عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 06-03-2010, 08:44 PM   #219
اقبـال
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2009
المشاركات: 3,419
إفتراضي

بقلم الأستاذ عبد الحميد العزاوي
عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار السنة (الهيئة الشرعية)

قبل الدخول في صلب موضوعنا وجدنا من الأهمية بمكان أن نستذكر ونذكر فلعل الذكرى تنفع المؤمنين بالأطروحات الفكرية التي تناول بموجبها ساسة الغرب ومفكروه قضية الإسلام وحقيقة الموقف منه بمنظور عقائدي ديني وسياسي واقعي لكي نتمكن من صياغة أفكارنا وإعداد منهجنا وتنسيق مواقفنا وتوحيدها لمواجهة التحديات التي صنعتها سياسة الغرب عموما وأمريكا خصوصا على الأرض وفق خطوات مرسومة بالاستناد إلى تلك الأطروحات، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور الحركات الإسلامية كمتغير مؤثر في الساحة الدولية توالت التصريحات والدعايات التي تصور الإسلام على أنه الخطر الداهم ليس على الغرب فحسب، وإنما على الأمن والسلم الدوليين، ولعل ما جاء على لسان القائد الأعلى الأسبق لحلف الشمال الأطلسي (جون كالفن) عام 1991 بأن " بعد أن أنهى الغرب الحرب الباردة هاهو الصراع يعود بالنسبة له على محوره الرئيسي ألا وهو المجابهة مع الإسلام " (راجع كتاب هايتس ويتر فينتر: هل يشكل الإسلام السياسي خطرا على أوربا؟ ترجمة جيمه شوري القاهرة1995)، وبعد أن أدركت أمريكا أن الحركات الإسلامية وما رافقها من يقظة ومطالبة بإلغاء التواجد الأمريكي في المنطقة العربية والإسلامية تمثل الخطر الحقيقي الذي يهدد مصالحها فيما لو وصلت إلى سدة الحكم لذلك طُرِحَ الإسلام على أنه العدو الحقيقي للغرب والعالم أيضا.
لذا فقد أطلق الغرب والأمريكان من الأوصاف على تلك الحركات ما يفوق تلك التي وصفت بها الشيوعية فالإسلام كما يقولون.. هو التهديد المقبل والخطر الأخضر وإمبراطورية الشر والعدو القادم، ولعل ما يؤكد حقيقة العداء الغربي والأمريكي للإسلام هو ظهور عشرات المراكز من الدراسات ومئات البحوث التي روج بموجبها الباحثون الغربيون لأطروحاتهم الفكرية التي انساقت وراءها السياسة الأمريكية مستندة في فعلها العدائي للإسلام إلى دعامتين أساسيتين، الأولى هي البعد الديني وما تمليه العقيدة البروتستانتية الأصولية انطلاقا من إيمانها بقيام دولة صهيون على أرض فلسطين لإيمانهم بأنها (أرض الميعاد) استعدادا لمعركة هرمجدون التي ستقضي على الملحدين والمسيحيين غير الإنجيلين وهذا ما يؤمن به الغالبية العظمى من النخب السياسية الحاكمة في أمريكا والمهيمنة على قراراتها (راجع كتاب النبؤة والسياسة لجريس هالسل وكتاب البعد الديني في السياسة الأمريكية للدكتور يوسف الحسن).
أما الدعامة الثانية في العداء الأمريكي للإسلام فهي تستند إلى البعد السياسي في الوجود الإسلامي الذي يعتنقه أكثر من ربع سكان العالم وهذا ما يعدوه خطرا على الوجود والهوية والثقافة والحضارة الغربية لعمق العقيدة وسمو الأخلاق ورقي القيم الروحية المؤمنة والموحدة لله فبهذه القيم يعد الإسلام إذا ما توحدت كلمة معتنقيه قوة عظيمة لايمكن مجاراتها لهذا فقد عمدت السياسة الأمريكية إلى انتهاج سياسة خارجية مقاومة لنهوض الاسلام استندت إلى أطروحات مفكريها أمثال برنارد لويس وبريجنسكي وما قدموه من مشاريع إستراتيجية تقوم على ركيزة مفادها التشطير والتفتيت للأمة الإسلامية وتغذية وإذكاء النزاعات العرقية والدينية في المجتمعات الإسلامية عموماً وفي الوطن العربي خصوصاً، فقد عرض لويس إستراتيجية جديدة تقوم على نظرية تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ لدول المنطقة على أساس الوجود العرقي والديني والمذهبي والقومي والطائفي في مناطق ما يسميها بقوس الأزمات كالأكراد والدروز والموارنة والشيعة والأقباط... إلخ، لتحقيق عدم الاستقرار السياسي وتفتيت الدولة الأم وقد خص بذلك مصر والسودان والسعودية ولبنان وسوريا والعراق أي الدول المحيطة بإسرائيل (راجع كتاب رقعة الشطرنج الكبرى لبريجنسكي وصدمة المستقبل وحضارة الموجة الثالثة لألفين توفلر ومخطط التفتيت الأمريكي للدكتور وليد محمد سعيد)، وقد حشدت أمريكا كل طاقاتها وإمكاناتها السياسية والاقتصادية وتأثيرها الدبلوماسي مستعينة بالاتحاد الأوربي والكيان الصهيوني وحلفائها من زعامات للأقليات والدويلات التابعة فضلاً عن استعانتها بالهيئات والمنظمات العالمية الاقتصادية والسياسية والإرساليات التبشيرية كجزء من آليات التحرك والتأثير لتنفيذ مشروعها التفتيتي للأمة الإسلامية والعربية معززةً ذلك بإصدار عشرات القوانين ومشاريع التدخل في الشؤون الداخلية للدول كقانون الحريات الدينية الدولية الصادر عن الكونغرس الأمريكي لعام 1998 ومشروع تحرير العراق لعام 1997... إلخ، (راجع تقارير وزارة الخارجية الأمريكية للعقد الميلادي الأخير).
وبذلك انتقلت الولايات المتحدة الأمريكية بسياستها من إطارها التنظيري إلى الواقع التنفيذي على الأرض عبر تحريض الأقليات والطوائف واستفزازها وتحفيزها للتمرد والانفصال وإثارة الفوضى والاضطرابات كما حدث في قضية الأكراد في شمال العراق قبل احتلاله وتيمور الشرقية في اندونيسيا والأقباط في مصر والأرمن في تركيا، والغاية من ذلك كله خلق نسق من مشاريع دويلات قائمة على أساس العرق والدين والمذهب غير مؤهلة سياسياً واقتصاديا الأمر الذي سيدعوها للارتباط مع غيرها من دويلات في ظل اتحاد كونفدرالي مما يعزز من فرصة إسرائيل في الدخول إلى هذا ألاتحاد بل وربما قيادته، وبالتالي تتجاوز عقدة العزلة التي تعاني منها بسبب الرفض الإسلامي والعربي لوجودها، (انظرأمريكا بين عصرين لزبغينو بريجنسكي).
ولقد اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية من أحداث 11 أيلول 2001 ذريعة لتتدخل بكل ثقلها العسكري وتحتل بلاد المسلمين لتبدأ مرحلة جديدة من سياستها الهجومية المدمرة بعد أن صرح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عن عودة الصليبية الجديدة في عدائها للإسلام وهو ما أطلق عليه (مشاريع القوة) بعد أن فشلت سياسة التدخل غير المباشر في تنفيذ مخططاتها التفتيتية من خلال إثارة الفتن الطائفية وإذكاء النزاعات المسلحة بين الطوائف والأقليات و كان احتلال العراق نقطة الانطلاق في مشروعها الجديد لتدمير الأمة حيث بات من البديهي لكل من يتمتع بأدنى درجة من الاطلاع بأن غزو العراق لم يكن لتدمير نظام سياسي شق عصى الطاعة عليها وأربك حلفاءها في المنطقة ثم إقامة نظام سياسي ديمقراطي على أنقاضه كما تزعم وإنما تهدف من وراء الاحتلال إلى تدمير العراق وإعادته إلى العصور الوسطى على حد تعبير بيكر وزير الخارجية الأمريكية السابق في عهد الرئيس بوش الأب وتفكيكه على أساس التنوع العرقي والديني ومظلومية الطوائف والخوف من عودة الدكتاتورية.
إن استهداف العراق لم يكن أمرا اعتباطيا وإنما جاء باعتباره خطوة على طريق الاستحضارات والتمهيد لإنشاء دول الطوائف والأقليات تماما كما جاء في الأطروحات الفكرية للساسة الأمريكان والتي عرجنا على جزء منها آنفا لكي يصبح العراق بواقعه السياسي الجديد منسجماً مع وجود الكيان الصهيوني الذي وضع كبار ساسته مثل (بن غور يون) موضوع تقسيم العراق منذ نهاية عقد الخمسينيات من القرن العشرين في مقدمة أولوياتهم السياسية في المنطقة العربية، ولم يكن الأمر بمعزل عن التحالف مع الدولة الصفوية التي لن تتوانى في إيذاء العرب والمسلمين طالما يشفي ذلك أحقادها ويتيح لها الفرصة لتكون لاعبا أساسيا في المنطقة ويعزز من مكانتها الدولية ويزيد من قدرتها في التمسك بمشاريعها التسليحية، ويؤمن الأمر حماية عملائها وفي المقابل تبرز الحاجة الأمريكية للمساعدة الإيرانية في إدارة دفة الأمور في العراق بعد الاحتلال من خلال الدعم الإيراني لحكومة المنطقة الخضراء المعروفة بولائها لإيران وبدراية وتغاض من القوات الأمريكية المحتلة. ولعل اعتراف (علي أبطحي) نائب الرئيس الإيراني السابق (محمد خاتمي) في شباط 2004 خير دليل على ذلك حيث قال (لولا مساعدتنا لما تمكنت الجيوش الأمريكية من احتلال أفغانستان والعراق)، هذا من جانب ومن جانب آخر فلم يعد مخفيا على أحد عمق التحالف الإستراتيجي والأزلي بين اليهود والفرس في عدائهم للإسلام وكراهيتهما للعرب والمسلمين، وأن مشروع تقسيم العراق يمثل العامل المشترك الأعظم بينهما لسعي كل من إيران وإسرائيل بالاستئثار بما يؤول اليه حال العراق بعد التقسيم معتمدين في ذلك على عملائهم من أحزاب كردية معروفة بعمالتها للحركة الصهيونية وأحزاب شيعية لن تخجل من عمالتها لإيران، ولقد هيأت الولايات المتحدة من خلال وجودها كقوة محتلة للعراق كل التدابير الكفيلة بتقبل شعب العراق حالة التقسيم والعمل على جعله مطلباً شعبياً في المستقبل القريب نتيجة لما فعلته ولاتزال من فوضى واضطرابات وقتل وتخريب بين الطوائف في الوقت الذي تظهر فيه كأنها الحارس الأمين على سلامة وأمن العراق وهي في ذات الوقت تلعب دوراً سياسياً خبيثاً كخطوة مكملة لما فعلته على الأرض من خلال مشروع التقسيم الذي أعده (جوزيف بإيدن) وصوت عليه الكونغرس الأمريكي فليس من المعقول أن تتبنى أكبر هيئة تشريعية في الولايات المتحدة مشروعاً ذا أثر فاعل بشكل عفوي أو من غير مقصد و يتم حشد طاقات الولايات المتحدة الهائلة لتستكمل حلقات هذا المشروع بتعيين (بايدن) ذاته نائبا للرئيس الأمريكي وتخويله بملف العراق! فماذا يمكن أن ننتظر بعد ذلك غير يوم التنفيذ؟ بعد أن حدث التقسيم سياسياً واجتماعياً ونفسياً لدى نسبة كبيرة من العراقيين حيث تولدت الرغبة المعلنة أو المستبطنة لدى كل من الشيعة والأكراد تتمثل بالانفصال والاستقلال والاستيلاء على المناطق التي يسيطرون عليها في العراق، وربما الطرف الوحيد الذي يقاوم هذا الخيار بصورة معلنة ورسمية هم العرب السنة، ولكن هذا لا يمثل موقف القوى السنية جميعها، فالقاعدة أعلنت عن قيام دولتها في مناطق من غرب ووسط العراق ودخلت في صراع نفوذ مع فصائل المقاومة والقوى المسلحة الأخرى وفي المحصلة قد تماشت مع مواقف الانفصال فضلاً عن ذلك إن المواقف الفعلية المحلية والإقليمية تتعامل واقعياً مع التقسيم الطائفي والعرقي ومخرجاته وما يمهد الطريق إلى تكريسه لاحقاً على الخارطة الجغرافية ومن الواضح أن الرهان الأخير بيد الإدارة الأمريكية كما بيدها مقدرات إدارة العملية السياسية القادمة والأمر بات أقرب إلى التقسيم كبديل وحيد لحرب أهلية طاحنة قد تنشب بعيد الانتخابات المقبلة.. فتبدأ المفاوضات حول الحدود والثروة والسلطات في كونفدرالية أوفدرالية وهمية تمثل الغطاء النظامي للتقسيم وإرهاصات تشكيل الدول الناشئة الجديدة (للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى مشروع جوزيف بايدن ونقاشات الكونغرس على هامش جلسة التصويت على القرار).
اقبـال غير متصل   الرد مع إقتباس