عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-01-2008, 09:40 PM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي الشعر الجديد في تونس ـ 2 ـ

[FRAME="13 70"]الشعر الجديد في تونس ـ 2 ـ
سوف عبيد 12 يناير 2008

أبو القاسم الشابي في قصائد المنثورة

ما كادت سنوات العقد الثالث من القرن العشرين تستقر في تونس حتى أصبحت النصوص الشعرية المنشورة وقـتذاك تشتمل أشكال متنوعة من العمودي ، إلى الشعر المتحرر من النمطية العروضية ، إلى الشعر المنثور ذلك الذي اِقتبسه بعض الشعراء التونسيين من مدونة شعراء المهجر ومن الشعر الفرنسي خاصة و لكن لم يتجاوز المحاولات الفردية ومن حين إلى آخر فحسب ، ولقد كان أبو القاسم الشابي واعيا بتلك المسائل الشكلية في الشعر منذ البدايات الأولى له في النشر حيث أنه أرسل إلى صديقه محمد الحليوي في حاشية رسالته الثالثة قائلا خاصة :

( سألتني عن مجلة سعيد أبي بكر و هل أن الداعي إليها مادي أم فني و أنا لا أدري على التحقيق كيف أجيبك و بماذا أجيب إذ كل مبلغ العلم عندي هو أنه تولّى إدارتها الفنية أعني إدارة التحرير و أنه تسلم مني قطعة من الشعر المنثور عنوانها ـ الشاعر ـ تحت عنوان أكبر أود أن اكتب تحته مواضيع مختلفة إن ساعد الدهر و أشفق الله و هذا العنوان هو : صفحات من كتاب الوجود ـ و أعلم أنني رأيته يصحح ما طبع من المجلة و من بين ذلك قطعتي )

فنص الشابي الذي أدرجه تحت الشعر المنثور اعتبره ( قطعة) و تلك كلمة تدل على القصيدة أيضا و معنى هذا أن الشابي كان مدركا تماما للجنس الأدبي الجديد الذي سيواصل الكتابة فيه بعدئذ على صفحات مجلة (العالم الأدبي) التي كان يديرها زين العابدين السنوسي و هو الآخر يعتبر مثل سعيد أبي بكر من دعاة التجديد الأدبي و الفكري في الثلث الأول من القرن العشرين ، بل هو المحرك الفعلي للأدب التونسي الحديث في بعض الأحيان..

إن آثار الشابي في هذا النوع من الشعر لم تلق العناية بالجمع و الدرس مثلما تسنى لبقية آثاره الأخرى أن تحظى به و لعل السبب في ذلك راجع إلى اعتبار تلك القطع- حسب تسمية الشابي نفسه من الشعر المنثور- مجرد محاولات أولى سرعان ما تجاوزها إلى كتابة القصيد العمودي ثم هو نفسه لم يجمعها مع شعره في ديوانه أغاني الحياة فظلت مبثوثة في مصادرها الأولى و قلّما أشار إليها الدارسون باِعتبار صعوبة الوصول إلى تلك النصوص من ناحية و باِعتبار أن ذلك النوع من الشعر الجديد ، على تعدد مصطلحاته ، قد واجهته تحفظات شديدة لدى كثير من النقاد عل مدى فترة طويلة فالسكوت على نصوصه تلك في هذا النوع من الشعر ليس دائما موضوعيا أو لأسباب بريئة !!

في سنة 1984 و بمناسبة خمسينية الشابي صدرت الأعمال الكاملة للشابي و قد تضمنت في الجزء الثاني منها نصوص شعره المنثور التي أمكن الوصول إلى جمعها و لكن دون تحقيق و من دون أن توضع تحت عنوان الشعر المنثور.

القصيد الأول: أغنية الألم

صدّره الشابي بهذا التقديم قائلا فيه : ليس النحيب الذي يصدره القلب كالنحيب الذي تبدعه الشفاه و ليست الدمعة التي يرسلها الألم كالدمعة التي يسكبها الأمل

ثم يبدأ القصيد بهذا المدخل :

ما أروعك أيها الألم و ما أعذبك

أيتها المرارة التي ملأت أودية الحياة بصراخ الأسى

و أترعت كأس الدهور بغصات الدموع

أيتها الكف الهائلة التي حطمت على شفة القلب كأس الأمل

و أراقت بكهف الظلام خمر الحياة

أيها الهول الذي ترهبنا ملامحه و تخيفنا ذكراه

أية شفة ترنمت بأغاريد الحياة منذ البدء

و لم تغتسل بلهيب الحياة (…)

و يتواصل القصيد على هذا النسق في أربع فقرات متتالية تبدأ بنفس الصيغة تقريبا فالأولى تبدأ :

لنبحث أيتها الحياة

و تبدأ الفقرة الثانية :

لنركع أيتها الحياة

و تبدأ الفقرة الثالثة :

لنبحث أيتها الحياة

و تبدأ الفقرة الرابعة :

و لنقدس يا أيها الغاب المنتحب

و بين تلك الفقرات تتردد جملة ذات نسق تركيبي متشابه جاءت كالمفاصل أو الردهات التي تراوح و تربط بين الفقرات على هذا النحو:

و انتغن يا قلبي بأنشودة الأحزان المرة حتى الأبد

ثم تليها الفقرة الثانية :

و لنترنم يا قلبي بأغنية الآلام المرة حتى الأبد

ثم تجيء بعدها الفقرة الثالثة :

و لنرتل يا قلبي بسكون أغاني الأوجاع المرة

حتى الأبد

و أخيرا تصل الفقرة الرابعة و الأخيرة و في نهايتها الجملة الخاتمة :

و لنرتل يا قلبي الكئيب البائس نغمة الألم المرة المخضلة بالدموع

و لنرددها على مسمع الظلام حتى الموت.

فنلاحظ هذا التشابه في كل مرة من حيث أسلوب الأمر و النداء خاصة إلا أن الجملة تتحول و تتبدل ضمن نفس النسق من حيث المعاني المتشابهة و المترادفة في كلمات ( لنتغن و لنترنم و لنرتل) و كذلك بترديد قوله (يا قلبي) في كل مرة و ترديد قوله ( بأنشودة الأحزان المرة ) و(بأغنية الآلام المرة) و (بسكون أغاني الأوجاع)و (نغمة الألم المرة) مما يجعل الجملة لازمة تتكرر عند آخر كل فقرة قائمة أثناء حركات النص فهي تشبه إلى حد ما القافية التي تتشكل على وتيرتها أبيات القصيدة العمودية أو الغصن الذي يتكرر في فقرات الموشح على أن الجملة الأخيرة كانت تمثل الخاتمة حيث أمست كلمة (الأبد) التي تكررت سابقا كلمة (الموت) فهي قفلة هذا النص أو هي تمثل (الخرجة) بلغة الموشحات.

إن هذا النص الشعري (أغنية الألم) يمثل نسقا جديدا في التشكيل اللغوي الشعري عند الشابي يعتمد فيه مرة على الاستمرار و مرة على التكرار و مرة على التنوع و مرة أخرى على التبدل و لكن النص يبدو محكم البناء حيث انه يبدأ بمقدمة ثم تليها فقرات متماثلة تفضي الواحدة منها إلى الأخرى من خلال جملة فاصلة واصلة لتتمخض في النهاية و بعد حركات متصاعدة إلي الذروة ثم إلى السكون التام.

أما من حيث المضمون فهذا القصيد النثري قد ضم مدائح جليلة إلي مفاهيم كانت توصف بالمذمة فقد قلب الشابي المفاهيم السائدة مثل إتيانه معاني جديدة ما كانت تعرف ضمن العلاقات المعلومة القديمة بين الكلمات في سياقاتها الأدبية على هذا المنوال :

لم يرتشف من جدول الجحيم
الأجنة النارية
أنشودة الأحزان المرة
الأشعة الساحرة التي تنبت حول جداول الأيام
الزهور النارية المقدسة
الجفون المكحولة بالأوجاع
لنقدس أيها الغاب المنتحب
يا أيتها البحيرة الواجمة
يا أيها القلب المتلحف بالغصات و الدموع
على مسمع الظلام (..)
حيث نحا أبو القاسم الشابي في هذا القصيد النثري منحى جديدا في اللغة مستفيدا من المتن الرومنطيقي المهجري من ناحية و كذلك من النصوص المترجمة عن الأدب الأوروبي من ناحية أخرى لكنه محيلا على رموز الشعر العربي القديم في نفس الوقت عندما ذكر في قوله :

(
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس