عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-01-2010, 08:55 AM   #48
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


الفصل التاسع والثلاثون: الذات الممزقة بين الأنا والآخر ..

تقديم: عروس الزبير .. أستاذ في جامعة الجزائر

نوظف مفهومي (الذات البديل) و (الذات النقيض) كمفهومين مركزيين بدل مفهومي (الأنا والآخر)، لأن الذوات المتناولة في هذه المساهمة هي ذوات محلية كانت تشكل تاريخياً وثقافياً الذات الجزائرية.

هكذا بدأ الباحث مساهمته التي تعتبر من أدق المساهمات، لأنه أراد بها أن تنبش الآثار المتراكمة التي حصلت من دخول العرب وأسلمتهم للجزائر، وقبول السكان الأصليين للإسلام مع شعورهم بحرقة نتيجة تعالي الوافدين عليهم.

ثم جاءت آثار الاحتلال الفرنسي، لتدفع بالمسكوت عنه للظهور نتيجة اتجاه الناس الى الانقسام من جديد: قسم يعتبر (التفرنس) هو تصريح عبور للرقي مقابل قسم يرى أن التمسك باللغة العربية والتعريب هو الانتهاء من مرحلة الاحتلال. والاتجاه الأخير يظهر رغبته تلك باستعلاء جديد وكأنه مصادرة لنضال الشعب الجزائري بمكوناته كلها و(تجيير) هذا النصر ونسبه للفئة المطالبة بالتعريب، مما أضاف غصة ممزوجة برفض دفين للناس الذين أرجعوا أسباب النصر للدماء الجزائرية التي سالت وليس للغة العربية.

هذه الحالة أوجدت انقساما داخل المجتمع الجزائري، تهادن وتصالح ظاهرياً، وكان مهيأً للانفجار في أي لحظة تسمح له.

نماذج من المجتمع الجزائري:

1ـ جزائريون فرنكفونيون ومعتزون بذلك

هذا عنوان لمقال نُشر في أسبوعية جزائرية ناطقة باللغة الفرنسية، كرد فعل على ما ورد في الصحافة المعربة بشأن المنظومة التربوية، والتي حملت النظام مسئولية انتشار الفكر الإسلامي (المتطرف) بين الشباب.

رأت الصحافة المعربة في هذا الحكم، حملة تستهدف ضرب التعريب واللغة العربية. هذا الموقف المدافع اتخذه كاتب المقال السابق نقطة انطلاق لإخراج كوامن النفس، وبالتالي تحديد الصفات التي يتميز بها المعرَب وحليفه الإسلامي في مخيلة (المُفرنَس). فكل معرب هو (بعثي) وكل بعثي هو (إسلامي) أصولي ظلامي مُرتبط بأحد من ثلاثة: السودان ـ إيران ـ أو بغداد. أي أن المعرب في قاموس المفرنس هو ذلك الإنسان المتسلط الظلامي الذي يريد فرض نظام سياسي وواقع ثقافي لا يتماشى مع وضع الجزائر تاريخاً وحضارةً.

إن التجربة السياسية التي عرفتها الجزائر بين عامي 1988 و 1992، والتي حاول المفرنس أن يجعل من ذاته مركزاً تتمحور حوله قضايا (الحداثة والديمقراطية) وذلك بعد أن أحس هذا المفرنس بغربته، وبدلا من أن ينجح بذلك زاد شعوره بالتقزم (عدديا) ودفعه ذلك ليعبر بإحباط النفس بمواقف شديدة الذاتية، فيقول صاحب المقال: (إن البعثيين يميزهم هذا الطابع الغريب المتمثل في البروز على هامش المعارك، ولا يعيشون إلا على البقايا، واللغة الفرنسية هي ما تبقى يجب القضاء عليها بالنسبة لهم). ثم يضيف (يجب ألا نتأثر بشعارات البعثيين، ونحن الفرنكوفونيون لا ولن نعتبر أنفسنا بقايا، وعليكم أيها البعثيون أن تدركوا ذلك).

وبهذا تكون صورة المعرب في مخيلة المفرنس على النحو التالي: جاهل ـ خشن ـ دموي ـ عنيف ـ متأخر ـ متزمت ـ عميل ـ تقليدي ـ انتهازي.

2ـ المعرب يرد

أحس المعرب بعد عام 1991، أن مؤسسة الدولة التي كان يحتمي بها وتؤيده جماهير عريضة ظاهريا، قد أخذت في التشكل بعيداً عن إرادته. فوصف الجماهير بالأمية بعد أن كان يصفها بالمحرومة، ووصفها بالظلامية بدل الثورية، والمخدوعة بدل الواعية. ويصف المفرنسين بالقول: (البعض يفتخر بكونه فرنكفوني، هذا الافتخار الاستفزازي يجعله في الواقع وبشكل واضح في موقع الفرنكومان، أي ذلك المغرم الى حد الهلوسة المرضية بثقافة ولغة ليست له) ويصفها (هذه الأقلية ما هي إلا بقايا مرحلة تاريخية) و (هي خائفة ومرعوبة ومعقدة الى أبعد الحدود ووضعها النفسي يجعلها تستعد لكل الحماقات)

وبهذا تكون صورة المفرنس في مخيلة المعرب على النحو التالي: استفزازي ـ مهلوس ـ مختل ـ مريض نفسيا ـ دخيل على الحداثة ـ غير وطني ـ معقد ـ رديء التكوين.

3ـ الذات الأصيلة

ضمن عملية الصراع المغلوط والأحكام المجانية بين الذاتين السابقتين تظهر ذات ثالثة (بديل)، تدعي الأصالة، والتمثيل المطلق للمجتمع، وهي الذات التي تأخذ من الأصالة وصفاً والإسلام عنواناً: إنها الذات الفاعلة على مستوى الضمير الجمعي والقائدة له، هذه القيادة قد نجد لها تفسيراً في طبيعة التناقضات التي عرفها المجتمع الجزائري والسلطة القائدة له منذ عام 1962.

إن صورة النقيض في هذا الخطاب (الإسلامي) لا يمكن استحضارها إلا من خلال استرجاع الظروف التي شكلت مخيلة الإسلامي نتيجة الممارسة السياسية ل (الآخر) والتي عملت على قهره وعزله، ويعبر عن حقيقة تفكير هؤلاء مجموعة من الكتاب نختار منهم:

أ ـ صورة الذات النقيض عند عبد اللطيف سلطاني

ينطلق الشيخ في تحديد صفات الذات النقيض على أساس موقف هذه الأخيرة من قضايا المجتمع الكبرى مثل: الإسلام والسياسة، وتطبيق الشريعة، والاشتراكية، والتأميم، وبخاصة قضية المرأة والاختلاط.

ففي كتابه (المزدكية أصل الاشتراكية)، يرد عبد اللطيف سلطاني على كاتب مقال اسمه ياسين نشره في أسبوعية (الجزائر الأحداث في 9/4/1967)، تحت عنوان (كلاب الدوار) يتهجم فيه على صوت المؤذن، فيقول عبد اللطيف: (هذا الرجل دفعه جهله بحقيقة الإسلام وإلحاده المنبعث من سوء تربيته أن يكتب مستهزئا وساخراً بالإسلام)*1. وهذا العمل بالنسبة للشيخ لا يمكن أن يكون أو يصدر إلا من (أذناب فرنسا والاستعمار الذين تغذوا بلبانه وتربوا في أحضانه)، أي أنهم جزائريون بالتسمية، إذ لم (نسمع أثناء التحرير شيئاً يدل على بطولاتهم، بل الذي نعرفه عنهم أنهم فروا هاربين خوفاً الى خارج الوطن) ثم عادوا ليمثلوا (الشخصية المنحلة المحمومة التي تعمل من أجل نشر الأباطيل والأفكار الإلحادية والإباحية بين الأمة).

ثم يتناول عبد اللطيف سلطاني دعاة استعمال اللغة البربرية فيقول: (إنها لغة ميتة لا حروف لها ولا حساب وإحياؤها إحياء للنعرات الجاهلية) أما العربية فهي (أشرف اللغات لأن الله عز وجل أنزل القرآن بها وهو أشرف اللغات على الإطلاق) ويستشهد الشيخ بحديثٍ لرسول الله صلوات الله عليه (مَن أحسن منكم أن يتكلم بالعربية فلا يتكلمن بالفارسية، فإنه يورث النفاق).

ويتناول الشيخ سلطاني البعث فيقول من خلال مناقشته لقوانين الأسرة (من رغب في تبديل قوانين الشريعة الكاملة بقوانين وضعية أو وضيعة، فهو غاش للمسلمين عميل للملاحدة والكفرة، ولا يمكن أن يكون إلا واحداً من ثلاثة: مفرنس متغرب، بعثي ملحد، أو ماركسي لعين)*2

ب ـ صورة الذات النقيض في الخطاب الإسلامي 1988ـ1992

تصاعدت اللغة في خطاب الإسلاميين الى مستوى كانوا يعتبرون تلك اللغة في السابق لا تصدر إلا عن أناس سيئي الأخلاق. ففي مقال تحت عنوان (لغة الأمة بين الإخطبوط الفرنكفوني وحراس النهضة الثقافية) نُشر في أسبوعية (المنقذ عدد5) لسان حال الجبهة الإسلامية للإنقاذ، جاء فيه تحقيراً للذات المقابلة قولاً: (إن جراثيم الاستعمار الثقافي تعمل ليل نهار لإزاحة اللغة العربية من الأذهان).. إذ عمل (أذناب فرنسا وعباد الصليب على التنكر لها في برامج أحزابهم، وبث السموم حولها وإعلان البيعة لفرنسا بتبني اللغة الفرنسية).. ويضيف (هؤلاء هم أعداء الإسلام وعبيد الاستعمار والتنصير).

تعليق:
ويستمر الحديث بهذا المستوى، حتى أصبحت الجزائر تحت أنظار العالم المراقب لتحدد موقفها مع من تقف: مع نظام قد بالغ في إسقاط الاعتبار لمن حوله، رغم عدم ارتياح الغرب من هذا النظام، أم مع من حوله ممن يسنون سيوفهم لقطع دابر الغرب، فكانت النتيجة أن تُذكى نار الفتنة لتحصد ما حصدت في السنين التي تلت كتابة هذا البحث.



هوامش من تهميش الباحث

*1ـ عبد اللطيف سلطاني/ المزدكية أصل الاشتراكية ص73
*2ـ المصدر السابق ص 86
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس