عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-11-2010, 12:50 PM   #1
تيسير العفيشات
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2010
المشاركات: 2
إفتراضي مع الشاعرة عائشة خواجا الرازم

هل تحتمل امرأة شاعرة ؟
بهذا العمر السخيف الذي يسير بخطى واسعة نحو الأفول ؟
امراة تخرج من قصيدة لتسقط على حفافي الريح العاصفة..
كانت لي صديقة شاعرة اسمها عائشة خواجا الرازم كانت عضوا في رابطة الكتاب وكثيرا ما كنا نقطع بعض أويقات في حوارات جانبية عاصفة .. كانت أمرأة من شعر أو قصيدة شعر على هيئة أمرأة .. دخلت مطبخ الرابطة ذات يوم .
قالت: هل أصنع لك شايا ؟
قلت :
اذا كان انسيابا أو تدفقا كحلم شفيف، أو كان مذاقا من جنون وكان بلون السحر ... وطعم الخريف .. لامانع ....
قالت:
ساجعل لونه حائرا كظل قصيدة ،ومذاقه كمذاقي ...أخلطه بنجواي وأعطره بقداستي
قلت :
أذن سأريقه في قلبي نشوة من نبيذ شاعرة
قالت :
أنا أعرف أنك تعشق الحكمة وأعرف أنك لا تحب الشعر... أما أنا فالشعر هو طفلي الكوني ألقمته ثدي روحي .. فالكون قصيدتي وكل ما في الكون اشيائ الحميمة، أنا صنعتها بيدي، انظر الى تلك الفراشات وهذا العصفور حافي القدمين وانظر الى تلك الحدود القصوى وتأمل كيف كيف حففتها بالمعاني
قلت:
فلماذا تختبئين كقطة في حظن قصيدة وتختلسين من الحياة رمقا مؤلما كي تصنعي بيتا من الحلوى في قرية مسحورة ؟
قالت :
لأني أحتاج الى العبث في نجواي المقدسة وكيما يتحول الكون الى مسبحة من ألم بين أناملي..
قلت:
فلماذا ترتعشين مثل رجفة الماء على صفحة الوجود ؟

قالت:
لأني أرى ما لا يرى واحس ما لا يحس .. أنا مثل النسيم العليل الذي يتخلل الروح فيهبها تلك الرعدة الأنيسة الحالمة .. لكني كنشوة صدى وأسا بلا حب كبير، تهزمني الكلمات ..
قلت:
وهل يحتاج الشاعر الى حب كبير كي يصير شاعرا كبيرا ؟
قالت:
حتى ينزف وجعا ماجنا مثلي .. حتى يكون غيمة عابرة السبيل تهطل دفئا ..
قلت :
اذن أنت إمرأة ادمنت وجعها، وشاعرة تراقصت على جراح كلماتها ونزف حروفها.
قالت:
ليس وصفك دقيقا … أنا إمرأة من اشتهاء أنا اقحوانة الغيب الذي تتوق نفسك له وتتعلق آمالك بأهداب خياله.

قلت :
اليس تلك خسارات كبيرة أن تتحول امرأة الى هزيمة للكلمات ؟
قالت:
نحن نخسر دائما .. خسرنا لأننا أتينا الى هذا الوجود .. وخسرنا عندما لا نحصل على ما نريد ..وخسرنا لمّا فشلنا أن نغفر للورد زلاته، وعندما اممتصصنا من الياسمين رحيقه المؤجل، وخسرنا عندما لم نعرف مذاق القمر في ليالي الربيع .. وخسرنا عندما كبرنا دون أن ننتبه، وخسرنا عندما تحولنا الى جدر هدمتها عاصفة الوجود في لحظة يأس مرت على قلوبنا بسرعة .. وخسرنا عندما تحولنا الى متاحف ،أو بقايا متاحف لا روح فيها ولاشعور ولا ألق ولا أنس ولا بهاء ولا سكينة ولا حتى عفو ... وخسرنا عندما فقدنا القدرة على أن نحب مرة ثانية..

قلت:
وكيف لك أن توقضي الحلم من غفوته الأبدية مع كل تلك الخسارت
قالت:
العودة للحلم ليست ضرورية لأننا نحن أحلامنا.. الحلم متى غادرنا تحولنا الى حجارة ..وبالقصيدة وحدها نمارس طقس وجودنا.
قلت :
أن يتحول الشاعر الى حجر يتحول الى إغواء آخر .. يتخذ منه الناس صنما فيعبدونه ..
قالت:
لماذا برأيك ؟
قلت:
لأنه حكاية لا يمكن للزمن أن يختصرها ...
قالت:
نعم ولانه خالق مجازات ...( قالت ذلك وابتسمت )
قلت:
يبدو أنني أخطأت الجواب
قالت:
لماذا ..؟
قلت:
تلك الأبتسامة حملتها على معاني متضادة ..
قالت:
لا عليك فالرجل مهما اتسع عقله يفشل في حل لغز امرأة بسيطة فما بالك اذا كانت شاعرة ؟
قلت:
بالأمس قرأت قصيدتك التي نشرتها في الرأي الثقافي ....
أفق أيها السادرفي حظن الهشيم
أيها الجبل المهيض
أفق من نومك الوثني
أغث روحا صغيرة
واسقها مطرا وفوضى
وحكايات اشتهاء
لا تخف أنا عصفورة تحظن نهرا
سفر في ظلال اللوز دائم
لمعة ضؤ في العيون الناعسة
لا تخف صوتي نبيذ للإله
لا تخف بوحي العابث
فالليل اشتهاء
......
أحسست بثقل القصيدة وأحسست كأنما تسافرين بخطى ثقيلة نحو الموت ...
قالت:
بلى نحن نمارس موتنا في كل لحظة في كل ثانية .. شعوري بالموت هو شعور بفرح آتي من بعيد .. الموت تجربة وجودية عامة أنا امارس تجربة الوجود ولا أرى فيها أنس أو توتر عالي للروح .. ولذلك أحاول أن أحيا موتي أن أعاين موتي ... ألست أنت من أهداني هلدرين ذات يوم ... هلدرين حولني الى بقايا من وجود .... بل حولني الى موت يحضر باستمرار...
قلت :
ويحي أي جريمة اقترفت ... لم أكن أعي أني ادفع اليك خنجرا ... كنت اظن أني أهديك شاعرا مختلفا .. شاعرا حزين قتله حزنه الذي تحول الى جنون بعد وفاة حبيبته سوزيت ... وكان ديوانه هيبرون أو العابر... قد كتبه في هذه الفترة أي فترة جنونه بعد أن خرج من المصحة النفسية وعاش في بيت ارسنت زيمر صديقه ذلك النجار المثقف ... حتى وفاته... وقلت لك حينها هذا ديوان لشاعر الموت والجنون والعشق ... رأيت لهفتك حينها ... وقلت أن الذي عرفني على هذا الشاعر هو هيدغر ..... إن قراءة هذا الشاعر فيه مخاطرة كبيرة لأنه سيدفعك الى حافة الهاوية ....
قالت :
وكيف أحرقتني أسلتك تلك التي أردت من خلالها أن تعرفني على هذا الشاعر العظيم ولكن على طريقتك ... ساعة اذ كتبت أهديك هذا الشاعر المجنون لكن يا ياعائشة :

هل انتصار الشاعر هزيمة لمجتمعه أم هزيمة لتاريخ مجتمعه أم هزيمة لعقل مجتمعة أم هزيمة لأخلاق مجتمعة .. أم هل إنتصاره هزيمة للشمس والقمر و هزيمة للبحر والنهر .. أم هل انتصار المجتمع والكون والأخلاق والتقاليد والقيم هزيمة للشاعر... إن الشاعر اذا انتصر فلا بد أن ينتقل من نبي باك حزين الى لعنة تعاقب الحياة والكون والمجتمع .. الى خطأ ينثر الخطايا والآلام والأحزان في الكون الى جنون ..
يتحول الى ذات تنشب أضفارها القوية في جسد الكون الى ذات مضادة .. ولأنها مضادة فهي حزينة ..
ولأنها حزينة فهي مضادة ولأنها مضادة وحزينة فهي متألمة ..والألم يتحول في حدوده القصوى الى جنون ...
هل يتحول الشاعر اذن الى مقبرة تثوي فيها آلهتنا وأنبيائنا وتقاليدنا وأكاذيبنا وأوهامنا وادياننا وآمالنا .. هل الشاعر يحولنا الى مقبرة .. هل كل شاعر هو مقبرة لنا و للكون؟ أليس يا عائشة كل إنسان هو قبر لأوثانه وتعاليمه وآلهته ..؟ فكيف تجعلي منا موتي يا عائشة وانت وحدك النبي المبشر بخلاصنا من موتنا وقبورنا ..؟ أنت شاعرة يا عائشة هل أدركت اذن وظيفتك الهادمة ..؟ الشاعر آلة هدم لا آلة بناء .. أن بناء القبور هو عار .. أتدري لماذا ؟ لأنك لا تعلمي كم هي الجثث الثاوية في كل ذات من ذواتنا .. ولا تعلمي كم هي القبور التي يثوي فيها الإنسان .. ما أكثر الإنسان جثثا وقبورا يا عائشة.
كل إنسان يا عائشة هو ميت وقبر، أو هو ميت بقدر ما هو قبر .. وقبر بقدر ما هو ميت .
واعلمي ايتها الصديقة الآثمة التي تغني للحب والألم ...... وتغني للكون والفرح الآتي من بعيد.. للفرح الآتي على هدأت السكينة ونثار أنداء المساء و رفيف أجنحة الليل عندما تهمس النجوم وهي متوسدة ذراع القمر .. أنك ما تغنيت إلا لأنك تغنيت.. فلماذا تغنيت ؟ وهل من مهمتك كشاعرة أن تغني ؟ .. إعلمي أن ذلك خيانة ما بعدها خيانة للشعرـ وألم ما بعده ألم وزيف ما بعده زيف وحزن ما بعده حزن .. إن مهمتك كشاعرة هي الخلق أتدري ماذا يعني الخلق .. أن تتحولين الى خالقة حكيمة أو خالقة فاجرة ، وأيا كنتهما فأنت خالقة ، وإن كنت أفضل أن لا تكون حكيمة بقدر ما تكوني فاجرة .. لأن المسافة الفاصلة بين الكلمة كن التي تهمسين بها كيما تزحزحي المعنى خارج ضلاله وبين قيمة الكلمة كن التي تقولينها لا يحتملها الكون .. ولذا همست في أذنيك حديث القبر والموت والشعر .... ... اهديك هذا الديوان فقرأيه بتبتل ....
وشاهدي .. لمّا أن يتحول الجنون الى شعر ....
تيسير العفيشات غير متصل   الرد مع إقتباس