عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-03-2010, 10:23 PM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي القابلية للاستهواء

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كانت سنة الله سبحانه وتعالى أن يخلق الناس مختلفين ، وأن ينسحب هذا الاختلاف لكل جوانب الحياة صغيرها وكبيرها ، فإن العديد من
القضايا الفكرية والمعرفية تعد من الجوانب التي تختبر مدى الاتزان الانفعالي الذي يجب أن يتسم به الشخص .
وإذا كان الإنسان محكومًا في تصرفاته بالعديد من المدخلات الثقافية والفكرية ، فإن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في توطيد وترسيخ بعض قناعاته
والتي تتحول فيما بعد إلى واقع سلوكي يتناوله المختصون بالبحث والدراسة والتحليل.
والناظر إلى الإعلام وما يقوم عليه من أفكار ورؤى فإنه لا يجد -تقريبًا - جديدًا في فكرته اللهم إلا الزيادة المقيتة في الإثارة باعتبارها عنصرًا
من عناصر الجذب ودليلاً على نجاح البرامج المذاعة .
والناظر إلى برامجنا الإعلامية يجد أن كثيرًا منها يتخذ من الإثارة أداة لرسم سياساته العريضة معتمدًا في ذلك على مجموعة من الألفاظ تؤكد
على فاعلية دور اللغة والتأثير المتزايد لها في حالة غياب وعي ثقافي كاف لمواجهة ثقافة الإثارة.
هذه الثقافة تقوم على مجموعة من الصياغات اللفظية متبوعة بأداء (إخراجي) يهدف إلى برمجة المشاهد في أطر لا ينبغي له الحيد عنها.
فمن هذه الصيغ ما يتخذ من قضية الفساد الإداري وسيلة لاستهواء المشاهدين وكسب تعاطفهم وإشعارهم بأن صاحب البرنامج إنسان له قيم ومبادئ
حقيقية يستميت في الدفاع عنها . ومن هذه الصيغ مثلاً :
المذيع الفلاني يفتح واحدة من أكبر ملفات الفساد في العالم العربي
المقدم الفلاني يفضح بالوثائق والمستندات رؤساء شركات توظيف الاموال وإلحاق العمالة بالخارج
فضائح الشركات المساهمة من الألف إلى الياء
.
.
.
.
.
قائمة لا تنتهي من العبارات التي لا تخرج عنها العديد من القنوات الأرضية والفضائية.(أرضية لأنه مستواها لا يرتفع عن الأرض وفضائية لأنها فاضية!!)
ومن هذه الصيغ ما يشعِر المستمع بأن المقدم للبرامج كان مقيمًا وثاويًا في الأوعية الدماغية لمتخذي القرار وأنه سيقوم بـ(تغطية)مباشرة للحدث الذي هو
موضوع الساعة ، حتى ولو كان حواراً مع ملتقط الكرات خلف خط التماس!
ومن هذه الصيغ ما يكتفي بطرح تساؤلات تشعِر القارئ بأن مقدمها كان محمومًا ، وقد كتب له الطبيب وصفة(روشتة) أسئلة لكي يُشفى بها كلها مهلهلة :
هل كان حادث اغثيال الرئيس السادات منذ 21 سنة حادثًا قائمًا بعلم القيادات الأمنية والسياسية ؟
هل تم محاسبة المسؤولين عن تأمين المنصة ؟
هل أخذت التحقيقات مجراها كما ينبغي ؟(ليكون هو الوحيد على ظهر البسيطة من تصدى للقضية بعد أفولها بعقدين كاملين أو ربع قرن)
وبالمقابل لا نجد غير متلق سلبي جل تعليقه هو الإعجاب بهذه الطلة الإعلامية البهية للمقدم ، ونجد للمشاهدين مجموعة من التعليقات على شاكلة:
-هذا الكاتب فضح ما لم يكن مفضوحًا من قبل
-هذا المقدم للبرامج يقدم برامج ساخنة (وكأنها وجبات بيف برجر )
-في البرنامج الفلاني قال المذيع كذا وكذا وكذا
- ألم تسمعهم يقولون في البرنامج....
والملاحظ على المشاهِد أنه غالبًا ما يكون مادة سهلة لهذا الاستهواء الذي نتج عن أمية مترسبة بكافة أشكالها أمية القراءة والكتابة وأمية التفكير الناقد ..وغيرهما
وعبر برامج القنوات الفضائية والأرضية لا يجد المشاهد برنامجًا يقوم بالأدوار الاولية في توعية المشاهد بما يوازي (المعلوم بالضرورة من الدين) من شؤون الحياة
المختلفة ، فلا تكاد ترى نقاشًا عن معنى القاعدة العلمية ، ولا الكل الأكبر من مجموع أجزائه ، ولا كيفية التوثق من الأخبار وقياسها عقليًا ومنطقيًا .
هذه القابلية للاستهواء والتي تجعل المشاهدين فور سماعهم تصريحًا حكوميًا بفضائح قناة معارضة أو فضيحة جنسية لعضو في مجلس الشعب أو ما شابه ذلك ببغائيي الترديد لها على أنها مسلّمة كونية على الرغم من كثير مما ينتاب الناسَ من الشك في بيانات وتصريحات المسؤولين الرسميين والحكوميين.
ليأتي هذا التناقض والذي يقول بلسان الحال :كيف لمن لا يصدق حكومة في شأن ما أن يردد ما تقوله في شأن آخر مصدقًا إياها ومسؤوليها ؟!!
إن هذه الانفصامية في كيفية التفاعل مع الإعلام تطرح العديد من التساؤلات المتعلقة بدور المفكرين والمثقفين الذين يبشرون بالمشروعات الثقافية التابعة لتوجهاتهم السياسية في الوقت الذي لم يقوموا فيه بتوعية المجتمع بأبجديات التفكير العلمي والمنطقي لما يجري حولهم.
وإذا كان البعض لديهم القدرة على التوحد في ذات القائد أو ما يمثله ، فإن المؤكد أن هذا التوحد يكون نتيجة الشعور بتعبيره أو من يمثله عن النقاط التي يلتقون فيها.
لكن في مثل هذا الواقع : ما المصداقية التي تجعل من ثبت إفكه في غالب الأحيان مصدرًا معلوماتيًا له مرجعيته الشعبية !!
إننا بقدر ما نلقي باللائمة على أنظمة سياسية وفكرية معدومة المصداقية وننسى الأدوار التي يجب أن يتصدى لها أهل الفكر والمعرفة بقدر ما نجني مواطنًا لا يتعدى كونه عصا المقود في أيدي من يكرههم ، ولا عزاء لدراويش الجامعات !
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس