عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 07:48 PM   #12
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

نفهم بما تقدم أن القانون مدعو إلى أن يلعب في نظرية

هابرماس دور "المُحول"، فهو يحول المتطلبات المعيارية للفعل

التواصلي إلى سلطة إجبارية لمجموع المجتمع وأنساقه

الصناعية والمالية والمصرفية والشبكية، يحتكم إليه الفرد ضد

الدولة والدولة ضد الفرد. ووحدها المؤسسة القانونية من يتيح

وصلا كافيا بين الأنساق وحياتنا اليومية، لأنها تعبر عن

الضرورات التي يصيغها الإنسان في خطابه العادي وتطلعاته

اليومية إلى لغة تفهمها الأنساق وتنضبط لها.

وتبعا لذلك يُغير القانون هنا من دلالته المعتادة، فمن مجرد أداة

للتقنين وضبط العلاقات بين الأفراد وتنظيم مختلف السلطات كما

ساد منذ مدة طويلة. يصبح الوسيلة الجديدة التي يعبر بها

المجتمع عن فهمه لنفسه وإرادته المستقلة، وبهذا المعنى يتغير

مفهوم المواطن من مجرد كائن يخضع لسلطة وينتفع بحقوق

في ظلها بالمعنى الليبرالي للكلمة، ليتعرف على نفسه من الآن

فصاعدا كذات واعية تشارك في السيرورة التي يفكر من خلالها

المجتمع ويقرر لنفسه.

مرد هذا الاحتفال بالمعيارية وإخضاع العالم المعيش والأنساق

لديموقراطية تداولية تُخول للفرد وأعضاء الجماعة من

المشاركة مناصفة ومن دون ترك أحد على قارعة الطريق، أن

المجتمعات الديموقراطية لم تحقق إلا النزر اليسير وبطريقة

ناقصة الإمكانات والطاقات الديموقراطية التي يحبل بها القانون

الحديث كما اكتشفه روسو.

فشكل الديموقراطية التمثيلية للسلطة السياسية انقلب إلى

ترويض للطاقات الديموقراطية وكبح عموم الشعب لصالح نخبة

سياسية أوليغارشية. ولقد تعزز ذلك بمقدم دولة العناية

الاجتماعية:"Etat-Providence"، عندما تم وضع إواليات

وميكانيزمات الضمان الاجتماعي الذي احتكرت الدولة أبوته،

والأحزاب السياسية المجال السياسي، مما شجع على انغماس

الأفراد في حياتهم الشخصية وعزوفهم المتزايد عن المجال العام

وأمور السياسة.

فلقد رفضت الدولة طويلا أن يمارس المجتمع المدني السياسة،

وإذا بدا اليوم أن العديد من المؤشرات تؤكد أن هذه الوضعية في

طريقها للزوال، فالعداء المتصاعد لاحتكار النخب التكنوقراطية

والمحترفين للسياسة وتوسع الممارسات الديموقراطية في

مجالات جديدة، كما الصعوبات التي تعاني منها الديموقراطية

والدور المتصاعد لأنوية المجتمع المدني وتصاعد حس

المواطنة بفعل الظروف الاجتماعية الحديثة، يشير إلى إرادة

المواطنين للانفلات من البديل الخاطىْ الذي يريد حصرهم بين

أسوار ديموقراطية "تمثيلية"، كشفت بالملموس عن محدوديتها

وديموقراطية "مباشرة" أصبحت مستحيلة التطبيق.

يحاول هابرماس تقديم رؤية موسوعية تركيبية محورها

الفلسفة، علم الاجتماع واللسانيات التداولية وفلسفة القانون.

يصوغ هذا التركيب الأصيل بديلا جديدا يقوم مقام سرديات

فلسفة الوعي بجميع مشاربها كانت ليبرالية أو ماركسية، يطلق

عليه الفعل التواصلي الذي تندرج حمولته الفلسفية ضمن

العقلانية التنويرية التي تعلي من العقل وتنبذ العنف أو الاحتكام

إلى القوة وذلك عندما تصل إلى مستوى عقلانية تواصلية.

وتسعى العقلانية التواصلية إلى ضبط علاقة الفرد بالآخر

وإخضاع العلاقات الاجتصادية والسياسية القائمة داخل المجتمع

إلى أخلاقيات المناقشة. فالحوار القائم على المساواة ومن دون

ضغط أو إكراه، يعد البداية الأولى لحمل المجتمع بكافة طبقاته

على جمعنة أو جتمعة Sociabilité (التنشئة الاجتماعية)

تُحقق عقدا اجتماعيا يقبله ويحتكم إليه الجميع.

يحاول هابرماس إعادة الثقة في مشروع الحداثة التنويري،

بوصفه مشروعا لم يكتمل بعد، وذلك بالكشف عن المسكوت

عنه في العالم المعاصر والذي يعتبر الوريث الشرعي لعصر

الأنوار والكامن في العقلانية التواصلية القائمة على سلطة

الخطاب البرهاني.

وعموما صاغت فلسفة الوعي بشقيها التاريخ كصورة خط

متصل من التقدم واعتبرت التاريخ البشري مراحل تكوينية

متصلة، فكلا الفلسفتين الليرالية والاشتراكية تمتلكان أفقا موحدا

لا يخرج عن فلسفة الوعي، فهي في الأول نزعة ذرية (تقوم

على الفرد) وفي الثانية نزعة جمعية كلانية (تقوم على الطبقة)،

إلا أن الوعي الذي يبتغي الخلاص في كليهما مرده إلى الذات

كانت فردية أو جمعية. وكل منهما خلق تقاسيم مختلفة عن

الآخر بالنسبة لمضمون الحرية الإنسانية، فالليبرالية تؤكد على

حرية الاختيار لدى الفرد وتجعل من الفرد قيمتها العليا، بينما

تتطلع الماركسية أولا وأخيرا إلى إمكانية إنجاز ما قد تختاره

الجماعة وخاصة الجموع المحرومة.

إلا أنه من المؤكد أن لا الذات ولا الطبقة قادرين على أن يمتلكان

حقيقة مطلقة ولا أن يحلا محل التاريخ. فالادعاء بامتلاك

الحقيقة من دون الخلق جميعا ضرب من الحمق والهذيان. وأي

حرية بصفة عامة تتضمن إشكالية ما قد نختاره بمحض الرضى

أو ما يفرض علينا اختياره بحد الإكراه، غير أن السؤال

المركزي الذي نطرحه لكل منهما: فمن جهة، ما هي فائدة

الحصول على حق الاختيار إذا لم نكن نتوفر على وسائل تمكننا

من تحقيقه؟ ومن جهة أخرى ما قيمة أن أتوفر على الوسائل

بدون أن يكون لي حق الاختيار أو أن يفرض على اختيار ما؟

إن خطأ أنظمة الاشتراكية الشمولية تجلى في تضييق على

الحريات وحق الاختيار الفردي بحكة أسبقية الجماعة على الفرد

والمساواة في الوسائل بين الأفراد، أما في مجتمع التنافس

الاقتصادي الليبرالي نلاحظ أن حرية الأغلبية ضيقة جدا في ظل

أقلية تحظى بالثروة والنفوذ والحرية. ولا يمكننا أن نسمي ذلك

حرية ما دامت مرتبطة فقط بالأقوياء، ونفس الشيء يصدق على

المساواة التي قد تمارس في ظل الخضوع وكبت الحريات، فهذه

حرية تفتقد الكرامة!

وعلى الرغم من أن فلسفة التواصل النقدية تشير بأصبع الاتهام

إلى الليبرالية والاشتراكية، فإن ذلك لا يجب أن يفهم كذلك

سقوط هذا النقد في محراب الخصوصية الجماعية والتقاليد

ودعاة الإقصاء المذهبي والديني وبائعي الرحمة الربانية

بالتقسيط.
__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس