عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-10-2012, 03:47 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مصر عشية ظهور الأخوان المسلمين

في عام 1907 جاء تقرير اللجنة الجامعية المشتركة بين جامعتي باريس ولندن التي شكلتها حكومة (نيريمان) من الاختصاصيين في تاريخ الإمبراطوريات، مشيراً الى (أن الخطر الذي يهدد مستقبل بريطانيا وفرنسا، إنما يكمن في المنطقة المُطلة على الشواطئ الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط حيث يقطن هناك شعب تعداده 35 مليون نسمة (آنذاك) ويتمتع بثروات طبيعية وبأسباب القوة والنهضة والوحدة...)*1

كانت اللجنة تعرف ما تقول، فأبناء هذه المنطقة، هم ورثة حضارات وادي النيل وحضارات وادي الرافدين وحضارات جنوب الجزيرة العربية وبلاد الشام. وأبناؤها انتقلوا منذ آلاف السنين من شرق الجزيرة حتى سواحل الأطلسي فأسسوا بعهد الفينيقيين والكنعانيين مدن طنجة والقيروان وطرابلس الغرب. ومن منطقتهم انتشرت الديانات السماوية كلها، وقد تصاهروا وانصهرت حضاراتهم في بعض، فباتوا يشكلون كتلة ثقافية وحضارية واحدة، أعطاهم الإسلام بعداً توج فيه قدراتهم فأصبحوا يجذبون كل المبدعين ويفجرون طاقاتهم، فتجد اليهودي والمسيحي والصابئي قرب الخلفاء يترجمون ويبحثون بروح وثابة، وتجد الكردي والأمازيغي يقودون الجيوش للذود عن حياض الأوطان.

إذن لم يكن هناك من بُد، لتفويت فُرص نهوضهم ووحدتهم، فرتبت قضية الكيان الصهيوني لزرعه في جسم الأمة ليفصل شرقها عن غربها ويعطل مشاريعهم الوحدوية، وتدخل الغرب في تقسيم رقعة بلادهم بالمسطرة، فأنشأ الكيانات الصغيرة التي لا مستقبل لها كدول، وتدخل في جعل قياداتهم التي سترثه بعد الاستقلال الناقص تستلهم طرق الغرب في محاربة أبناء الأمة وتصل فيهم بالنهاية الى شعارات مثل الأردن أولاً ومصر أولاً وجيبوتي أولاً!

الأزمة العالمية وأثرها على انطلاق حركة الأخوان المسلمين

في نهاية العشرينات من القرن العشرين، ظهر الكساد العالمي، حيث بدأت بوادره في منتصف العشرينات ، وأثرت تلك الأزمة على قطاعات واسعة في العالم، وكان أكثرها تضرراً قطاع الزراعة، والغابات والتعدين، وانخفضت التجارة بين الدول الى الثلث تقريباً وانتشرت البطالة كما انخفضت قيمة المحاصيل الزراعية نحو 60%. واستمرت الأزمة الكبرى من عام 1928 لمدة خمس سنوات تقريباَ.

في مصر كان الاقتصاد المصري يعتمد على الزراعة وبالتحديد القطن المصري المشهور عالمياً، وكانت أكثر مدن العالم استهلاكاً له (مانشستر وبرمنجهام). ولأن نسبة الأمية كانت تزيد عن 80% في مصر، ولأن عمليات التصدير والترويج للقطن المصري تتم من قِبل حلقات أكثرها كانت ترتبط بإدارة الانتداب البريطاني، فلم يعلم الفلاحون عن أزمة عالمية ولم تكن هناك وسائل إعلام كافية لكي يتجنب الناس الوقوع ببراثن تلك الأزمة (الإذاعة المصرية أُنشئت عام 1933).

استمر الفلاحون في زراعة القطن وشراء السماد بالدين الآجل، وأخذ سُلَف مالية لحين الإنتاج والبيع وتسديد الأثمان. ولكن لا تصدير، ولا قبض أموال، فأثر ذلك على وضع الفلاحين، فَفُرِضَت الفوائد الربوية العالية، واستولى المملون على الأراضي من الفلاحين، وتم مهاجمة وحرق أكثر من 12 ألف مخزن من مخازن القطن، وقتل 2200 عمدة، نتيجة ذلك الوضع بين عامي 1928 و1933. ومن يشاهد الأفلام والمسلسلات المصرية التي تتناول تلك الفترة يستطيع التعرف على أن ظاهرة الحرق والاغتيال كانت منتشرة.

كان القطن في بداية القرن العشرين وحتى عام 1940 يمثل ما بين 40ـ 50% من الإنتاج الزراعي في مصر، وكان يمثل 80ـ90% من صادرات مصر. وقد أدى انهيار أسعاره الى طرد الفلاحين من أراضٍ مساحتها أكثر من 110 آلاف فدان والاستيلاء عليها خلال الأعوام 1929ـ1932*3(الفدان يساوي 4200 متر مربع).

بالمقابل فإنه كان في مصر التي كان سكانها آنذاك (سنة 1928) يعدون 14,2 مليون، حوالي نصف مليون عامل يشكلون 8%، تعرضوا للطرد التعسفي وعدم صرف الأجور، وقد قامت الحركة العمالية بموجة من الإضرابات قام بها عمال سكك الحديد والترام والموانئ وعمال قناة السويس، وكان الخط اليساري هو من يؤثر في تلك الحركات لغاية 1928.

أما الأحزاب المؤثرة والفاعلة فكانت:

1ـ حزب الأمة: تأسس في أيلول، أنشأه أحمد لطفي السيد (1872ـ 1963)، الذي أسماه المصريون فيلسوف الجيل، وكان أعضاؤه قد تجمعوا حول جريدة (الجريدة) التي كان رئيس تحريرها، كان أعضاء الحزب من الأرستقراطيين. اهتم مؤسسه في جمع التبرعات لإنشاء جامعة مصر الأهلية عام 1908، والتي أصبحت حكومية عام 1928، باسم (جامعة الملك فؤاد).

2ـ حزب الوفد المصري (1918ـ 1953): حزب مصري، قاد الحركة الوطنية الديمقراطية من عام 1919 الى أواخر الأربعينات. تشكل بعد مقابلة سعد زغلول للمندوب السامي البريطاني للمطالبة بالاستقلال، فكان القصد من تشكيله هو إيجاد صفة بالنيابة عن الشعب، فكان يتم جمع التوكيلات لإضفاء صفة تمثل الشعب، ساهم في تكوين الجامعة الوطنية وتوحيد المسلمين مع الأقباط، وفاز في كل الانتخابات منذ صدور دستور 1923، وحتى قيام ثورة 1952. كان على مناكفة دائمة مع القصر، فهو يشكل بعد فوزه بالانتخابات الحكومة منفرداً أو مؤتلفاً مع بعض الأحزاب ك (الأحرار)، ثم يطرده الملك من الوزارة، تعرض لانشقاقات كثيرة، كان المنشقون يتجهون صوب الملك. تناوب على قيادته (سعد زغلول منذ تأسيسه حتى وفاته 1927، ثم مصطفى النحاس ثم مكرم عبيد ثم محمد صبري أبو علم ثم عبد السلام فهمي جمعة، ثم فؤاد سراج الدين) يُسجل له بأنه أرسى القواعد الديمقراطية الحزبية الحديثة في مصر.. مُنع من نشاطه بعد ثورة 1952.*4


3ـ حزب الأحرار الدستوريين (1922ـ 1953): حزب غلب عليه تمثيل مصالح كبار ملاك الأراضي الزراعية. يعتبر امتداداً لحزب الأمة الذي خاصم فكرة الثورة، ترأسه عام 1922 (عدلي يكن) الذي شكل الاتجاه المخاصم لسعد زغلول. ساهم في وضع دستور مصر عام 1923، في حين تغيب حزب الوفد عنها، كان حليفاً للملك، لم يحظ بالتفاف شعبي. لكن كان فيه لفيف من كبار مثقفي مصر أمثال: طه حسين وعلي عبد الرازق والمفكر (محمد حسين هيكل) [ليس له علاقة أو قرابة مع الإعلامي والصحفي محمد حسنين هيكل]

4ـ الحزب الوطني (1907ـ 1953): أسسه مصطفى كامل ليسعى لاستقلال مصر، كان يطالب بحكم ذاتي تحت السيادة العثمانية. بعد ثورة سعد زغلول تضاءل حجم الحزب فانضم معظم أنصاره الى حزب الوفد. كان يرفض الاشتراك بالحكومات، تعاون الحزب مع حركة الضباط الأحرار في ثورة 1952.

لم تلبي كل تلك الأحزاب الذي غلب على مؤسسيها وأعضائها الطابع البرجوازي والمهادن للحكم في بعض الأحيان والمتعاون مع حكومة الانتداب في أحيان أخرى، في حين كانت الطبقة الوسطى آخذة بالاضمحلال وهي طبقة المعلمين وأصحاب الحرف والشهادات الجامعية، كما لم تكن فئات الفلاحين والعمال إلا في أسوأ أحوالها، مما أوجد بيئة ناضجة للتوجه الى فكر آخر..


هوامش
*1ـ مقدمة في دراسة المجتمع العربي والحضارة العربية/ الياس فرح/ بيروت: دار الطليعة ـ الطبعة الثانية 1980 صفحة 106.

*2ـ شارل عسوي/ مصر في منتصف القرن (مسح اقتصادي) 1954.
*3ـ المصدر السابق.
*4ـ موسوعة السياسة/ عبد الوهاب الكيالي/ بيروت:المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1981 الطبعة الأولى؛ الجزء الثاني صفحة 530.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس