عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 02-06-2013, 01:17 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مركزية الشخص في النزوع الطبيعي

(1)

أنا، ابني، أخي، أبي، أفراد رهطي، أقاربي، فريقي، أبناء حيي، أبناء مدينتي، أبناء إقليمي(الجهة داخل البلد) أبناء عِرقي، أبناء طائفتي، أبناء ديني، أبناء وطني، أبناء قوميتي.. هذا هو التسلسل الطبيعي في اصطفاف الفرد العربي، في ولاءه ومواقفه..

ولو تمعن المتمعن في موالاة الفرد لغيره ممن ورد في التسلسل، لوجد أن كل ولاء سيخدم في النهاية (الأنا)، أو يقوم هذا الولاء بتعزيزها وتغذيتها..

عندما يفتخر الفرد بقومه، فإنه إن انتقى أجودهم للتباهي فيه، كوزير أو محافظ أو طبيب مشهور، فإنه لا يتوانى عن الافتخار حتى بأرذلهم، فإن تحدث عن شريرٍ ما، سيقول: إنه شيطان، ويتحدث عندها عن وقائع تثبت تعديه على الآخرين وتحايله عليهم، ويضيف: عشرةٌ من الرجال لا يستطيعوا التغلب عليه، هو يمدحه بطرفٍ خفي، أو يمتدح نفسه بأنه ليس من الناس الهينين فمن بين أقاربه من هو شرير!

وقد أشار (عمرو بن كلثوم) في معلقته الى تلك الصفة عندما قال:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا.......... فنجهل فوق الجاهيلنا
ويضيف
ونشرب إن وردنا الماءَ صفواً........ ويشرب غيرنا كَدِرا وطينا

ومن يتأمل الصفتين في البيتين لا يرى فيهما ما يؤكد الصفات الحميدة.

وحتى إن ذكر أحدهم صفة حميدة عند قريب له، فإن كان عضواً بالبرلمان مثلاً، فإن حديثه عنه سيلتوي ليصبح حديثاً ومدحاً للمتكلم، وليس لعضو البرلمان، فبعد أن يذكر محاسنه سيذكر الدور الذي قام به هو لتوصيله للبرلمان، وكيف أقنع الآخرين وكيف تبرع له بكذا. وهذه الصفة موجودة قديما، وقد عبر عنها المتنبي برثاء والدته عندما قال:

ولو لم تكوني بنت أكرم والدٍ .... لكان أباك الضخم كونك لي أُما

والمتنبي هنا يمتدح نفسه مرتين: الأولى أنه من أكرم والد... والثانية أن هذا الجد لو لم يكن كريماً لأصبح كذلك لأنه جد المتنبي!

(2)

لا يغيب التسلسل الطبيعي الذي ذُكر عن مشاهد التعامل مع الحياة العامة (الدولة بشقيها الحاكم ومؤسسات المجتمع المدني). فهارون الرشيد مثلاً أعطى ولاية العهد للأمين ابن زبيدة العربية الهاشمية، ولكنه قرنه بأن يكون الأمر من بعد الأمين للمأمون ابن خيزران الفارسية الغالية، ولكن الأمين بعد وفاة الرشيد خلع أخاه المأمون من ولاية العهد ووضعها في ابنه، فقتله المأمون بمساعدة أخواله الفرس. والأمثلة كثيرة في حياتنا المعاصرة.

في انتخابات البلدية وغرفة التجارة والنقابات المهنية وغيرها، ومن خلال مراقبة عمليات فرز الأصوات حوالي أربعين عاما، نجد ـ باستمرار ـ أنه في كل ورقة يكتب المرشح اسمه بالأول قبل أسماء كتلته وكذلك يفعل أتباعه من فريقه (عشيرة، حزب الخ) يضعون اسم من كان فريقهم قبل الأسماء الأخرى، مما سهَّل مهمة أعضاء الكتلة لمعرفة من حجب عن من؟

وفي الانتخابات البرلمانية والبلدية تبرز المطالبات بالدَوْر، فإن كانت مجموعة قرى تشكل دائرة انتخابية واحدة فإن تلك القرى ستطالب أن يكون المرشح منها وليس من القرية الأخرى لأن تلك القرية أخذت دورها، لا يكون للمقدرة على التمثيل أي دور معين، بل تكون الأحقية للدور! حتى لو كان من ستختاره القرية غير مؤهل! وكذلك في البلديات..

في إحدى المرات رأيت موكباً من سيارات تحمل شباباً يطلوا برؤوسهم من نوافذ السيارات ويصيحوا: عليهم.. عليهم.. فعندما استفسرت عن الموضوع تبين أن هذا الموكب يناصر مرشحا لانتخابات طلابية في إحدى الجامعات، ضد مرشح مدينة أخرى!

(3)

لم تقتصر ممارسات التعصب على الناس العاديين، بل تعدتها الى الأحزاب السياسية التي زعمت أن تخلص البلاد مما فيها من تخلف.. ففي انتخابات للقيادة القطرية في العراق فاز حسين كامل حسن نتيجة قربه ومصاهرته للرئيس بأعلى الأصوات 275 صوت مقابل 25 صوتاً حصل عليها سعدون حمادي أحد المفكرين العرب الذين يُشهد لهم بنضجهم وقدرتهم الفكرية وتفوقه عشرات المرات على حسين كامل حسن.

وفي سوريا الأمر متشابه جداً، وحتى في مصر ما بعد ثورة 25 يناير فقد وضع أحمد فهمي رئيسا لمجلس الشورى، وهو زوج أخت محمد الكتاتني رئيس مجلس الشعب المنحل، وأن ابن أحمد فهمي زوج بنت الرئيس محمد مرسي. وكلنا نعلم كيف انحاز الإمام حسن البنا مع عبد الحكيم عابدين زوج أخته وعطل قرار إجماع مجلس الشورى في تنحيته وفصله من المجلس.

إن الشعوب المتأصلة في الحضارة خلصت من تلك المظاهر في وقت مبكر فقد عبر أفلاطون المولود سنة 428 ق. م عن تلك النظرة ((إن المصلحة الفردية لا يمكن أن توفر أبداً أساساًكافياً لحياةٍ سعيدة، وعادلة أو متمدنة، فالقوة الشرعية، والسلطة، والمعرفة توجدفقط لخدمة أولئك الذين تُمارس لأجلهم. تماما مثلما تكمن مهارة الطبيب في معالجةالمرض، ومثلما يمارس القبطان سلطته نيابة عن طاقمه، فإنه لا يجوز لأي حاكم، بقدر مايتصرف بصفته حاكماً، أن يتوخى أو يفرض ما يصب في مصلحته الخاصة، فكل ما يقولهويفعله، سيُقال ويتحقق بموجب ما هو مفيد وملائم للرعية التي من أجلها يمارسمهنته))

فهل هناك من سبيل لنا بذلك؟

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس