عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-12-2012, 09:18 PM   #1347
اقبـال
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2009
المشاركات: 3,419
إفتراضي

تستند فلسفة المحافظين الأميركيين الجدد –أساساً- إلى قواعد لا أخلاقية، ولا يخجل أقطابهم من الإعلان عنها، وهذا ما يشرحه أحد مخططي البنتاغون، قائلاً: »إن دور القوات المسلحة للولايات المتحدة هو المحافظة على استقرار العالم من أجل اقتصادنا والانفتاح على غزونا الثقافي. ومن أجل هذين الهدفين سنقوم بمقدار لا بأس به من القتل«([11]).

إن هذا إلاَّ تعبير عن فجوة ثقافية أخذت تذرُّ بقرنها في وسط المجتمع الأميركي، وبرزت في تيارات فكرية أخذت تميِّز نفسها في أطروحات تدور حول صراع بين نهجين داخل طبقة واحدة:

-يمثِّل النهج الأول الطبقة الجديدة الحاكمة في أميركا، وتُسمَّى ب«white class»، »التي لا تُعرَف فقط بمداخيلها، ولكن أيضاً بعاداتها الثقافية والذهنية… وتأييدها لما يُسمى العمل التأكيدي (Affirmative action)، الذي يعني التمييز الإيجابي لصالح الأقليات في مجال الأجناس«([12]). ويحدو هذه الطبقة حلم بناء إمبرطورية أميركية في العالم. والإمبراطورية –بمفهوم هذه الطبقة- ما هي إلاَّ تعبير عن العلاقة مع العالم »الذي يجب أن يكون تحت السيطرة، وأن يتحوَّل إلى فضاء داخلي بالنسبة إلى سلطة الدولة«، لكن بناء إمبراطورية مماثلة لا بُدَّ من أن يرتكز إلى خاصيَّتين: الضغط العسكري الذي يهدف للحصول على (الجزية)، والتعامل مع الشعوب المغلوبة »مثل معاملته للمواطنين العاديين، ويعامل المواطنين العاديين مثل معاملته للشعوب المغلوبة… ]أي[ ليس الحرية للجميع بل الاضطهاد للجميع«([13]).

-أما النهج المقابل فينحو باتجاه بناء أمة أميركية ديموقراطية ومكتفية ذاتياً([14]).

من الواقعي أن نقف أمام موازين القوى بين النهجين، ومن الواقعي أن نؤكد بأن الموازين تميل إلى جانب أصحاب الحلم الإمبراطوري، ففي يدهم سلطة المال، وبها يقدرون على إخضاع الرأي العام الأميركي لمشيئتهم. وليس هذا فحسب، بل إن صراع الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة الأميركية: الديموقراطي والجمهوري، ليس على سيادة إيديولوجيا رأس المال، وإنما على وسائل تحقيقها وطرق تطبيقها. وإنه حتى الخلاف حول تلك الوسائل هو بحد ذاته بذرة لا يمكن الاستهانة بها. أما السبب فيكمن في أن النقطة الخلافية تلك لها امتدادات على مساحتين: مساحة الرأي العام الأميركي، بما يعني الشريحة الواسعة من العمال والفقراء، ومساحة المصالح الدولية حتى التي تنتسب إلى نادي الدول الرأسمالية.

أما حول المساحة الأولى، فمنها يتم إنتاج صغار الجنود الذين بدونهم لا يمكن لأحدث وسائل التكنولوجيا أن تسيطر على العالم. يمكنها أن تدمِّره ولكنها لا يمكن أن تحتله بدون جندي يقف وراء متراسه، أو يقود آليته… هذا الجندي يمكن أن يبيع حريته لشبق الطبقة المالية المسيطرة، ويمكن أن يخوض الحروب بالنيابة عنها، لكن على شرط أن تكون (الجزية) من وراء تلك الحروب كافية لكي تؤمن له لقمة الخبز. أما أن يبذل دمه، وحياته في أحيان كثيرة، فسوف تغيَّر معادلة الموازنة الدقيقة بين الجهد المبذول مقابل لقمة العيش.

استناداً إليه نرى أن الصراع الداخلي الأميركي بين مفهوم بناء الإمبراطورية أو بناء الأمة الأميركية القوية؛ والصراع بين أقطاب الرأسمالية بسبب السيطرة القومية الأحادية القطبية، سيكون، في المستقبل المنظور وليس البعيد، مسماراً يُدقُّ في نعش الحلم الإمبراطوري الأميركي.

فعندما يبدأ الحالمون الأميركيون الجدد بدفع أثمان من دم وأرواح جنودهم، ومن أموال المكلَّف الأميركي. ومن الواقعي –استناداً إلى تجربتهم في العراق- أنهم سيقفون عاجزين عن تأمين الإمكانيات البشرية والمالية الكافية لتمويل تصدير حلمهم، سيبدأ المأزق الفعلي، وهو قد بدأ بدون شك. حينئذٍ سيكون للعامليْن: الداخلي الأميركي، والمساندة الدولية، أكبر التأثير على بداية التراجع في خطى أصحاب »القرن الأميركي الجديد«.

أما حول المساحة الدولية، فقد يخشى أصحاب الأطماع الإمبراطورية الأخرى من غير الأميركيين من أن يدفعوا أثماناً باهظة من أرواح مواطنيهم إذا ما عملوا على إسقاط الحلم الأميركي، والسبب هو أنهم بنوا حضارات متقدمة أمَّنت لهم ولمواطنيهم العيش الرغيد، فلماذا يغامرون –خاصة في عصر التكنولوجيا النووية- للصدام مع الحلم الأميركي، إذا وجدوا من الشعوب المتضررة أو التي هي عرضة للاحتلال الأميركي قناعة في دفع الدم والروح في مقاومة الحلم الأميركي. وهم قد وجدوا في المقاومة العراقية ما يعفيهم من المغامرة في التصدي للمشروع الأميركي، وهم يدعون –الآن- لها بالنجاح في تقليم أظافر النمر الأميركي وإضعاف مناعته في الانتصار، فيلتقون معها بالضغوط السياسية في لعبة ديبلوماسية تعفيهم من إراقة دم الجنود الأميركيين بشكل مباشر.

فمن بوابة المقاومة العراقية يراهن المجتمع الدولي على إضعاف الحلم الإمبراطوري الأميركي. فالدول الرأسمالية، مهما بلغت أمانتها لإيديولوجيتها الرأسمالية، ومهما بلغت درجة التضامن بين أعضاء النادي الرأسمالي، فهي تحمل تناقضاتها الذاتية. فهي لن ترضى أن تكون خاضعة لقوة تتجانس معها إيديولوجياً، مهما بلغت مقدراتها العسكرية، وتكون خادمة لها.

عند تلك البداية، فإن من سيموت على أيديهم الحلم الإمبراطوري الأميركي، أن يعملوا جاهدين من أجل أن يدفع الجندي الأميركي، كأداة وحيدة للاحتلال، حياته أو إعاقته جسدياً ونفسياً، مما يدفع غيره من الجنود الآخرين إلى الخشية من أن يدفعوا، لامتلاء جيوب الأباطرة الأميركيين، دماً وروحاً، أو إعاقة جسدية أو نفسية. ومن تلك الوسائل، التي يراهن عليها كل الكاشفين لخطورة المشروع الأميركي، كانت المقاومة الوطنية العراقية من أهمها وأكثرها قوة، ومن أهمها ممن يمكن الرهان عليه.

لكن، وإذا كانت البداية الكبرى للمقاومة في العراق قد ثبَّتت أقدامها، فليس من الطبيعي أن تُترك المهمة لها وحدها بل لا بُدَّ من أن تشاركها المهمة كل حركات التحرر القومية والعالمية، ففي تلك المشاركة ما يُسرِّع في خلاص العالم من أقذر مشروع يقوده الأميركيون المتطرفون الجدد. وفي اللحظة التي ينتصر فيها العالم على ذلك المشروع تنتقل التناقضات إلى داخل كل مجتمع قومي بعيداً عن عوامل »إرهاب الأميركيين المتطرفين«، وبها تسلك نضالات حركات التغيير طريقها الطبيعي في داخل مجتمعاتها الوطنية المدنية.

إلاَّ أنه من البديهي القول: بوركت اليد التي جعلت الحلم الأميركي المتطرف يدفع الثمن، لأنها هي التي أثارت الألم من آثار الموت والحاجة عند الجندي الأميركي ومعه كل من يتألم: آباؤهم وأمهاتهم، زوجاتهم وأولادهم، أقاربهم وجيرانهم، وكل من هو موضوع للحلول محل من يُقتلون أو يُجرحون أو يدخلون مستشفيات الأمراض العقلية.

وبوركت اليد التي استنهضت همم الدول المتضررة من شبق الحلم الإمبراطوري الأميركي، لأنها وجدت من يكسِّر قرون الثور الأميركي الهائج، وإن كانت تصفِّق لتلك اليد بالسر، إلاَّ أنها يجب أن تكون مَدينة له مهما طال الزمن أو قصُر.

كما بوركت اليد التي ستصنع للعراق موقعاً مشرِّفاً آخر في تاريخ العراق، وستعيد للأمة العربية مجدها، وتدفعها إلى تجاوز مراحل التخلف في مسيرتها لتحتل كرسيها في تاريخ الإنسانية الحضاري. وستكون تلك اليد هي التي خلَّصت العالم من تحالف الشر لليمينيين الأميركيين الجدد ومعهم أوهام التلموديين الصهاينة.

وأخيراً، بوركت يد البعث التي صنعت تجربة عراقية وعربية وعالمية. فمن معتقلات الاحتلال تظهر بسمات كل العراقيين، مقاومين، وقادة الدولة والحزب، كلما نالت يد مقاوم عراقي جندياً محتلاً، أو دولاباً من عربة يحتمي بها المحتل.

([1]) 05‏/11‏/2003 القدس العربي: نوري المرادي: »أما من يقود هذه المقاومة فهو حتماً شخص ليس كباقي البشر. شخص سنكون مدانين بالجميل له قروناً وقروناً.«.

([2]) جاء بيان قيادة قطر العراق، بتاريخ 4/ 11/ 2003م، أن »البعثيين يعرفون أن مهمتهم هي مقاومة الاحتلال, لا الدخول في مهاترات تعيق الفعل الوطني العظيم«، ولكن الأمر اقتضى الرد على بعض تصريحات من يدَّعون الانتماء للصف الوطني، من الذين »تطوعوا بتقديم شهادات نسب مزورة لهذه المقاومة, إلا انهم رفضوا نسبتها إلى حزب البعث والرفيق القائد صدام حسين« ، بل راحوا يروجون= =»أسماء وهمية, وانتماءات لا توجد إلا في أذهان المروجين لها«، ويوضح أن حزب البعث دعا -ومنذ الأيام الأولى للاحتلال- إلى تشكيل جبهة مقاومة وطنية عريضة. وهو ما زال يعلن استعداده »لتوسيع دائرة قيادة المقاومة وقاعدتها أيضاً, بمشاركة كل القوى الحية والفاعلة «. ]راجع نص البيان في ملاحق الكتاب[.

([3]) لندن ـ القدس العربي : 21/ 11/ 2003م: : »مقابلة سياسية مع المنسق السياسي للمقاومة العراقية«.

([4])28/ 11/ 2003م: شبكة البصرة: بغداد ـ خاص: »آلاف العراقيين سجلوا أسماءهم لدى قيادة البعث للاستشهاد: تعليمات واضحة من صدام حسين للحوار مع القوى المناهضة للاحتلال«: »وأكَّد القيادي= =أن لديهم تعليمات واضحة من الرئيس صدام حسين بالتحاور مع كل القوى المناهضة للاحتلال، سواء كانت إسلامية أو قومية أو يسارية«، وقد شُكٍّلت في عدة مناطق قيادات موحدة للمقاومة.

([5]) بغداد - (الدار: فلسطين : »أحد قادة المقاومة العراقية يوضح هوية المقاومة ومرجعياتها«.

([6]) الدكتور غالب الفريجات / الأردن: »خيانة الإسلاميين في تبرير الاحتلال: التعاون مع الاحتلال تبريراً للعداء لصدام حسين خيانة«: الذين يرفعون لواء الإسلام في العراق من "إخوان مسلمين" و"حزب الدعوة" و"منظمة آل الحكيم" وما يتبعها من "قوات بدر" منافقون، فليس في الإسلام شيء يبرر تعاونهم مع قوى الاحتلال بسبب العداء لصدام حسين.

] تشمل الحزب الشيوعي العراقي. وما هو الذي يفسر سلوك حزب من المفترض -حسب مبادئه الاشتراكية- للتعاون مع الاستعمار الأمريكي قيادة الرأسمالية العالمية والإمبريالية العالمية?

([7]) شبكة البصرة / من د. نوري المرادي: »اللجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية: المقاومة العراقية المسلحة الأسلوب الرئيسي والحاسم لتحرير العراق«.

([8]) الكادر: 26/ 3/ 2004م: أ. د. محمد العبيدي: »حرب الجيل الرابع...المرحلة الثالثة للمقاومة«.
اقبـال غير متصل   الرد مع إقتباس