عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-01-2014, 02:19 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

سور الإسلام العظيم


ونحن في صدد إيجاد المقاربات التي تصنع عملية الاكتناه (التذوق والتقليد: من ناحية إبستمولوجية) التي تجعل النموذج التركي في الإسلام السياسي صالحا للاحتذاء به في منطقتنا العربية، أم لا، لا بُدّ لنا من التطرق الى الدوائر الحضارية التي تنبثق منها نقاط الاكتناه.


يتحدث موريس لومبار عن دوائر حضارية ثلاثية ربطها الإسلام ـ في عهد ازدهاره ـ ببعضها في إطار (سوق إسلامي) وهي الدائرة الساسانية والدائرة البيزنطية والدائرة الإفريقية*1. أو كما يصف طارق البشري الحقل العربي التركي جغرافياً، باسم (سور الإسلام العظيم) حيث تقع المنطقة أو المحور كما سماها (إستانبول ـ دمشق ـ القاهرة) على بحار ثلاثة (الأسود والمتوسط والأحمر)*2

ويلاحظ أن ثمة مواقع ثلاثة انطلقت منها عمليات تشكل الدول الكبرى في التاريخ الإسلامي وصدرت عنها السياسات والإستراتيجيات السلطانية الكبرى حيال مناطق العالم الإسلامي، وبعضها حيال بعض، وحيال علاقتها بالعالم على وجه الإجمال. هذه المواقع هي: محور إيران ـ العراق (من خراسان الى بغداد)؛ محور تركيا (آسيا الصغرى)؛ ومحور القاهرة ـ بلاد الشام ـ الجزيرة العربية. ولا ننسى بلاد المغرب والأندلس ومشاريعها، رغم أنها بقيت بعيدة إلا في حالة واحدة وهي حالة العبيديين الذين امتدوا لتشكيل الدولة الفاطمية.

المنابع الثقافية والفكرية في السياسة العثمانية

1ـ ثقافات متوسطية وأوروبية (معظم رؤساء وزارة الدولة العثمانية [الصدر الأعظم] من أصول بلقانية*3
2ـ ثقافات فارسية ورثها الأتراك العثمانيون عن ثقافة الدولة السلجوقية ذات الأصل والثقافة الفارسيتين. وللتدليل على ذلك نذكر بأهمية كتاب سياستنامه للوزير السلجوقي نظام الملك الذي لعب دورا بارزا في تنظيم مؤسسات الدولة وضبط أيديولوجيتها ولا سيما لناحية المدارس والجامعات*4
3ـ ثقافة عربية فقهية في مجال الشريعة، والتي أهمها ما كتبه (الماوردي) بين عامي 974ـ 1058م) وبالذات (إمارة التغلب) كبديل عن (خلافة الضرورة)، والتي سار على نهجها العثمانيون.*5

الاعتزاز القومي عند الإسلاميين الأتراك أكبر أثراً مما لدى الإسلاميين العرب

في مداخلة له في الندوة الموسعة التي أقامها مركز دراسات الوحدة العربية في النصف الأول من عام 1995، والتي قدم فيها مفكرون أتراك ومفكرون عرب أوراقهم وبحوثهم، طرح المفكر العربي المعروف (منح الصلح) مداخلته ببلاغة عالية ليصور كوامن التفكير العربي تجاه الأتراك. فقال: (لي تجربة شخصية قد تكون مفيدة لهذه الندوة. فقد نشأت في بيت، الوالدة فيه تُرْكية. وكانت أمي كثيراً ما تقول لوالدي بزهو وهي تتساجل معه أو تخفف من حماسته للسياسة الوطنية: هذه بلادكم البلاد كلها، بسياستها ورؤسائها وعائلاتها، كان يديرها قائم مقام تركي واحد...)*6. فتركت هذه العبارة أثرها العميق في نفسي، فصرت أتشدد في عروبتي... لعل في ذلك جوابا عن غطرسة والدتي القومية.

يرد المفكرون الأتراك على العرب الذين يحملون تركيا بقاء بلاد العرب متخلفة لمدة أربعة قرون، بقولهم (( ولماذا لا تقولوا أننا أخرنا استعمار الغرب لبلادكم مدة أربعة قرون)؟*7

ورغم أن الأتراك لا يخفون رغبتهم في عدم تحقيق أي شكل من أشكال الوحدة العربية، وذلك لرفع شأن مكانتهم الإقليمية، فإنهم يتفاخرون بمكانة دولتهم العالمية وتفوقها على شرذمة الدول العربية، فهذا أحد المتحدثين يُمجد من وضع تركيا أمام حضور عربي كثيف من رجال الفكر فيقول (تركيا الدولة رقم 34 من حيث المساحة ورقم 19 من حيث عدد السكان ورقم 28 من حيث الغنى ورقم 8 من حيث حجم القوات المسلحة)*8

ونحن نلاحظ هنا، أن التغير في الحكم سواء في إيران أو تركيا في كل العهود يحافظ على الثبات الأيديولوجي، فالشاه في إيران لم يختلف عن كريم الزند في عهد القاجاريين ولم يختلف عنهما الخميني وعهده الحالي، كما أن حزب التقدم والعدالة في عهد رجب طيب أردوغان لم يختلف عن جودت صوناي ولا عن أتاتورك ولا عن العثمانيين.

أما نحن في المنطقة العربية فالقوميون يقدمون طرحاً يؤدي الى تثبيت الزمان والمكان وبالتالي يؤدي الى عزلة ونفير للأقليات غير العربية التي تستغلها القوى المتربصة في المنطقة العربية (العراق، السودان، الدول المغاربية). والإسلاميون يقدمون طرحاً يثبت فيه الديني مما يتحول بعده الى انفعال يبعد فكرة التعاون الوطنية والقومية وحتى العالمية. وبنفس الوقت نتصرف وكأننا أبناء أمة (لفظاً) نعتب على الأشقاء في الأقطار إن لم يمدوا يد العون، وإن مدوها نتهمهم بأنهم مدوها تنفيذا لأوامر الأجنبي!

ورغم أهمية الإقليم المحيط، فإن أوطد الروابط هي روابط المصالح، ولن يتنازل صاحب الكلمة العليا في الإقليم عن مكانته للآخرين إلا إذا رتبوا قواهم لانتزاعها منه.


هوامش
*1ـ موريس لومبار، الإسلام في عظمته الأولى: من القرن الثامن حتى القرن الحادي عشر الميلادي/ترجمة ياسين الحافظ بيروت: دار الطليعة 1991
*2ـ طارق البشري/ العلاقة بين العرب والترك: نظرة إجمالية (مجلة مستقبل العالم الإسلامي) عدد1 سنة 1991، صفحة 87.
*3ـ أحمد عبد الرحيم مصطفى/ في أصول التاريخ العثماني بيروت: دار الشروق 1982 ص44.
*4ـ تحدثت كتب كثيرة عن تأثر الأتراك العثمانيين بالتقاليد الفارسية منها: المجتمع الإسلامي والغرب: مؤلفاه (غب و باون) ترجمه أحمد عبدالرحيم مصطفى عام 1970؛ ورسالة الدكتوراه لأحمد لواساني عن كتاب (سير الملوك المعروف بسياستنامه) وغيره
*5ـ وجيه كوثراني: الفقيه والسلطان: دراسة في تجربتين تاريخيتين: العثمانية والصفوية ـ القاجارية/ بيروت: دار الراشد 1979.
*6ـ العلاقات العربية ـ التركية/ مجموعة من المفكرين (عرب وأتراك)/ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 1995 صفحة 430.
*7ـ مجلة المستقبل العربي عدد 185 (راجع ما قاله كل من أورهان كولوغلو صفحات 93ـ103؛ وعثمان أوكيار صفحات 132 وما بعدها) عدد تموز 1994.
*8ـ العلاقات العربية التركية ـ مصدر سابق /إحسان غوركان/ في ورقة بعنوان: تركيا في الجيوسياسية الجديدة وآثارها في مستقبل العلاقات العربية ـ التركية صفحة 589.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس