عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-12-2012, 09:17 PM   #1346
اقبـال
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2009
المشاركات: 3,419
إفتراضي

ج-إذا كانت وحدة الهدف الاستراتيجي: إخراج الاحتلال أولاً، متَّفقاً حول أسسه. فإنه يُخشى من الاختلاف حول مستقبل النظام السياسي بعد التحرير.

فإذا كان من واجبنا القومي أن نسهم في العمل من أجل تمتين حبال الود الجبهوية بين شتى الفصائل التي تقاوم الاحتلال، وعلى الرغم من أن معظمها لا يرى أي مبرر لإبراز أية عوامل قد تزرع الخلاف بين المقاومين، لن يكون ما نعمل على توضيحه إلاَّ الدعوة إلى السبيل الديموقراطي السليم الذي يقضي بالاعتراف لمن يعطي أكثر بحقه في الحصول على قدر عمله، ونضاله وتضحياته. وحول ذلك الأمر أشار البرنامج السياسي ل»المجلس الوطني للمقاومة العراقية« إلى أن »من يتصدى لمهمة مقاومة المحتل، وطرده، وتحرير العراق، هو الأجدر على قيادة العراق وإعادة بنائه وليس في العراق مكان للخونة واللصوص والمرتزقة«([9]).



ثانياً: على صعيد استشراف نتائج الصراع بين المقاومة العراقية والاحتلال الأميركي:

لمن فاتته رؤية ما يجري على أرض العراق بعين فاحصة موضوعية، ندعوه إلى أن ينظر إلى نتائج وانعكاسات وتداعيات ما تتركه المقاومة العراقية على الداخل الأميركي وعلى علاقات الإدارة الأميركية الحالية مع الدول الأخرى والمجتمع الدولي، تلك التي لم تكن لتحصل لولا نضالات المقاومين العراقيين وتضحياتهم، وهي ليست إلاَّ تلك التي قام بالتخطيط لها حزب البعث العربي الاشتراكي. ولا يمكننا إلاَّ أن ننظر بعين الاحترام والتقدير إلى كل الفصائل المقاومة الأخرى، مقاتلةً ومعترضةً ومسانِدة.

لم تكن المقاومة الوطنية العراقية، كما تأكَّد لدينا، ردَّة فعل مرحلية أو مؤقتة، بل كانت بناء لاستراتيجية فكرية وسياسية، تقوم دعائمها على أسس وطنية وقومية عربية وعالمية إنسانية. وإن مقاومة لها تلك الدعائم لا يمكن أن تكون بناء لردة فعل من هنا أو هناك، أو تكون استراتيجية تمت صياغتها بين ليلة أو ضحاها.

إن النظر إلى أساسيات استهداف العراق، وتحديد أهمية موقعه، ينبعان من أن المشروع الأميركي يستند في أولوياته في احتلال العراق، إلى استهداف الفكر الاستراتيجي الذي يهتدي به حزب البعث، والقائم على نظرة مبدأية للسيادة الوطنية أولاً، ويزيدها خطورة أهدافه في الوحدة القومية العربية ثانياً، ومكافحة تحالف الاستعمار والصهيونية ثالثاً.

إن مقاومة مسلَّحة تهتدي بمنارات ثلاث: وطنية وقومية وعالمية لا يمكن إلاَّ أن تكون نتائجها ذات أبعاد وطنية وقومية وعالمية. أما حول الشق العالمي، فهنا ما يمكننا أن نتوقَّف عنده، للخروج باستنتاجات عملية وواقعية وموضوعية.

لا تنحصر أهداف المشروع الأميركي الذي ينفِّذه الأميركيون المتطرفون تحت فلسفة »القرن الأميركي الجديد«، في السيطرة على العراق لوحده، بل هو مدخل رئيسي للسيطرة على الإقليم الشرق أوسطي أولاً، كبوابة جيواستراتيجية لدول شرق آسيا ثانياً، شاملة أجزاء الاتحاد السوفياتي سابقاً. ومن معرفة تلك الأهداف يتحدد موقع أصدقاء أميركا من ذلك المشروع ثالثاً.

إن العلاقات التي تربط أعضاء نادي الدول الرأسمالية، هي علاقات التكافؤ في نهب خيرات الشعوب، والسيطرة المتكافئة على منظمة الأمم المتحدة. أما أن يخرق أحدها هذا العرف فهو ما يعجِّل بتوتر العلاقات بينها. ولقد أخذ المشروع الأميركي للمتطرفين الجدد يزرع بذور التناقض بين أصدقاء الأمس. ولأن المقاومة العراقية تشكل الحائل دون إتمام الحلم الأميركي، احتلَّت أهم موقع بين العوامل التي تستهدف إفشال مشروع الهيمنة الأميركية ، وبهذا أصبحت لاعباً دولياً أساسياً، لن تتخلَّى عنه منظومة الدول المتضررة من المشروع الأميركي. وفي الوقت ذاته، لما كانت قوى حركة التحرر العالمية تعمل من أجل منع »أمركة العالم« تحوَّلت المقاومة العراقية إلى أقوى أذرع تلك الحركة. ومن هذا المنطلق سنضع استنتاجاتنا ورؤيتنا لعالم جديد سوف تسهم المقاومة العراقية في صياغته، وفي توفير أجيال وأجيال من النضال العالمي من أجل بلوغ تلك الغاية، واستناداً إلى ذلك نرى تأثير المقاومة العراقية في انتعاش حركتين، وهما: أولاً، إضفاء مزيد من الحيوية على حركة تحالف الدول المتضررة من مشروع القطب الأميركي الواحد. وثانياً، إضفاء المزيد من الحيوية على شارع حركات التحرر العالمية.

وعليه نرى أن هناك حركة علاقة جدلية تربط بين ضغوط المقاومة العراقية العسكرية المباشرة على قوات الاحتلال الأميركي من جهة، والضغوط السياسية التي تقوم بممارستها دول العالم الممانع للهيمنة الأميركية وحركات التحرر العالمية من جهة أخرى. وبمثل هذا الربط يصبح فكر حزب البعث العربي الاشتراكي أحد أهم ركائز صياغة تاريخ جديد لعالم جديد خالٍ من الأحلام الإمبراطورية القائمة على القوة العسكرية، خاصة وأنه ارتبط بحركة نضالية عسكرية شعبية تقف في مواجهة المشروع الأميركي في العراق لتشع بتأثيراتها على العالم بأسره.

إن استفادة القوى الرأسمالية العالمية من جهد المقاومة العراقية، لا تعني على الإطلاق أن نقاط التلاقي بينهما تصل إلى حدود الأهداف الاستراتيجية، لأن ذلك يتعارض مع الأهداف الاستراتيجية للمقاومة التي لا تقل عن هدف التحرر من الهيمنة الرأسمالية الاستعمارية على العالم مهما كانت هوياتها. كما أن استفادة تلك الدول من جهد المقاومة لا يرتفع فوق سقف الأهداف المرحلية الرأسمالية في منع الاستفراد الأميركي بالقرار العالمي.

أما أهداف المقاومة فتلتقي، حتماً، مع أهداف حركة التحرر العالمية، بسقفها الأعلى المناهض والرافض والمقاوم لكل أشكال الاستغلال الرأسمالي لثروات الشعوب.

فإذا كانت الأهداف المرحلية تجمع حول مقاومة أهداف مشروع الأميركيين الجدد، فلا ضير من أن تستفيد المقاومة العراقية من شتى الجهود الرامية إلى إلحاق الهزيمة بالمشروع الأميركي الأم.



تداعيات دور المقاومة العراقية على الصراع الداخلي الأميركي:

لقد أعادت المقاومة العراقية الحيوية إلى الجدل الدائر في داخل أميركا على صعيدين: الصراع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والصراع بين إيديولوجيتين، أميركا الإمبراطورية أو أميركا الأمة.

يقوم الصراع بين الحزبين على أغراض انتخابية، وتستند آليات تحليلنا التقليدية إلى عدم التمييز بين انتقال السلطة إلى أحدهما بفروق نوعية، فمن ينجح منهما في الانتخابات الرئاسية –كما هو متعارف عليه- سيتابع تطبيق استراتيجية المؤسسة الأم. إلاَّ أننا نرى أن هناك من الفروق –التي من غير الجائز أن نهملها- والتي يمكننا النظر إليها بعناية دقيقة، ومنها أن هناك رؤية أميركية ثالثة تتكون، ولا تزال في طور الولادة، ولا يقتصر تشكيلها على أعضاء حزب دون آخر، بل تجمع أنصاراً من داخلهما معاً،بالإضافة إلى حركة الفكر الأميركي المناهض للأهداف الإمبراطورية الأميركية في تسجيل انتصارات لمصلحة المذهب الرأسمالي.

إن ملخص أيديولوجية، ما نسميه بالاتجاه الثالث في أميركا، يرى أن إدارة جورج بوش تمثل تيار المغامرة والغرور في غزو العالم من دون تغطية أخلاقية أو شرعية دولية. كما أنها تغلِّف نفسها بغطاء ديني إيديولوجي مسيحي متطرف. ويرى الاتجاه الثالث أنه لما تشاركت، في مشروع »القرن الأميركي الجديد«، عوامل الأممية الاقتصادية المتطرفة مع عوامل الأممية الدينية المتطرفة اندفع إلى بناء إمبراطورية أميركية جديدة، ذات رسالة إلهية، تقف في الاتجاه المعاكس لمصلحة الأمة الأميركية. وهي بهذا تؤجج عوامل العداء المسبق والسافر من الرأسماليين في العالم من جهة، وعوامل العداء من كل ثقافات العالم العلمانية والدينية معاً من جهة أخرى.

إن الفروقات بين الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، تبرز ليس حول بقاء الولايات المتحدة القوة الأعظم في العالم، وإنما هو أسلوب واتجاهات إيديولوجيتها. فإذا كان أصحاب القرن الأميركي الجديد يريدون ابتلاع دور أصدقاء أميركا، ويتجاوزون كل شرعيات الصداقة والشرعية الدولية والأخلاقية بغزو العالم عسكرياً وحكمه بشكل مباشر. يستند أصحاب التيار التقليدي إلى وجوب التقيد بمصالح الأصدقاء وبغزو العالم من دون تصدير نفسها بالحروب وارتكاب مجازر أخلاقية تنفِّر الجميع وتدفعها للانقلاب عليها.

لا بُدَّ من الإشارة، هنا، إلى أن مطالبة الأميركيين –من أصحاب الاتجاه الثالث- بنهاية الحلم الأميركي ليس إنهاءً للجمهورية الأميركية –كما يشير إلى ذلك يوهان غالتونج- وإنما إنهاء الجنوح الإمبراطوري الأميركي هو المقصود، فالإيديولوجيا الإمبراطورية »الآن في طور الشيخوخة وتنوء بمهام الحفاظ على الهيمنة مما تعجز عن المزيد من التوسع«، أي عندما يصبح »التخلص من عبء إقامة وإدامة الإمبراطورية… أكثر من المكاسب المتحصلة«.

أما الذي يعمل على إسقاط الجنوح الإمبراطوري، يجيب غالتونج نفسه، فهم: »المستغَلُّون (بفتح الغين) والمحرومون والمقهورون والمطرودون ، والمتضامنون معهم، وأولئك الذين يقفون بوجه الإمبراطورية الأمريكية من أجل أن يقيموا إمبراطوريتهم«([10]).

لقد أثارت الأطماع الإمبراطورية الأميركية، مخاوف أصدقاء أميركا قبل أعدائها، ومخاوف شرائح واسعة من الأميركيين قبل غيرهم. فلم يعد المتطرفون الأميركيون الجدد يخفون أن تكون وسائلهم ميكيافيلية، لأن الوسيلة عندهم، وهي القتل، سوف تغفرها لهم انتصاراتهم العسكرية السريعة، وفرض سيطرتهم على اقتصاد العالم وثقافته. وتناسى هؤلاء أن وسيلتهم الوحيدة للسيطرة على العالم تستند بشكل وحيد إلى الجندي الأميركي، ولأن الجندي الأميركي –بعد أن خاض أمرَّ تجربتين في فييتنام، والآن في العراق- كان يشعر بأن السيطرة على العالم لا تعني له أكثر من أن يملأ معدته ويشتري الكماليات التي يحلم بها مما تجود به عائدات الغزو الأميركي للعالم، ولكن عندما يصبح ملء معدته ثمناً لحياته، أو كما يعبِّر عنه الأميركيون أن يصبح مهر النفط دماً أميركياً يأخذ مسار التضحية في الحرب اتجاهات أخرى، فالنفط ليس أغلى من الدم.

لم تردع نتائج حرب فييتنام، الطبقة الرأسمالية الأكثر تطرفاً في أميركا، عن إنتاج مغامرات عسكرية أخرى، وإنما ازدادت تطرفاً بعد نتائج تلك الحرب الفاشلة خوفاً من أن تستضعفها أفكار اليساريين في أميركا وخارجها، ولذلك لجأت إلى صياغة إيديولوجيا »حرب الأفكار« بما فيها تبشيرها بانتصار الفكر الرٍأسمالي وإعلانها عن مرحلة »نهاية التاريخ« استناداً إلى ذلك الانتصار لكي توحي بأنه لا فكر أو إيديولوجيا أخرى يمكن أن تحكم العالم، أقفلت بوابات التغيير وجمَّدتها عند حدود أفكارها.

ومن أجل إعلان انتصار الأميركيين المتطرفين الجدد في حرب الأفكار، كانوا قد خططوا لاحتلال العراق، واحتوائه، من أجل إعلان »نهاية التاريخ«. وكان من الممكن للجندي الأميركي، الذي بدونه تصبح الآلة العسكرية الأميركية عمياء بكماء من دون فعالية، أن يستمر في أداء دوره الوظيفي في حماية تلك الإيديولوجيا راضياً بما تدره الغزوات الأميركية العسكرية من غنائم يستفيد من خيراتها، لولا أن بدأت المقاومة العراقية في وضع تلك العوائق في طريقه، وأخذت تدمي أصابع ذلك الجندي وتحرقها، وتحوِّل دمه وحياته إلى مهر عليه أن يدفعه من أجل إبقاء مشاريع الطبقة الرأسمالية الأميركية على قيد الحياة، تلك الطبقة التي تجاوزت عتبات الرأسمالية وانتقلت إلى مرحلة ما بعد الرأسمالية في تكديس الثروات الخيالية.

إننا نرى في الأفق الأميركي ملامح صراع طبقي، ليس على قاعدة تناقض العمال وأرباب العمل، وإنما على قاعدة تناقض مصالح أسياد الاقتصاد القائمة على الحرب في أميركا والجندي الأميركي أداة فتح الأسواق الجديدة والتوسع فيها على صعيد العالم كله.


اقبـال غير متصل   الرد مع إقتباس