عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-11-2022, 09:05 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,971
إفتراضي

فهذا هو العلم الذي شمر إليه أولو الهمم والعزائم، واستبق إليه أصحاب الخصائص والمكارم
تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
ويقول أيضا: (الفرح بالله والسرور به من أعظم مقامات الإيمان، فالمؤمن يفرح بربه إذ هو عبده وأحبه، ويفرح به سبحانه ربا وإلها ومنعما ومربيا أشد من فرح العبد بسيده المخلوق المشفق عليه القادر على ما يريده العبد ويطلبه منه، المتنوع في الإحسان إليه والذب عنه)
ويقول أيضا رحمه الله تعالى: (فالفرح بالله وبرسوله وبالإيمان والسنة وبالعلم وبالقرآن من أعلى مقامات العارفين قال الله تعالى: { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون } وقال تعالى: { والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك }
ويقول ابن القيم في «مدارج السالكين»: (فالفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبته له وإيثاره له على غيره فإن فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبته له ورغبته فيه، فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله له ولا يحزنه فواته فالفرح تابع للمحبة والرغبة)
ومن صور الفرح المحمود: فرح الصائم بفطره وبلقاء ربه فعن (أبي هريرة) يقول: قال رسول الله (ص): «وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح يصومه» رواه البخاري ومسلم
وفرح المسلم بعيد الفطر فرح مشروع؛ حيث وفقه مولاه أن أدرك شهر رمضان فصامه وقامه ووفقه لإتمامه، فهو يفرح بيوم العيد لينال أجر رمضان، لا للتخلص من رمضان
ومن صور الفرح المحمود: الفرح بتعلم كتاب الله تعالى وحفظه والإكثار من تلاوته، قال الله تعالى: { والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب }
ومن صور الفرح المحمود: فرح المسلم بانتصار المسلمين والمجاهدين على أعدائهم وانتصار الحق وزهوق الباطل كما قال تعالى: { ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم } "
وبعد أن تحدث عن الفرح المحمود تحدث عن المذموم فقال :
"الفرح المذموم:
ولقد ذم الله سبحانه الفرح في مواطن، كقوله: { لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين } وكقوله تعالى: { وإذا أذقنا الناس رحمة } أي: خصبا ونعمة وسعة وعافية { فرحوا بها } فرح بطر وأشر، لا فرح شكر بها وابتهاج بوصولها إليهم، وقال تعالى: { لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور }
وقال تعالى: { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون }
وقال تعالى: { ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور * إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير }
فالفرح المذموم هو الذي يورث الأشر والبطر، وهو ما كان ناتجا عن الغفلة والخواء وقد ذكر بعض المفسرين لقوله تعالى: { من شر الوسواس الخناس } أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح فإذا ذكر الله خنس
ومن صور الفرح المذموم: فرح المرء بالعمل وإظهاره للناس والتسميع والمراءاة به، فعن سلمة، قال: سمعت جندبا يقول: قال النبي (ص): «من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به» متفق عليه
وأخطر من ذلك حينما يفرح المرء بما لم يفعل من باب الرياء والتكثر يقول الله تعالى: { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم }
ومن صور الفرح المذموم: فرح المرء بتقصيره في طاعة الله، أو تخلفه عن ركب الصلاح، والاستقامة، وقعوده عن دعوة الداعي وأمر الآمر ونهي الناهي، كما قال تعالى عن المنافقين: { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون * فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون }
ومن صور الفرح المذموم: الفرح بالمعصية عندما يغويه الشيطان على ارتكاب معصية من المعاصي من بذخ وإسراف، أو إحداث غناء وطرب محرم، أو ما إلى ذلك مما حرمه الله تعالى، يأنس بها ويبذل في الحصول عليها الكثير من ماله ووقته مما يدل على شدة الرغبة فيها والجهل بقدر من عصاه، والجهل بسوء عاقبتها وعظم خطرها
ومما لا شك فيه أن هذا لم يصدر إلا عند ضعف الإيمان واستحواذ الشيطان؛ إذ إن المؤمن لا تتم له لذة بمعصية أبدا ولا يكمل بها فرحه، بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط قلبه، ولكن سكر الشهوة يحجبه عن الشعور به، ومتى خلا قلبه من هذا الحزن واشتدت غبطته وسروره فليتهم إيمانه وليبك على موت قلبه، فإنه لو كان حيا لأحزنه ارتكابه للذنب، وغاظه وصعب عليه، ولا يحس القلب بذلك فحيث لم يحس به فما لجرح بميت إيلام)
ومن صور الفرح المذموم: فرح الإنسان بمناسباته المحبوبة إليه من زواج، أو حصول مولود، أو تفوق علمي أو وظيفي، أو مناسبة عيد وما إلى ذلك عندما يصاحبه إسراف وتبذير، أو اختلاط الرجال بالنساء، أو ارتكاب لشيء من المحرمات كالغناء والطبول، أو ترك شيء من الطاعات من صلاة وغيرها، أو ما يحدث عند كثير من الشباب أثناء فوز فريق رياضي يصل عند بعضهم إلى حد السباب والشتم أو الاعتداء على الآخرين أو على أموالهم ومحارمهم، بل قد تصل نشوة الفرح إلى حد الإغماء وكل ذلك يحصل بسبب البعد عن شرع الله واتباع الهوى والنفس والشيطان نسأل الله السلامة والعافية
روى عبد الرزاق في مصنفه عن الحسن قال: (صوتان فاجران فاحشان – قال: حسبته قال: - ملعونان، صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة، فأما الصوت عند المصيبة فخمش الوجوه، وشق الجيوب، ونتف الأشعار، ورنة شيطان، وأما الصوت عند النعمة فلهو وباطل، ومزمار شيطان)"
وحدثنا عن الإسراف فى الفرح وأنه مذموم فقال:
"إذ ليس من شأن المسلم أن يكون مفراحا إلى درجة أن يرتكب ما حرم الله عليه أو أن يقع في الإسراف، فما من شيء من أمور الدنيا إلا والإسراف يشينه كما أن الاعتدال يزينه إلا عمل الخير؛ ولذلك قيل: (لا خير في الإسراف، ولا إسراف في الخير)
فالإسراف في الفرح سواء كان في الأعراس أو غيرها مدعاة للخروج عن المقصود بل ربما أدى إلى الوقوع فيما لا يرضي الله من معاص ومنكرات قد تحول هذا الفرح إلى ترح لا سمح الله، وكم سمعنا من مآس حصلت لبعض أولئك الذين عملوا بمعصية الله في أفراحهم ومناسباتهم من طلاق وفراق للزوجين، أو ديون وهموم، أو شجار ونزاع وغير ذلك
ومما لا شك فيه أن فرح الدنيا لا يسلم من ترح سابق أو مقارن أو لاحق يجعل الفرح كطيف خيال زار الصب في المنام ثم انقضى المنان وولى الطيف وأعقب مزاره الهجران، وقيل في الحكمة: (أمر ما في أحزان يومنا ذكرى أفراح أمسنا)
والشخص المكثر من الفرح بإفراط مما هو من متاع الدنيا وزخرفها هو المعنى بمثل قوله تعالى { إن الله لا يحب الفرحين }
وقد ذم الإسلام الفرح بالمعصية والمجاهرة بها والافتخار في نشرها أو السرور بالألقاب والمدائح لفاعليها، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (ص)يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول، يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه» رواه البخاري"
كما تحدث عن الفرح لفرح الآخرين فقال :
"الفرح للآخرين:
ومما أمر به ديننا الحنيف أن لا يقصر المسلم فرحته على نفسه أو أقربائه وأصدقائه، بل يفرح المؤمن لجميع إخوانه في العقيدة، يفرح لهم عند حصول أحدهم على ما يسره، ويحزنه ما يحزنهم، وهذا هو خلق المسلم كما جاء في حديث أبي موسى عن النبي (ص)قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه» متفق عليه
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس