرائم ضد الإنسانسة منذ عقود طويلة.
لقد تحول العراق إلى جمهورية أرامل وأيتام وقد حذرت عدة منظمات دولية من ذلك، بعد أن فاق عددهم 8 ملايين شخص مع نهاية سنة 2008.

وعكست منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة حالة المجتمع العراقي بعد الاحتلال الأميركي لهذا البلد بأرقام مهولة. فقد قدرت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الأمومة والطفولة "اليونيسيف" عدد الأيتام في العراق بأكثر من 5 ملايين و700 ألف طفل حتى عام 2006.

وأكدت دراسة أجرتها الأمم المتحدة ومراكز أبحاث أخرى أن عدد الأرامل في العراق قد بلغ 3 ملايين امرأة.

زيادة على ذلك أصبح العراق الذي كان يستقدم العمالة من الخارج لسد حاجيات اقتصاده بلد العاطلين حيث أن أكثر من 60 في المائة من القوى العاملة عاطلون عن العمل. أما التعليم فلا حرج حيث تعود الأمية لتشمل الملايين بعد أن كانت قد محيث قبل الغزو حسب تقارير الأمم المتحدة.

لقد تم قتل أكثر من مليون ونصف مليون عراقي على الهوية، واصبح أكثر من أربعة ملايين عراقي لاجئين خارج بلادهم في حين شرد أربعة ملايين آخرين داخل العراق نفسه، واجبروا عل ترك منازلهم ومدنهم وقراهم. وعمل التحالف العملي بين واشنطن وطهران على تغيير الخارطة السكانية في العراق وتمهيد الأرضية لبناء دويلات الكانتونات الطائفية.

بغداد
جاء في تقرير للمركز العربي الألماني صدر في الربع الثاني من سنة 2010: إن سكان بغداد يعانون من ظروف العيش الصعبة. سكان المدينة يتحدثون عن معاناتهم واحتياجاتهم وآلامهم وآمالهم ويستذكرون بغداد التي تغير حالها وصعب وضعها.

ومن لم يزر مدينة بغداد منذ مدة، فإنه سيجد صعوبة في التعرف من جديد على هذه المدينة الواقعة على نهر دجلة والضاربة في عمق التاريخ. في ساعات الليل المتأخرة توحي المدينة وكأنها مازالت محافظة على طابعها القديم، موسيقى تقليدية تتصاعد نغماتها من شارع أبي نواس، وفي نادي العلوية تعزف مجموعة من كبار السن مقامات موسيقية من التراث العراقي القديم. أما في جنوب المدينة فلهيب النار المنبعث من المنشأة النفطية "الدورة" شاهد على خيرات البلاد النفطية وثرواتها.

وما أن ينقشع ضوء الصباح حتى تظهر بغداد على صورتها الحقيقية التي تحولت إليها. فبعد مرور سبع سنوات على سقوطها، أصبحت المدينة التي يبلغ تعداد سكانها سبعة ملايين نسمة عبارة عن مجمع كبير للفقراء: جبال من القمامة تتناثر هنا وهناك، أنقاض الحرب من منازل ومتاجر لم تبارح مكانها.

يمكن للمرء أن يتحدث عن كل شيء في بغداد، إلا عن عملية إعادة الأعمار، المدينة صارت موبوءة فالشوارع مهدمة والأوساخ والقمامات في كل مكان.

حتى عندما كانت ارتال الدبابات الأميركية تتقدم نحو مشارف بغداد سنة 2003 كانت المدينة أحسن حالا فالكهرباء والمياه كانت تصل إلى الجميع والقمامة لم تتراكم أبدا.
اقبـال غير متصل   الرد مع إقتباس