عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-06-2023, 07:03 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,001
إفتراضي

فـبعدما تبين لنا أن الصواب في حديث طاوس هو ما رواه الجماعة عنه بجعله من مسند ابن عباس نجد أن الاختلاف عليه في رفع الحديث ووقفه سوف ينحصر حينئذ على وجهين فقط هما:
الوجه الأول: طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا) وهذا الوجه رواه عنه كل من:
1. عطاء بن السائب فيما رواه عنه خمسة وهم: جرير والفضيل وموسى بن أعين في رواية علي بن معبد وأبي جعفر النفيلي عنه والثوري في رواية عبد الصمد بن حسان عنه وابن عيينة في رواية الحميدي عنه.
2. ليث بن أبي سليم فيما رواه معن بن عيسى عن موسى بن أعين عنه.
3. إبراهيم بن ميسرة في رواية محمد بن عبد الله بن عبيد عنه وكذا رواية ابن عيينة فيما رواه الباغندي عن عبدالله بن عمر بن أبان عنه.
الوجه الثاني: طاوس عن ابن عباس (موقوفا) وهذا الوجه رواه عنه كل من:
1 عطاء بن السائب فيما رواه عنه محمد بن فضيل وكذا حماد بن سلمة وشجاع بن الوليد كما علقه عنهما البيهقي.
2 عبد الله بن طاوس وابن عيينة في رواية ابن أبي شيبة عنه والثوري في رواية الحارث بن منصور عنه.
3 إبراهيم بن ميسرة فيما رواه عنه ثلاثة وهم: أبو عوانة وابن جريج وابن عيينة في رواية عمر بن أحمد بن يزيد عن عبد الله بن عمر بن أبان عنه.
وهنا يتبين أنه قد تعددت بعض الأوجه على من دون طاوس أيضا من الرواة وبعضها يعد اختلافا على الراوي في رفع الحديث ووقفه وهم: (الثوري وابن عيينة وعبد الله بن عمر بن أبان وإبراهيم بن ميسرة وعطاء بن السائب).
فالأول: (وهو سفيان الثوري) قد روي عنه وجهان:
أحدهما: عنه عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا) وهذا الوجه رواه عنه عبد الصمد بن حسان.
والآخر: عنه عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس (موقوفا) وهذا الوجه رواه عنه الحارث بن منصور.
وعند التأمل في هذين الوجهين فقد يقال بتقديم الوجه الأول لكون عبد الصمد وأقل أحوله أنه صدوق أثبت من الحارث بن منصور والحارث نسبه أبو نعيم إلى كثرة الوهم وقال ابن عدي: "في حديثه اضطراب" وذكره ابن حبان في الثقات وقال يغرب بينما قال الحافظ في التقريب: "صد وق يهم" [انظر الكامل 2/ 195 والتهذيب 2/ 158 والتقريب 1057]
وقد يقال بتقديم رواية الحارث هنا لكون روايته قد وافقت رواية الثقات من أصحاب طاوس بوقفه على ابن عباس وهذا ما رجحه الحافظ في التلخيص (1/ 130) حيث قال: (( ... والحق أنه من رواية سفيان موقوف ووهم عليه من رفعه)).
والأشبه أن يقال: إن كلا الوجهين لم يروه عن الثوري أصحابه المعروفون كـوكيع وابن المبارك ويحيى القطان وابن مهدي وأبي نعيم وغيرهم. فأين هؤلاء من هذين الطريقين لو كانا صحيحين؟!!
ثم إن الحافظ ابن رجب قد ذكر عبد الصمد بن حسان من ضمن الثقات الذين لهم كتاب صحيح وفي حفظهم بعض شيء ونقل عن البخاري قوله فيه: "يهم من حفظه وأصله صحيح" [شرح العلل ص 328].
والثاني: وهو (سفيان بن عيينة) قد تعددت الأوجه عنه على ثلاثة:
أحدها: الحميدي عن ابن عيينة عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا).
والثاني: ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن عبدالله بن طاوس عن أبيه (موقوفا).
والثالث: عبد الله بن عمر بن أبان عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس (موقوفا).
ولعل هذا لا يعد اختلافا على سفيان بل الظاهر صحة هذه الأوجه عنه عدا الثالث فإنني متوقف فيه لحال الراوي عن عبدالله بن عمر وهو عمر بن أحمد بن يزيد فإني لم أقف له على ترجمة ولم أجد له إلا حديثا واحدا وهو هذا الحديث.
ولو قيل بقبول الوجه الثالث أيضا لكون ابن عيينة قد وافق فيه الثقات كأبي عوانة وابن جريج في روايتهم هذا الوجه عن إبراهيم بن ميسرة لكان سائغا.
والثالث: وهو (عبد الله بن عمر بن أبان) قد اختلف عليه فيه على وجهين:
الأول: عنه عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس (موقوفا). وهذا الوجه رواه عنه عمر بن أحمد بن يزيد.
الثاني: عنه عن ابن عيينة به (مرفوعا). وهذا الوجه رواه عنه الباغندي.
والوجه الثاني ضعيف؛ لأن الباغندي كثير التدليس والخطأ كما قال الدارقطني وأحمد بن عبدان [انظر تذكرة الحفاظ 2/ 736].
وقد ضعف البيهقي رواية الباغندي هذه بقوله: ((رواه الباغندي مرفوعا فلم يصنع شيئا فقد رواه ابن جريج وأبو عوانة عن إبراهيم بن ميسرة موقوفا))وأما الوجه الأول فقد سبق التوقف فيه لأجل عمر بن أحمد بن يزيد إلا أن يقال بقبوله لكون ابن عيينة قد وافق الثقات في روايتهم هذا الوجه عن إبراهيم بن ميسرة كما تقدم.
والرابع: وهو (إبراهيم بن ميسرة) قد اختلف عليه في رفعه ووقفه على وجهين:
الأول: عنه عن طاوس عن ابن عباس (موقوفا) وهذا الوجه قد رواه عنه الجماعة وهم: ابن جريج وأبو عوانة وابن عيينة في رواية عمر بن أحمد بن يزيد عن عبدالله بن عمر بن أبان عنه.
الثاني: عنه عن طاوس به (مرفوعا) وهذا الوجه تفرد به عنه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف كما في الجرح والتعديل (7/ 300)
فالراجح من هذين الوجهين هو رواية الجماعة كما لا يخفى ولذا قال الحافظ في التلخيص (1/ 130): ((رفعه عن إبراهيم محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف)).
والخامس: (وهو عطاء بن السائب) قد اختلف عليه فيه على ثلاثة أوجه:
أحدها: عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا) وهذا الوجه رواه عنه جرير والفضيل وابن عيينة وموسى بن أعين.
الثاني: عطاء عن طاوس عن ابن عباس (موقوفا). وهذا الوجه رواه عنه محمد بن فضيل وحماد بن سلمة وشجاع بن الوليد.
الثالث: عطاء عن طاوس أو عكرمة أو كلاهما عن ابن عباس (موقوفا).وهذا الوجه رواه عنه جعفر بن سليمان فتفرد به.
وهنا يلاحظ أن موسى بن أعين قد روي عنه في هذا الحديث وجهان:
أحدهما: عنه عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا). وقد رواه عنه علي بن معبد الرقي وأبو جعفر النفيلي "وكلاهما ثقة".
والثاني: عنه عن ليث عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا). وقد رواه عنه معن بن عيسى "وهو ثقة".
والوجه الأول أصح؛ لأن رواية الثقتين أقوى من رواية الثقة الواحد ولأن هذه الرواية هي المشهورة عند أهل العلم والله أعلم.
ثم إنه لو قيل بصحة الوجه الثاني عن موسى أيضا؛ فهو معلول بشيخه وهو ليث بن أبي سليم لأنه ضعيف كما في التقريب (ص 5721).
وأما ما تقدم ذكره من الاختلاف على عطاء بن السائب؛ فلعل أصح هذه الأوجه الثلاثة عنه هو الوجه الأول المرفوع فإنه رواية الجماعة كما سبق وهي المشهورة عند أهل العلم كما قال الترمذي: ((لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء)).
وأما رواية حماد بن سلمة وشجاع بن الوليد؛ فإن البيهقي رواه عنهما تعليقا ولم نقف على الإسناد إليهما؛ والله أعلم.
ونحن إذا صححنا رواية الجماعة عن عطاء فلا يعني أن يكون حديثه هنا صحيحا مطلقا؛ لأن عطاء بن السائب وهو صدوق قد اختلط بأخرة فينبغي التفريق بين رواية من روى عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعده وقد نص الحفاظ على أن من سمع منه قديما كسفيان الثوري وشعبة فسماعه صحيح ومن سمع منه بأخرة فسماعه لا شيء [انظر تهذيب الكمال 20/ 86].
واستثنى بعضهم أيضا سفيان بن عيينة فنقل أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال: ((سماع ابن عيينة مقارب يعني عن عطاء بن السائب سمع بالكوفة)) [انظر شرح العلل ص 309].
وقال ابن الكيال: روى الحميدي عنه قال: ((كنت سمعت من عطاء بن السائب قديما ثم قدم علينا قدمة فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعت فخلط فيه فاتقيته واعتزلته)) ثم قال ابن الكيال: ينبغي أن يكون روايته عنه صحيحة [الكواكب النيرات ص 327]
وبالجملة؛ فإن الصواب في حديث عطاء هو رواية من رفعه عنه وهم: جرير والفضيل وموسى بن أعين وابن عيينة. وهؤلاء رووا عنه بعد الاختلاط لا محالة؛ غير ابن عيينة فإنه محتمل لما ذكره الإمام أحمد وابن الكيال كما سبق والله أعلم.
وبعد هذه الدراسة الموجزة لطرق حديث طاوس يمكن تلخيص الأوجه عنه حينئذ كالتالي:
الوجه الأول: عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) مرفوعا. وهذا الوجه رواه عنه جرير والفضيل وموسى بن أعين وابن عيينة.
الوجه الثاني: عبد الله بن طاوس وإبراهيم بن ميسرة كلاهما عن طاوس عن ابن عباس موقوفا. وهذا في الوجه الصحيح عن إبراهيم بن ميسرة أما عبد الله بن طاوس فلم يختلف عليه فيه كما سبق.
وعند النظر والتأمل في أصحاب طاوس هؤلاء نجدهم يختلفون في الضبط والإتقان لحديثه خاصة فأما إبراهيم بن ميسرة فقد كان أثبت هؤلاء وقد يدانيه عبد الله بن طاوس في الضبط لحديث أبيه قال سفيان بن عيينة: ((كان إبراهيم بن ميسرة من أصدق الناس وأوثقهم)) وقال أيضا: ((كان أي ابن ميسرة يحدث على اللفظ)).
وقال علي بن المديني: قلت لسفيان يعني ابن عيينة: أين كان حفظ إبراهيم بن ميسرة عن طاوس من حفظ ابن طاوس؟ قال: لو شئت قلت لك إني أقدم إبراهيم عليه في الحفظ فعلت. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: إبراهيم بن ميسرة عن طاوس أحب إليك أو ابن طاوس؟ قال: كلاهما. قال ابن أبي حاتم: يعني أنهما نظيران في الرواية عن طاوس [انظر التاريخ الكبير 1/ 328 والجرح والتعديل 2/ 133].
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس