عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-08-2008, 12:25 PM   #48
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

عندما يبتعد *

للعدُوُّ الذي يشربُ الشايَ

في كوخنا فَرَسٌ في الدخَانِ
وبنْتٌ لها حاجبانِ كثيفانِ ,
عينانِ بُنيتان , وشَعَرُ طويلٌ كَلَيْلِ الأغاني على الكتِفْينِ .
وصورَتُها لا تفارقُهُ كُلَّما جاءنا يطلُبُ الشاي
لكنَّهُ لا يُحَدَثُنا عن مشاغلها في المساء , وعَنْ فَرَسٍ تَرَكَتْهُ الأَغاني على قمَّة التَلِّ ..../
*... في كوخنا يستريحُ العَدُوُّ من البُندقيّة ,
مثلما يفعَلُ الضيفُ . يغفو قليلاً على مقعد الخَيْزُرانِ , ويحنُو على فَرْوِ قطْتنا , ويقولُ لنا دائماً :
لا تلوموا الضحيَّة َ!
نسأَلُهُ : مضنْ هيَ ؟
فيقولُ : دَمٌ لا يُجَفِّفُهُ الليلُ .../
* ... تلمعُ أَزرارُ سُتْرَتِهِ عندما يبتعدْ
عِمْ مساءً ! وسَلِّمْ على بئرنا
وعلى جِهَةِ التين . وامشِ الهُوَيْنَى على
ظلَّنا في حقول الشعير . وسَلِّمْ على سَرْونا في الأَعالي . ولا تَنْسَ بَوَّابةَ البيتِ مفتوحةً في الليالي .
ولا تَنْسَ خَوْفَ الحصان من الطائراتِ
وسَلِّمْ علينا , هُنَاكَ إِذا اتَّسعَ الوقتُ .../

هذا الكلامُ الذي كان في وُدِّنا

أَن نَقولَ على الباب ... يَسْمَعُهُ جيِّداً جَيِّداً ,

ويُخَبِّئُهُ في السُّعال السريع

ويُلْقي به جانباً

فلماذا يزور الضحيَّة كُلَّ مساءٍ ؟

ويحفَظُ أَمثالنا مِثْلَنا ,

ويُعيدُ أَناشيدَنا ذاتها ,

عن مواعيدنا ذاتها في المكان المُقَدَّسِ ؟

لولا المسدسُ

لاختلطَ النايُ في النايِ .../

*... لن تنتهي الحربُ ما دامت الأرضُ فينا تدورُ على نفسها ! فلنَكُنْ طَيِّبين إِذا كان يسألُنا أَن نكونَ هنا طَيِّبينَ .

ويقرأُ شِعراً لطيّار " ييتْس" : أَنا لا

أُحبُّ الذينَ أُدافعُ عنهُم , كما أَنني لا أُعادي الَذينَ أُحاربُهمْ ...

ثم يخرجُ من كوخنا الخشبيِّ ,

ويمشي ثمانينَ متراً إلى

بيتنا الحجريِّ هناك على طَرَفِ السَّهْلِ .../

* سَلِّمْ على بيتنا يا غريبُ .

فناجينُ قهوتنا لا تزال على حالها , هل تَشُمُّ أَصابعَنَا فوقها ؟

هل تقولُ لبنتك ذات الجديلةِ والحاجبينِ الكثيفينِ إِنَّ لها صاحباً غائباً ,

يتمنَّى زيارَتَها , لا لِشيْءٍ ...

ولكنْ ليدخل مِرْآتَها ويرى سرَّهُ :

كيف كانت تُتَبَعُ من بعده عُمْرَهُ

بدلاً مِنه ؟ سَلِّمْ عليها

إِذا اتسَّعَ الوقتُ .../

*هذا الكلامُ الذي كان في وُدِنِّا



(من ديوان "لماذا تركت الحصان وحيدا" 1995)





السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس