عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-12-2012, 08:53 PM   #1344
اقبـال
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2009
المشاركات: 3,419
إفتراضي

المقاومة الوطنية العراقية

نهاية الإمبراطورية الامريكية (الكتاب الثاني)

شبكة البصرة

www.albasrah.net

حسن خليل غريب

الإهداء

إلى المقاومين العراقيين روَّاد المقاومة العربية وحركة التحرر العالمية في خنادق المقاومة ومعتقلات الاحتلال الأميركي إلى العراقيين، كهولاً وماجدات وأطفالاً إلى كل شهداء العراق الذين سقطوا في مواجهة الاحتلال الأميركي إلى كل العراقيين القابضين على لهيب المقاومة والحاملين الألم والأمل أهدي هذا الكتاب



بين النتائج الراهنة واحتمالات المستقبل



حيث إن المقاومة العراقية، كما أصبح مؤكَّداً، قلبت كل الموازين الدولية رأساً على عقب، عندما أفشلت المشروع الأميركي الصهيوني في العراق، كان لا بُدَّ من تسجيل بعض النتائج الشديدة الأهمية حول العمل الشعبي المسلَّح كأهم الوسائل التي على الشعوب المُستَضعَفة استخدامها في إعادة صياغة الخلل في موازين القوى العسكرية بين الاحتلال الأجنبي وحركات التحرر الوطني:

1-أصبح من الثابت أن الكفاح الشعبي المسلَّح هو الأداة الرئيسة في طرد الاحتلال الأجنبي. وهو يشكل عامل التوازن الرئيسي بين الضعيف بالتكنولوجيا العسكرية ومالكها.

2-كما أصبح من الثابت أن حالة التراكم في الخسائر بين قوات الاحتلال هي التي ترهقه، وتمنعه من الإمساك بالأرض والشعب، بما يؤدي إلى إفشال أهدافه السياسية.

3-في الدراسة التاريخية لتجارب المقاومة كانت حالة التراكم تمتد لسنوات عديدة قبل أن يشعر الاحتلال بأنه وقع في مأزق. أما من خلال دراستنا لتجربة المقاومة العراقية، فقد توصلنا إلى استنتاج أن حالة التراكم تقوم على قاعدة النسبية، وهي أن نتائج العمل المقاوم لا تقاس بعدد السنين بل بسرعة التراكم النضالي الذي تسجله المقاومة في حركتها ضد قوات الاحتلال.

إن تجربة المقاومة العراقية قد حقَّقت حالة نضالية تراكمية سريعة لم تعرفها كل التجارب الثورية في العالم، ومن أهم نتائجها أنها ستكون محوراً أساسياً لدراسات أكاديمية ستعمل على تغيير الكثير من معالم الاستراتيجيات العسكرية التقليدية السائدة في العالم، سواء منها المتعلقة باستخدام الحروب النظامية كوسائل للسياسة الاستعمارية، أو للأنظمة السياسية التي تخشى نتائج الحروب العسكرية النظامية وتبتعد عن خوضها بحجة أنها لا تستطيع تأمين مستلزماتها.

استندت حجج النظام العربي الرسمي في امتناعه عن خوض حرب تحرير فلسطين إلى عجزها عن إحداث توازن مع الآلة العسكرية الصهيونية. ونصحت النظام السياسي لحزب البعث في العراق بأن لا يقف في مواجهة الآلة العسكرية الأميركية لأنها »كاسحة ماسحة«. بل واستغربت إصرار القيادة العراقية على اختيار المواجهة بدل الاستجابة للإملاءات الأميركية، إلى الحدود التي أخذت فيها بعض الأنظمة والأوساط الإعلامية التابعة لها تسخر من »رومانسية« حزب البعث وأمينه العام، وبشَّرت بأن البعث وأمينه العام يقودان الأمة العربية إلى هزيمة أخرى، تحت شعارات خطابية فارغة من المضمون.

لقد تبيَّن أن الاستراتيجية التي وضعتها قيادة حزب البعث في العراق، ليست إلاَّ الاستفادة من عوامل القوة للشعوب المستضعفَة. لذا راحت تضع استراتيجيتها، مستفيدة من إمكانيات السلطة، موضع الاعداد والتحضير. وهذا ما أكَّدته تقارير تسرَّبت عبر وسائل الإعلام الغربية.

كثيرة هي الأوساط السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية العربية هي التي نعت –في التاسع من نيسان من العام 2003م- نظاماً عربياً رسمياً آخر وضمته إلى لائحة الأنظمة التي سجَّلت اسمها في تاريخ »الهزائم العربية«. ولكنها استفاقت على ما وصفته بالظاهرة القتالية »اللا متوقَّعَة«، ومن خلالها راحت تنسج افتراءات وتهم –منسجمة بالترويج لها مع الإعلام الأميركي- لكي تجرِّد التجربة الجديدة من أهميتها وفضلها على إعادة صياغة أسس للمواجهة مع الدول الاستعمارية الكبرى.

وكان من أكثر المفاجآت حدة عند تلك الأوساط –كما عند الدول الكبرى وحركات التحرر العالمية وحركات التحرر العربية والأنظمة الرسمية العربية- هي حالة التأثير السريع التي أجبرت الاحتلال، بعد أشهر قليلة، على الاعتراف بأن ما يواجهه كان خارج كل حساباته. أما تلك الحالة فلم تولد بسحر ساحر، بل سبقها الإعداد والتحضير السابقين للاحتلال بسنوات، وهذا الإعداد المسبق هو الذي سرَّع في خلق حركة تراكمية نضالية نوعية أعطت ثمارها بقفزة غير مسبوقة في التجارب الثورية العالمية.

تعيش حكومات النظام العربي الرسمي، في هذه المرحلة، حالة من القلق والإرباك من تداعيات خطيرة ستتركها حالة التراكم النضالي السريعة التي حققتها المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي، وأهمية النتائج التي ستتركها على الأحلام الرأسمالية والاستعمارية في المستقبل القريب، وعلى استراتيجيات تلك الدول في المستقبل الأبعد.

من خلال هذه التوقعات، التي تجاوزت الاحتمالات، مستندين إلى الدروس التي أعطتها تجربة نظام حزب البعث في العراق، نستخلص النتائج التالية:

1-إن الأمة العربية، في مواجهة المشروع الاستعماري الأميركي الجديد، كما في مواجهة المشروع الاستيطاني الصهيوني، ليست بحاجة إلى إحداث تغيير في موازين القوى التقليدية.

2-إن المشروع الاستعماري الأميركي، بالتكامل مع المشروع الصهيوني، لن يحقق أهدافه إلاَّ بالسيطرة على ثروات الأمة وأسواقها. ولن تتم السيطرة بدون قوة عسكرية تتموضع على الأرض العربية. ولا معنى للوجود العسكري المباشر من دون تأمين الحماية الكافية له. ولن يستطيع الاحتلال حماية قواته بالأقمار الصناعية ولا بالطائرات وحاملاتها، ولا بالصواريخ البالستية، ولا بالقنابل الذكية.

3-إن الأمة العربية، نظاماً نظاماً، ليست بحاجة إلى تكنولوجيا متقدمة تواجه بها التكنولوجيا المتقدمة، بل هي بحاجة إلى مقاومين أشباح يمتلكون أولاً إرادة التضحية في سبيل السيادة الوطنية، وثانياً أن يكونوا مزوَّدين بأبسط إمكانيات التسليح الخفيف، وهذا متوفر بسهولة أكثر مما نحسب وأقل كلفة مما نظن.

4-لن تكون ذرائع أي نظام رسمي عربي أنه لا يمتلك الإمكانيات المادية لبناء جيوش وجحافل، لأن ثمن سلاح المقاومين الأشباح يمكن تأمينه من المصروف اليومي لأية عائلة عربية.

5-لن يحتاج أي نظام عربي رسمي للإعداد لحرب شعبية إلاَّ لمجموعات من المدرَّبين المتمرسين في حرب التحرير الشعبية.

إن استراتيجية جديدة، على قاعدة إيديولوجية جديدة، هو المطلوب التبشير به والضغط من أجل تنفيذه. وهذا ما فعلته قيادة حزب البعث والثورة في العراق.

6-من أجل توفير مناخ ملائم للحصول على تراكم نضالي سريع، كما حصل في التجربة العراقية، لا بُدَّ أمام النظام العربي الرسمي من أن يباشر باختصار المسافات الزمنية قبل أن يداهم الخطر الاستعماري مضاجع الجميع، من أن يبدأ بالتحضير قبل الاحتلال ما سوف يرى نفسه مجبراً على تحضيره بعده.

7-ولأنه من الوهم أن نراهن على أن النظام العربي الرسمي سينتقل من ضفة إلى ضفة بسرعة مناسبة، يبقى الرهان على الوسط الجماهيري في الضغط على حكومات ذلك النظام هو البديل المحتمل. أما البديل المؤكد فهو أن تأخذ حركات التحرر العربية وتياراتها دورها اليوم قبل غد لتغيير خطابها التحرري التقليدي، والانتقال إلى خطاب جديد ومسؤولية جديدة.

ومن جملة النتائج التي توصلنا إليها من بحثنا عن المقاومة العراقية، ولتسجيل عدد منها بما يفيدنا كعرب لا زلنا في حالة صراع مع الاستعمار، نضع أمام قادة الفكر والسياسة والثقافة النتائج والإشكاليات التالية:



أولاً: على صعيد الإشكاليات الداخلية المحيطة بالمقاومة العراقية:

يمكن الإشارة إلى عدة مسائل تسهم بعض الأوساط السياسية والفكرية في تشويه مضامينها، أو تنظر إليها بعين قاصرة، ومنها:

أ-لأن نظام حزب البعث السياسي في العراق -كما يحاول أولئك أن يصوروه- كان معزولاً عن المجتمع العراقي، تخلى الشعب عن القتال ضد القوات الغازية في بداية الحرب، لأنه –كما يحسبون- لا يريد أن يدافع عن نظام لم تكن علاقته مع النظام إلاَّ في حدود التناقض والتوتر.

فهم، بداية، اختزلوا الدفاع عن الكرامة والسيادة الوطنية بمواقف جداً ضيقة، أي في حدود الموقف من هذا النظام أو ذاك. بينما الدفاع عن السيادة الوطنية لها شروطها المنفصلة عن العلاقات الداخلية الخاصة بين تيارات المجتمع الوطني. حول هذا الجانب، نؤكد على أن النظر للسيادة من خلال هذا المنظار تنحدر إلى حدود التشويه والتضليل المبدأي وهو افتئات على كل القيم الإنسانية؛ ففيه تتحول السلطة السياسية إلى بديل عن الوطن، كما يمكن أن تتحول إلى سلعة اقتصادية خاضعة للصراع بين الطبقات، يمكن للطبقات الفقيرة –على أساسها- أن تتخلى عن الدفاع عنه إذا كانت الطبقة الرأسمالية هي الحاكمة. وكما يمكن للشرائح المذهبية الدينية أن تستقيل من رسالة الدفاع عنه إذا كان الحاكم من دين آخر أو مذهب آخر.

إن مفهوم السيادة الوطنية ترتقي إلى مفهوم إنساني يعلو كل الفئويات السياسية والطبقية والدينية. ولا مبرر لأي مواطن، كما لا يجوز أن نشرِّع له مبررات التخلي عن رسالة الدفاع عن وطنه عندما يتعرَّض إلى غزو خارجي. أما التناقضات الأخرى فهي خاضعة لقوانين الصراع الداخلي في المجتمع المدني الوطني الواحد.

لقد فرضت الرؤية القاصرة، للتيارات السياسية المتناقضة، والتيارات المذهبية السياسية، مفاهيم مُستغرَبة بفصلها مفهوم الدفاع عن السيادة الوطنية عن الرغبات الفئوية الضيقة.

لقد استند أولئك، في ما له علاقة بين المجتمع العراقي ونظامه الحاكم، إلى مقدمات مغلوطة، من خلال النظر إليها على أنها كانت علاقة القاهر بالمقهور، كان فيه المقهور ينتظر الفرصة للتخلص من قاهره. وتظهر غرابة تلك المقدمات عندما نعرف أن النظام السياسي كان يعمل –قبل العدوان على العرق- على تدريب الملايين من العراقيين وتسليحهم وتأهيلهم للمقاومة. فلو كانت بين النظام والمجتمع العراقي تلك الفجوة التي يتوهم الآخرون وجودها، فماذا يعني أن يسلِّم نظام قاهر ملايين قطع السلاح إلى جماهير الشعب المقهورة؟
اقبـال غير متصل   الرد مع إقتباس