عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-01-2011, 08:49 AM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي الإعلام ـ السلطة ـ المال: مثلث النفوذ وخطاب الصورة

الإعلام ـ السلطة ـ المال: مثلث النفوذ وخطاب الصورة

للباحث منذر سليمان*1


أولاً: في حدود العلاقة الحاكمة

1ـ رغم الحيز المتنامي الذي تحتله صحافة العالم الثالث أو عالم الجنوب في الفضاء الإعلامي، ما تزال صحافة العالم الصناعي أو عالم الشمال تحتل الموقع الوازن في صياغة الخبر وانتشاره على الساحة الدولية. وقد شهد العقد الأخير اختراقاً واضحاً للإعلام العربي في إنتاج الخبر والصورة للأحداث الجارية على المسرح العربي ـ الإسلامي، بعد أن كان الإعلام العربي مجرد المتلقي والمروج لما ينتجه الإعلام الغربي، عاكساً اعتماد المفردات والمصطلحات التي تصوغ الخطاب الغربي عن أحداث المسرح نفسه.

وتقدم التغطية الإعلامية في زمن الحرب عادة حقل الاختبار لامتحان كفاءة وفاعلية الإعلام دوراً ونفوذاً، إزاء ما تمثله الحروب من تكثيف وتركيز وصوغ للحظات تاريخية فاصلة. لذا منحت التغطية التي رافقت غزو افغانستان واحتلاله، وبعدها غزو العراق واحتلاله، وكذلك الحربين العدوانيتين اللتين شنهما الكيان الصهيوني على لبنان في تموز/يوليو 2006 وغزة (2008ـ2009)، الإعلام العربي، موقعاً يكاد يكون متفرداً كمصدر للخبر والصورة في الفضاء الإعلامي الدولي.

2ـ وتنحصر المؤشرات الإيجابية للموقع الجديد للإعلام العربي في الوسائل الإعلامية غير الرسمية بالمعنى التقليدي. فالإعلام الرسمي العربي ما زال يقبع في سجن الرتابة والتعليب والتردد والخوف من إغضاب السلطات لعدم الانسجام مع التعليمات الرسمية المعروفة والمضمرة، إضافة الى ترويج رواية السلطات ومواقفها.

لكن لو دققنا في منظومة الإعلام الخاص الذي انتشر كالفطر عبر الفضائيات المتعددة أخيراً، لوجدنا أنها ليست بعيدة عن التأثير الرسمي أيضاً من حيث التمويل أو الإدارة، والأصح أن يطلق عليها الإعلام شبه الرسمي عموماً.

هذا لا يعني أبداً أن الإعلام الغربي الخاص بمنأى عن الجلوس في أحضان السلطات أيضاً، ولكن في الغرب تتم العملية عبر واجهة الشركات والمستثمرين الذين يرتبطون بعلاقات عضوية غير مكشوفة غالباً مع القوى الحاكمة.

وصحيح أنه لا يجوز نسخ وتعميم شكل العلاقة بين الإعلام والمال والسلطة، وإسقاطها على كل البلدان بصورة حرفية، لكن يبقى مفتاح تقويم حرية الإعلام ودوره مرتبطاً بتفكيك ودراسة العلاقة القائمة داخل أضلع مثلث السلطة ـ المال ـ الإعلام.

وبصورة عامة فإن حرية الصحافة مضمونة فقط لمن يملك الوسيلة الإعلامية ويتحكم فيها. فالسلطة في وطننا العربي تحتكر السياسة أو العمل السياسي عمليا. وما تواجد الأحزاب والمنظمات والاتحادات التي تتعاطى الشأن السياسي ـ إن وجدت ـ إلا تعبير عن حراك، نادراً ما تسمح به السلطة، ويبقى مهمشاً في أغلب الأحيان أو ديكوراً تضطر الى قبوله لإضفاء مسحة شكلية من الممارسة الديمقراطية لامتصاص الانتقاد الداخلي أو الضغوط الخارجية.

وعندما يقدم صاحب المال على امتلاك أو تمويل مؤسسة إعلامية، وخصوصاً فضائية كما يحدث أخيراً، نجده في الغالب محكوماً بإرضاء السلطة، حتى وإن راكم ثروته بعيدا عن شراكة السلطة أو تواطئها؛ فهي التي تسمح له بالتحرك في الفضاء السياسي والاقتصادي والإعلامي، لأن رخصته مرتبطة بقرارها ورغبتها، طالما أنه لا يعمل على إزعاجها.

3ـ وكما تمت الإشارة سابقاً، لا تجوز عملية الاسقاط الحرفي لتجربة وطبيعة العلاقة بين المال والسلطة والاعلام في العالم الغربي (عالم الشمال) على عالم الجنوب، نظراً الى اختلاف البنية السياسية والتاريخية للحكم والنموذج الاقتصادي المعتمد.

ويسود انطباع خاطئ غالباً على أن الصحافة الغربية حرة من سطو المال أو تدخل السلطة، لأنها تتحرك في هامش أوسع وتخضع لمنطق المنافسة الاقتصادية وِفقاً لمتطلبات اقتصاد السوق ومنطق (دعه يعمل، دعه يمر).

ولكننا نعيش في عالم تسيطر عليه معادلة المال يساوي القوة والنفوذ، ويتم فيه توظيف الإعلام لتعزيز السيطرة والنفوذ أو زيادة الثروة. وتبدو العلاقة تبادلية بين المال والنفوذ، فالمال ينتج السيطرة والنفوذ، كما أن من يتمتع بالسلطة ويحوز عليها يسهل عليه توظيفها لإعادة إنتاج أو تكديس المال في علاقة تذكرنا بمشهد الباب الدوار.

4ـ ولو أخذنا الإعلام الأمريكي مثلاً في المقارنة، فصحيح أن الإعلام الأمريكي ليس حكومياً ولا يوجد وزارة للإعلام في الولايات المتحدة، كما هو الحال في معظم الدول العربية، لكن يتم الاستعاضة عن ذلك بمكاتب العلاقات العامة الصحافية التي تقدم إيجازاً يوميا أو دورياً من مختلف المراكز الحكومية والوزارات، ما يفرض حيزاً واسعاً للموقف والخطاب الرسمي في التغطية اليومية لكافة وسائل الإعلام.

نجد أحد المؤشرات على العلاقة غير التصادمية بين السلطة والإعلام في الولايات المتحدة، في صورة تعكسها الحفلة السنوية التي تقيمها جمعية المراسلين المعتمدين في البيت الأبيض. وعلى سبيل المثال، حضر الرئيس باراك أوباما الحفلة التي أقيمت في 9/5/2009، وألقى كلمة فيها. كما حضر عدد من كبار مساعديه ومسؤولون حكوميون ووزراء عرب، إضافة الى عدد كبير من نجوم هوليود. بالطبع لا تعتبر دعوة رسميين عموماً الى حضور نشاط سنوي للإعلاميين عيباً بحد ذاتها، لكنها تعكس حرص الإعلاميين ومؤسساتهم أو الشركات التي تملك تلك المؤسسات، على نسج العلاقات " الدافئة " مع أهل السلطة وأصحاب الشهرة (من نجوم هوليود).

واقع الأمر أنه منذ دخول التلفزيون الى حلبة السياسة الأمريكية لأول مرة عند بث المناظرة التلفزيونية بين المرشحين ريتشارد نيكسون وجون كندي في انتخابات عام 1960، دخل الإعلام الأمريكي مرحلة جديدة ونوعية من حيث علاقته المباشرة ودوره في السياسة، كما تحول العديد من المذيعين والمذيعات الى شخصيات عامة ونجوم تضاهي شهرتهم السياسيين والفنانين.

أما المؤشر الأكثر أهمية ودلالة على طبيعة الإعلام الأمريكي، فيتعلق بتمركز ملكيته في السنوات الأخيرة؛ ففي منتصف الثمانينات من القرن الماضي كان هناك حوالي 50 شركة تملك وتسيطر على مختلف وسائل الإعلام الأمريكية، بينما تسيطر الآن 5 شركات فقط على ما يقدر ب 37 ألف مؤسسة أو منبر إعلامي (صحف يومية، مجلات، راديو، محطات تلفزيونية، دور نشر، شركات الأفلام..الخ).

وشهد العقدان الأخيران عمليات اندماج واستحواذ من قِبل شركات كُبرى على مؤسسات إعلامية، أبرزها عام 1996 عندما استولت ديزني على محطة abc بصفقة بلغت 19 مليار دولار. وفي عام 2001 استولت aol على شركة (تايم وارنر) بصفقة بلغت قيمتها 182 مليار دولار.

هذه الأمثلة تعطينا فكرة عن حالة الاحتكار والتمركز التي جعلت من الوسائل الإعلامية تابعة لشركات أو لديها مصالح تجارية واقتصادية متنوعة، وبالتالي حريصة على ضمان توجيه ما يصدر عنها بما لا ينعكس سلباً على هذه المصالح وعائدات الإعلانات. وتبدو التبرعات المالية السخية من هذه الشركات في الحملات الانتخابية التشريعية أو الرئاسية في الولايات المتحدة، أبلغ الأدلة على العلاقة العضوية والتبادلية في المنافع بين مثلث المال، السياسة، والإعلام. فعلى سبيل المثال، تبين في حملة الرئيس بوش الابن سنة 2004، أن الشركات المالكة لأبرز المحطات التلفزيونية الأمريكية تبرعت لحملته على النحو التالي: nbc احتلت المركز 13 من قائمة كبار المتبرعين، cnn احتلت المركز الثامن، أما fox فاحتلت المركز12، و abc احتلت المركز 23.

والسؤال البديهي هنا، لماذا تقدم هذه الشركات على المساهمة بالتبرعات السخية؟ والجواب المباشر في الواقع لمرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي معاً هو: لتضمن حصولها لاحقاً على الفوائد والنفوذ داخل المؤسسة الحاكمة.

يتبع





هوامش:
الدكتور منذر سليمان/ باحث ومحلل في شؤون الأمن القومي/ واشنطن/ البحث نشرته مجلة المستقبل العربي الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في عددها 383 لشهر كانون الثاني ـ يناير 2011
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس