عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-11-2011, 11:03 PM   #10
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(28)

عاد علوان الى أهله، بعد غياب أربع سنوات، كان نجيب قد تخرج منذ سنتين وعمل مهندساً في البلديات ثم سافر ليعمل في إحدى دول الخليج. لم يتغير الوضع المادي كثيراً في البيت، ولكن كثير من الطِباع قد تغير، فلم يعد في البيت بقرة تحلب، ولم يعد في البيت فرناً يُصنع فيه الخبز، ولم يعد والده يحمس القهوة في الصباح ويضرب على (المهباش) لسحن القهوة وإضافتها من إبريق لآخر باحتراف، أو لقتل الوقت، وكانت وجبة الإفطار مليئة بالأصناف المشتراة من خارج البيت (حليب، زبد، جبن، لبن رائب) حتى البيض كان يُشترى هو الآخر. وعند الغداء لاحظ علوان أن المائدة لم تخلُ يوماً من اللحوم أو الدجاج.

لم يشأ علوان أن يسأل والدته عن مصدر أثمان تلك الأشياء، وقد سألهم يوماً عن جهاز تلفزيون 24 بوصة، كم ثمن ذلك الجهاز، فأخبروه بأن أخاه (نجيب) هو من أحضره من دول الخليج، فخمن أن أخاه هو من يرسل لهم تلك الأموال.

لم يخبرهم علوان أنه لم يتخرج بعد، بالرغم من أنه لم يُسئل عن ذلك، فقد بقيت عليه مادة واحدة سيقدمها بالدور الثاني بنهاية الصيف، وكان عليه أن يعود للجامعة لتكملتها.

عند الإفطار أبلغه والده أن عمه (قدري) دعاه للغداء، وكانت تلك العادة مُتبعة في الأرياف، فما أن يغيب أحدهم بالسفر بضعة أيام، حتى يعمل له أقاربه (دُوُرية) أي كل واحد يدعوه مرة. لم يبتهج علوان بتلك الدعوة فيعرف أن عمه قدري هو من كان يحرض والده على عدم إرساله للجامعة، توفيراً للمصاريف وحتى لا يبيع أرضه من أجل ذلك. حاول علوان التملص وعدم الذهاب لتلك الدعوة، ولكن أبوه زجره وقال: (عيب يزعل عمك)!.

(29)

ماطل العم (قدري) في إحضار طعام الغداء، وكان كل دقيقة يُرحب بابن أخيه ترحيباً أثار استغراب علوان لتكراره، فتساءل في سره: هل عمي يريد أن يستدرجني لخطبة ابنته؟

كان العم قدري يسأل زوجته أسئلة لا يربط بينها رابط: أين محمود؛ أين علي؟ يسأل عن ولديه وهو يعلم أنهما سافرا في شاحنتيهما الى الخارج، فتجيبه أنهما في سفرهما ولعلهما يعودان اليوم.. ثم يسأل عن ابنته (فتحية) فتحضر: فيسألها هل أحضر أبو عايد ما تبقى عليه من مال.. فتجيب نعم يا أبي أحضرها.. فيأمرها: هات ذلك المال لأعده، فيقوم بعد المال على مهله وبصوت مسموع: نعم ستة آلاف وخمسمائة دينار..

يعود العم قدري بالترحيب، ويقوم بالسؤال عن مدين آخر: هل أحضر الحاج مسعود قسط سيارته؟ فتقوم زوجته بالطلب من ابنتها فتحية: أحضري النقود التي في الخزانة، فيقوم بعَدِّها بنفس الطريقة..

على المائدة رحب العم قدري بعلوان مرة تلو الأخرى، ولا ينسى المقبلات لذلك الطعام (الدسم)..

ليس هناك أفضل من العمل الحر، نحن نأكل أحسن الطعام دون أن نبيع شبراً واحداً من الأرض، ليس كوالدك (الله يصلحه!) كل يوم يبيع قطعة أرض ليشتري حليباً ولحماً ودجاجاً!

فكر علوان: إذن أثمان الطعام الفاخر الذي تقدمه والدته يومياً مصدرها من بيع الأرض، وليس من المال الذي يرسله نجيب!

كانت تلك الدعوة بمثابة رهانٍ ثقيل لقياس مدى تحمل علوان للؤم عمه، وقد انتهت بتشويش على واقع الأسرة...

(30)

في المساء التقى علوان بإبراهيم أحد خريجي الجامعات اليوغسلافية، وكان متعطلاً عن العمل، وكان يحضر اللقاء والد إبراهيم، الذي كان يتمنى أن علوان أحد أولاده، وأثناء الحديث قال والد إبراهيم بتهكم مقصود، غداً أو اليوم أضيف لجيش العاطلين عن العمل من الجامعيين واحدٌ آخر، وكان يقصد علوان...

دار الحديث، فاقترح والد إبراهيم أن يموِّل مشروعا يتشارك فيه كل من إبراهيم وعلوان، فقد كان ميسور الحال من عمله المتعلق بالتخليص على البضائع.. وقد اختار أن يكون المشروع (مزرعة لتربية أبقار الحليب)، تمت المسألة بسرعة غريبة..

اشترى والد إبراهيم اسمنت، رغم صعوبة الحصول على مثل تلك المادة في تلك الأيام، ووضع حارساً، وكان ينتظر من علوان إنهاء دراسة الجدوى الاقتصادية. وفي تلك الأثناء كان يوقظ إبراهيم بعد صلاة الفجر ويسمعه كلاماً قاسياً (لا أظن أحداً ينام للضحى العالي سينجح بمشروع!) كان يعلم أن إبراهيم لا يصلي بعكس علوان، ولكنه كان يريد أن يغتنم فرصة ربط ابنه به وجدانيا ومادياً...

لم يكتف والد إبراهيم بمناكفة ولده، بل امتدت المناكفة لتطال علوان نفسه، فعند مناقشة الجدوى الاقتصادية معه عندما كان يقرأها علوان ويشرحها، فاجأه أبو إبراهيم بنقطة لم تخطر على بال أحد.. إنك لم تتخذ تدابير كافية إذا ما هاجم قطيع الأبقار (نمرٌ)...

ـ نمر يا أبو إبراهيم؟
ـ نعم نمر.. لماذا لا نحتاط لكل صغيرة وكبيرة؟
ـ وهل نحن في حوض الأمازون أو زمبيزي؟

غمز علوان إبراهيم، وأفهمه فيما بعد أن يصرف النظر عن مثل ذلك المشروع، وعلم فيما بعد، أن أبا إبراهيم قد ربح من بيع الاسمنت!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس