عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 01-02-2010, 01:42 PM   #1
عصام الدين
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2000
المشاركات: 830
إفتراضي البابور يا مون امور / السفينة حبيبتي -- قصة قصيرة

البابور يا مون امور
(السفينة حبيبتي)

ظل ينتظر، دون سأم ولأكثر من عشر دقائق، على كرسي خشبي بائس، ثم قام أحدهم فانسل إلى مقعده في خطى مستعجلة، جلس أخيرا قبالة حاسوب كان أبيض يوم اشتراه صاحب نادي الأنترنت هذا المتواجد في قلب المدينة والمتواجد في قلبه صاحبنا الآن. المسكين انزعج لرائحة السمك التي تركها ذاك الشاب المغادر، لكن ما باليد حيلة ولحسن الحظ أن أسلاك )الأ دي إس إل( لا تنقل الروائح عبيرها ولا التي تزكم الأنوف، اختار واحدا من مواقع الدردشة الضاجة بهواة الثرثرة اللاهية وأشياء أخرى، وانضم إلى غرفة الشات فاتحا نوافذ التواصل على مصراعيها. ولم يختر إلى ما أنث من أسماء وما سكن الضفة الأخرى.
وما حالت اللغة الركيكة والتعابير الفقيرة دون جموح الرغبة وصبر المثابرة لكأنه صياد همنغواي، أو أشعب عند إحدى الولائم الموعودة.
ــ وماذا تفعل في حياتك ؟
ــ أنا.. محامي.
وكل شيء في هذه الغرف الوهمية يبنى من اللقاء الأول، وليس ما يحتاج إليه شاب كصاحبنا هذا سوى استعجال تحقيق تلك الفجوة أو الثقب الأسود الذي يمكنه بعدها من القفز أخيرا على تلك الطقوس السهلة الممتنعة الذكية الغبية في الآن نفسه، ليتم تبادل الصور وعناوين المسنجر وأرقام الهواتف وساعات من الحميمية.
ــ وأين تعيش ؟
ــ أسكن في منزل مطل على شاطئ البحر.
لن يتوفر لهذه الحكاية الزمن الكافي لسرد كل التفاصيل ومتابعة مجرى العلاقة الرقمية الوليدة، ولا لكاتبها الرغبة في ذلك.
لنعد بعد ساعة.
نهض الشاب بعد أن ألقى نظرة على ساعته اليدوية، لكأن الزمن من طرده من مكانه هذا كما يطردنا جميعا في كل مرة نعتقد فيها أننا فقط مستعجلون، ليس هذا وقت فلسفة فعذرا.
تقدم نحو فتاة جالسة عند مكتب صغير قرب الباب وقدم لها ورقة ومعها دراهم معدودة وخرج.
مشى حتى ناصية الشارع، ينظر حينا للأرض وحينا للسماء، لعله لم يزل عند فضائه البرزخي بين الجنة الرقمية وجحيم الواقع المغبر في رحلة العود.
وأمام دكان عمي علي، كما يناديه أهل الدرب كلهم، أمسك بيد عربة يدوية تمشي على عجلتين وشكر عمي علي الذي ظل يحرسها بعينه السوسية منذ ساعة.
وهاهو صاحبي أنا الكاتب، وصاحبكم أنتم يا قراء، وصاحب تلك الفتاة الرقمية الفرنسية ربما أو الكندية، عشية هذا اليوم، يدفع العربة بما أوتي من قوة، دون رغبة ولا جموح، ولا صبر ولا مثابرة، يصرخ في الناس :


ــ بطاطا بستين، ماطيشة ثلاثين.
__________________

حسب الواجد إقرار الواحد له.. حسب العاشق تلميح المعشوق دلالا.. وأنا حسبي أني ولدتني كل نساء الأرض و أن امرأتي لا تلد..

آخر تعديل بواسطة عصام الدين ، 01-02-2010 الساعة 02:50 PM.
عصام الدين غير متصل   الرد مع إقتباس