عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 06-08-2022, 09:05 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,962
إفتراضي

ولقد قسم بعض العلماء الدعاء على ثلاثة أوجه وجعل الدعاء الاقتصادى أحد هذه الوجوه حيث جاء «وقال أبو إسحق فى قوله تعالى {أجيب دعوة الداع إذا دعان}
- معنى الدعاء لله على ثلاثة أوجه فضرب منها، توحيده والثناء عليه كقولك ياالله لا إله إلا أنت، وكقولك ربنا لك الحمد، إذا قلته فقد دعوت بقولك ربنا ثم أتيت بالثناء والتوحيد، ومثله قوله تعالى {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي فهذا ضرب من الدعاء، والضرب الثانى مسألة الله العفو والرحمة وما يقرب منه، كقولك اللهم أغفر لنا، والضرب الثالث مسألة الحظ من الدنيا كقولك اللهم ارزقنى مالا وولدا»
ثانيا الشروط الايمانية والشروط المادية والاقتصاد
لقد سبق القول إن كل شيء يجرى فى الكون بقدر الله سبحانه وتعالى وأن من قدر الله ربط الأسباب بالمسببات وفق السنن الإلهية التى لا تتبدل ولا تتغير وتصدق على جميع خلقه، ولابد للأسباب لكى تؤدى إلى نتائجها من شروط وانتفاء الموانع
وبعد هذا التقديم للشروط وموقعها من الأسباب ننتقل إلى توضيح معانى الشروط الإيمانية والشروط المادية وموقف الإسلام منهما
أ - يعنى بالشروط الإيمانية الإيمان بالله عزوجل وعبادته وما يتطلبه ذلك من اتباع أوامره واجتناب نواهيه فى جميع مجالات الحياة ومنها الاقتصاد الذى ورد فى القرآن عنه حوالى 4000 موطن اقتصادى تشمل أحكاما وتوجيهات للسلوك الاقتصادى
ب - يقوم المنهج الإسلامى على ضرورة أخذ كل من الشروط الإيمانية والشروط المادية معا فى كل أمور الحياة ومنها الاقتصاد، ومن أدلة ذلك ما يلى
1 - إن الله عز وجل ربط بين الإيمان (الشروط الإيمانية) والعمل الصالح (الشروط المادية) لتحقيق الحياة الطيبة التى يتوفر فيها رغد العيش الذى يتحقق بالإشباع الجسمى والإشباع النفسى أو الروحى معا حيث يقول عز وجل {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة }
ويلاحظ هنا ما يلى
- أن الله سبحانه وتعالى جعل شرط الوصول إلى الحياة الطيبة الإيمان والعمل الصالح معا
- أنه سبحانه نسب تحقيق الحياة الطيبة لذاته حقيقة وعلى العبد الأتيان بالشروط الإيمانية والمادية
- أنه سبحانه قدم العمل (الشروط المادية) على الإيمان (الشروط الإيمانية)
- أنه سبحانه وصف العمل بالصالح الذى يتضمن بذل الجهد والأخذ بالأسباب السليمة وبكونه ملتزما بأوامر الله تعالى فى التصرف فى المال
- أنه سبحانه جعل الإيمان شرطا مع العمل للحياة الطيبة، لأن العمل بدون إيمان يمكن أن يؤدى إلى وفرة فى الموارد والإنتاج والثروة ولكنه لن يحقق الحياة الطيبة حيث يشبع الحاجات الجسمية فقط وليس الروحية
2 - إن الربط وثيق وعضوى بين الشروط الإيمانية والشروط المادية، فالشروط المادية متضمنة فى الشروط الإيمانية، لأن الأخذ بالأسباب إيمان بالقضاء والقدر كما أن الشروط الإيمانية متضمنه فى الشروط المادية، إذ من مقتضيات الإيمان بالله عزوجل اتباع أوامره واجتناب نواهيه، ومن أوامره سبحانه وتعالى السعى لكسب الرزق، وبذل الجهد لإعمار الأرض كما جاء فى قوله تعالى { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } وقوله عز وجل { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } أى طلب منكم عمارتها بالزروع والغرس والبناء، والطلب المطلق من الله يدل على الوجوب
ج- أهمية وحدود عمل الشروط الإيمانية اقتصاديا
1 - من المعروف أن الهدف من الاقتصاد هو إشباع الحاجات الإنسانية من الموارد، وأن هذه الحاجات نوعان مادية جسمية، وروحية نفسية، ولا يمكن تحقيق الحياة الطيبة والرفاهية بدون إشباع الحاجتين
2 - إن أهمية الشروط الإيمانية تبرز فى أنها بجانب الإشباع الروحى تؤدى إلى تنظيم الجانب الكمى والكيفى فى هذا الناتج وهو ما عبر عنه القرآن بالبركة فى قوله تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } فأثر البركة فى الجانب الكمى يظهر فى أن يهيئ الله سبحانه وتعالى العوامل الخارجية التى تؤثر فى الإنتاج مثل المناخ الطيب لأن من معانى البركة النماء والزيادة ، أما أثر البركة الكيفى وهو الأهم فيتمثل فى تعظيم المنافع من نفس القدر أو الكمية من الموارد إذ من معانى البركة الكثرة فى كل خير ، وهو المقصود من الحصول على الموارد بشكل عام حتى تتحقق الكفاءة الاقتصادية التى هى أحد هدفين من أهداف الاقتصاد بجانب العدالة، ذلك أن الشائع في قياس الكفاءة هو أن تكون المخرجات أكبر من المدخلات، 3 - ومن جانب آخر فإن الشروط الإيمانية تحقق ليس فقط الرفاهية الشخصية بل تحقق الرفاهية الاجتماعية لأن من مقتضيات الإيمان أداء حقوق الله فى المال، وحق الله فى التصور الإسلامى هو حق المجتمع يعطى لمن حددهم الله سبحانه وتعالى من المحتاجين والمحرومين ليعم الخير على الجميع وتتحقق العدالة المفقودة فى ظل النظم الاقتصادية الوضعية
4 - إن الشروط المادية لازمة شرعا وعقلا لتحقيق الوفرة، ولكنها وحدها ليست كافية لتحقيق الحياة الطيبة وهذا ما نلاحظة فى عالم اليوم الذى أصبحت الرأسمالية فيه هى النظام السائد فى ظل العولمة ذلك أن الرأسمالية وكل النظم الاقتصادية الغربية تقوم على عدة ركائز منها ما يلى
- الركيزة الأولى العلمانية التى تقوم على الفصل بين الدين والدنيا، وتقول بأن الدين والأخلاق لا يمتان بصلة إلى مشاكل الإنسان الاقتصادية
- الركيزة الثانية المادية، التى تقوم على أن الثروة والملذات الحسية والمسرات الحسية هى القيم الوحيدة التى يجب أن يسعى المرء لتحقيقها
- الركيزة الثالثة الحتمية أو الجبرية، التى تنطوى على الفكرة القائلة بأن جميع الوقائع فى الكون المادى وبالتالى فى التاريخ البشرى أيضا مرهونه ومشروطه بصورة مطلقة بأسبابها المادية
- الركيزة الرابعة الأنانية ممثلة فى السعى نحو تحقيق المصلحة الخاصة بكل السبل وإذا كان الاقتصاد القائم على الشروط المادية فقط قد حقق وفرة مادية فى الموارد والإنتاج والثروات، إلا أنه صاحب ذلك وبنفس القدر مشكلات وأزمات خانقة، ويؤكد ذلك شهادات واقعية لبعض العلماء الاقتصاد الغربيين من أمثال
ريتشارد استرلين Richard Easterlin الذى أجرى 30 مسحا فى 19 من البلدان المتقدمة والبلدان النامية خلص منها أن البلدان الغنية ليست سعادة أكثر سعادة من البلدان الفقيرة،رغم وفرة الموارد، وفى شهادة أخرى يقول رالف داهر ندروف Ralf Dahrendrof متسائلا لماذا لا يشعر هذا العدد الكبير من المواطنين فى المجتمعات الغنية بالسعادة بعد أربعة عقود من السلم والازدهار؟ ولماذ يكثر الضيق والضنك مع وجود كل هذه الوفرة؟ والإجابة على ذلك واضحة وهى لأنهم اقتصروا على الشروط المادية فقط وأهملوا الشروط الإيمانية
ونخلص من كل ذلك بالآتى
1 - أن الشروط الإيمانية والشروط المادية مطلوبان معا إسلاميا لتحقيق الرخاء الاقتصادى ورغد العيش والحياة الطيبة
2 - أن عدم الأخذ بالشروط المادية على خير وجه طعن فى الإيمان بالقضاء والقدر الذى منه الأسباب والمسببات
3 - إن عدم الأخذ بالشروط الإيمانية طعن فى العقيدة والإيمان وإنكار لما جاء فى القرآن بربط الحياة الطيبة بالإيمان
4 - إن الاقتصار على الشروط المادية وحدها وإن كان يحقق الوفرة المادية والتى تشبع الحاجات الجسمية إلى أنه لا يحقق الإشباع الروحى والنفسى المطلوب لتحقيق الحياة الطيبة والسعادة فضلا عن المشكلات والأزمات الاقتصادية
5 - إن الشروط الإيمانية وحدها دون أن يصاحبها الأخذ بالشروط المادية لا يحقق شيئا للإنسان فى المجال الاقتصادي هذا عن الشروط الإيمانية عامة "
وبالقطع الدعاء الاقتصادى وهو طلب أمر مالى من الله ولا علاقة له بالشروط أيا كان نوعها فكما سبق القول الأمر كله مرتبط بالمقدر فقد يسعى الإنسان ويدعو ومع هذا يفشل ليس لأنه كفر أو عصى وإنما لأن هذا ابتلاء من الله كما ابتلى المسلمون ببلاء اقتصادى وهو نقص الثمرات والأموال وفى هذا قال تعالى :
"ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات"
وتحدث عن الدعاء والقرارات الاقتصادية فقال :
"ثالثا الدعاء واتخاذ القرارات الاقتصادية
إن اتخاذ القرارات يعنى به الاختيار من بين البدائل المتاحة، والاقتصاد فى حقيقته يقوم على اتخاذ القرارات، ففى التعريف الذى يحظى بقبول عام «أن الاقتصاد ذلك الفرع من العلوم الاجتماعية الذى يهتم بالطريقة التى يختار بها أفراد المجتمع تخصيص الموارد النادرة نسبيا بين الاستعمالات البديلة لإشباع رغبات أعضاء المجتمع»
وعملية اتخاذ القرارات تبنى على الظن الغالب أو كما يقول علماء الإدارة تتخذ فى ظل عدم التأكد، وتظهر مدى صحة القرار فى المستقبل عندما يتم تنفيذه، والمستقبل مجهول للإنسان، ولذا يعيش متخذ القرار بين الرجاء والأمل أن يتحقق ما يهدف إليه، وبين القلق والخوف بعدم تحققه، حتى رغم اتخاذ كل الشروط المادية من دراسة الجدوى وتهيئة الإمكانيات، وهنا يأتى الدعاء لله عز وجل الذى يعلم الغيب فيطلب الإنسان من ربه الهداية هداية الإرشاد والدلالة فى اتخاذ القرار السليم وهداية التأييد والتوفيق فى أن يؤدى القرار إلى الهدف المقصود منه، وحتى إن تخلف الهدف فإن الدعاء يكسبه الرضا والسكينة بما قدره الله سبحانه بما يحفظ عليه توازنه الروحى
رابعا الدعاء والعوامل الخارجية
تتأثر التصرفات والأنشطة الاقتصادية بعاملين هما
- العوامل الداخلية التى تقع تحت سيطرة الإدارة
- العوامل الخارجية التى لا يمكن للبشر التحكم فيها أو السيطرة عليها، مثل العوامل الكونية الإلهية - المناخ والفيضانات والبراكين والزلازل، والعوامل الاجتماعية مثل التقلبات الاقتصادية والسياسية
وهذه العوامل الخارجية تؤثر وتساهم إلى حد كبير فى نجاح أو فشل العمل الاقتصادى
ومن أمثلتها الواقعة فى دنيانا الاعصار الذى حدث في بعض دول جنوب شرق آسيا أخيرا والذى أثر إلى حد كبير على اقتصادياتها تدميرا لما كان موجودا من مبانى ومنشآت وتحولا لكثير من القرارات السابق اتخاذها
وعلى المستوى السياسى فإن حرب العراق على سبيل المثال أثرت اقتصاديا ليس على الأفراد والمنشآت والدولة فى العراق بل على كثير من الدول المجاورة بالإفادة للبعض والخسارة للبعض كما أن للعوامل الخارجية دور فى التحليل الاقتصادى الذى ما إن ندرس ظاهرة اقتصادية إلا وتبنى الدراسة على مقولة «مع بقاء الأشياء الأخرى على حالها»
وهذه العوامل الخارجية مجهولة للناس وليس فى قدرتهم التنبؤ بها وأخذها فى الاعتبار أو التحكم فيها وفى آثارها عند حدوثها، ولكن يعلمها خالقها المدبر للكون كله وهو الله عز وجل فهى من قضاء الله عز وجل وقدره ومشيئته، ومن هنا فإن الدعاء يكون أحد الأمور التى يواجه بها الإنسان هذه العوامل بالطلب من الله ليس ردها وإنما أن تكون فى صالحه وأن يخفف عنه بلاءها
ومن جانب آخر فمن المعروف أنه يوجد فى الاقتصاد ما يسمى بالدورات الاقتصادية التى يمر بها الاقتصاد فى أربع فترات فترة رخاء ففترة أزمة ففترة كساد ففترة انتعاش ففترة رخاء أخرى وهكذا وتتراوح كل فترة بين 10، 12 سنة، والاقتصاد الوضعى المادى عجز عن تفسير أسباب هذه الدورات التى تحدث بسبب عوامل وظروف لا يمكن للبشر التنبؤ بها أو التحكم فيها

رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس