الموضوع: بيع الاستجرار
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 10-05-2020, 04:32 PM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,964
إفتراضي

إن الاستجرار بثمن مؤخر لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن ذكر البائع الثمن كلما يأخذ منه المشتري شيئا أو يكون ثمن ذلك الشيء معلوم للجانبين بأي طريق وهذا لا خلاف في جوازه عند الجمهور القائلين بجواز التعاطي فيقع بيع كل شيء عند أخذه على سبيل التعاطي ويقع المحاسبة عند نهاية مجموعة من البيوع. فلا يلزم منه البيع بثمن مجهول ولا بيع ما هو معدوم ويجوز ذلك عند الحنفية والحنابلة وعند الغزالي وابن سريج وغيرهما من الشافعية وأما على المشهور من مذهب الشافعية فيقع جوازه عند التلفظ بالإيجاب والقبول وقد ذكرنا أن الراجح في التعاطي قول الجمهور
الحالة الثانية: أن لا يذكر الثمن في كل مرة ولكن يتفق الفريقان عند الفاهم الابتدائي أن المشتري سوف يستجر هذه الأشياء بسعر السوق وفي هذه الحالة يتوقف جواز البيع عند الأخذ على جواز البيع بسعر السوق والمعروف عند الأئمة الأربعة أن بيع الشيء بسعره أو بثمن مثله أو بالرقم لا يجوز إلا إذا كان معلوما لدى المتبايعين في المجلس ولكن هناك رواية في مذهب الشافعية وأخرى في مذهب الحنابلة تجيز البيع بسعر السوق أما في مذهب الشافعية فهو وجه حكاه الرافعي وذكره النووي بقوله:
(وحكى الرافعى وجها ثالثا أنه يصح مطلقا للتمكن من معرفته كما لو قال بعت هذه الصبرة كل صاع بدرهم يصح البيع وإن كانت جملة الثمن في الحال مجهولة وهذا ضعيف شاذ)
وأما في مذهب الحنابلة فهو رواية عن الإمام أحمد واختارها الشيخ تقي الدين وقد ذكرنا عبارته من قبل وكذلك ذهب إلى الجواز العلامة ابن القيم وذكر أنه منصوص من الإمام أحمد وهو الذي اختاره شيخه ابن تيمية.
والذي يظهر لي بعد مراجعة كلام الفقهاء وأدلتهم في هذا الموضوع أن الأشياء على قسمين:
قسم تتفاوت أسعاره بتفاوت الآحاد ولا يمكن تحديد سعرها بمعيار منضبط معلوم فمن التجار من يبيعه بعشرة مثلا ومنهم من يبيعه بأكثر وأقل فالذين ذهبوا إلى حرمة البيع بسعر السوق إنما أرادوا المنع في مثل هذا القسم من المبيعات لأن سعر السوق إذا لم يكن معلوما للمتبايعين في مثل هذه الأشياء اصطلاح غير مستقر فيبقى الثمن مجهولا بجهالة تقضي إلى النزاع.
ولكن هناك قسماً آخر من المبيعات، وهو الذي لا تتفاوت آحاده، ولا تتفاوت أسعاره، وإنها تنضبط بمعيار معلوم يعرفه كل أحد معلوم يعرفه كل أحد، ولا يحتمل أن يقع الخطأ أو النزاع في تطبيقه، والذين ذهبوا إلى الجواز إنما أرادوا هذا القسم، لأن ذكر مثل هذا المعيار المضبوط يقوم مقام ذكر الثمن، فليس فيه جهالة تفضي إلى النزاع وإلى هذا المعنى يشير الإمام المحقق ابن الهمام حيث يقول:
(ومما لا يجوز البيع به: البيع بقيمته، أو بما حل به، أو بما تريد أو تحب، أو برأس ماله، أو بما اشتراه، أو بمثل ما اشترى فلان، لا يجوز ... وكذا لا يجوز بمثل ما يبيع الناس، إلا أن يكون شيئاً لا يتفاوت كالخبز واللحم).
وذكر ابن عابدين مثله عن صاحب النهر الفائق، فقال:
(وخرج أيضاً ما لو كان الثمن مجهولاً، كالبيع بقيمته أو برأس ماله أو بما اشتراه فلان ... ومنه أيضاً ما لو باعه بمثل ما يبيع الناس، إلا أن يكون شيئاً لا يتفاوت)
وهذا فيما أرى أعدل الأقوال وأوفق بالأصول المجمع عليها، فإنه لا مانع من جواز البيع بالسعر إلا جهالة الثمن التي تفضي إلى المنازعة، وإذا ارتفع احتمال المنازعة بتعين معيار منضبط ارتفع المانع، وجاز البيع. وقد ظهر اليوم أشياء كثيرة ينضبط ثمن مثلها بمعيار معلوم لا يحتمل وقوع النزاع في تطبيقه، وفي مثل هذه الأشياء يجوز العقد، ويجوز الاستجرار على أساس سعر السوق"
ومن حرموا هذا البيع للجهالة بالسعر وعدم المساومة مخطئون فليس هناك جهالة عند معظم الشارين كما أن المساومة ليست أصلا فى البيه وإنما البيع أصله التراضى شرط ألا يكون الربخ من السلعة يساوى الضعف أو اكثر كما قال تعالى فى المكاسب التجارية :
" لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة" فالربا هنا هو المكسب التجارى
كما أن الناس عندما يجدون أن بياع ما قد غبنهم فى سعر شىء يتركونه للشراء من بائع أخر وبعضهم لا يعود للبائع الأول أبدا وإن لم يذكر له سبب تركه كما أن كثير من الناس لا يساومون لأسباب مختلفة وأنا منهم لعدم تضييع الوقت وكثير من التجار يعرفون هذا
ومما سبق نجد فى النهاية أن الفقهاء اضطروا إلى إباحة هذا النوع من البيع وسيان كان هذا الاضطرار حفاظا على حياة الناس بدلا من موتهم جوعا أو موافقة بالاكراه أو بالقلب وهى قليلة على ما يقوم به الحكام من ظلم للناس فى منعهم حقوقهم من مال الله لأن فى النهاية العديد منهم يصيب من هذا المال فى صورة عطايا من الحكام سواء كانت هذه العطايا هدايا أو رواتب مباشرة أو عطايا للمدارس والجوامع التى يقومون بالعمل فيها
الإنسان فى هذا البيع مضطر فلو لم يفعل مات هو وعياله جوعا وحتى البائه هو الأخر مضطر للموافقة على هذا البيع لأنه لو رفض هذه البيع فلن يجد مكسبا من تجارته التى تعتمد غالبا على البيع لهؤلاء المضطرين ومن ثم لن يقدر على النفقة على أسرته ومن ثم فهى دائرة لا تنتهى من الظلم لن يوقفها إلا العدل عندما ينال كل إنسان نصيبه العادل كما قال تعالى " وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين"
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس