عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-05-2013, 04:05 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

العدل يلجم الاستحواذ والاستبعاد

كما رأينا، لم تنحصر فكرة الميل الى الاستحواذ عند الأعرابي، ولم تكن فكرة الاستبعاد الاجتماعي محصورة بالأعرابي، بل كانت تمتد على مختلف قارات العالم، ولكنها تتجلى عند الأعرابي بصورة أكبر، وتزول بسرعة أكثر عنده أكثر من غيره من شعوب الأرض، عندما يسود العدل، لأن اكتناه العدل عند الأعرابي آتٍ بالفطرة، وعندما يرى أن غيره استحوذ على أكثر مما يستحقه (بالعدل)، فإن هذا الغير يصبح مستهدفاً من قبل الأعرابي، وسرقته وغشه وعدم الوفاء له يعتبر من الشجاعة.

من هنا تجلت صفات الأعراب الطيبة، عندما ساد العدل في صدر الإسلام، فلم يكن أحدهم بحاجة لقراءة كتب التفسير والفقه والوعظ وغيرها ليلبي دعوة الجهاد مثلاً، بل كان ينطلق بإيمانه المطلق بفكرة التحام العدل بالدين ليضحي بروحه في سبيل ما يطلبه منه ولي الأمر..

ولما كان العدل المطلق غير موجود إلا عند الله عز وجل وأنبيائه، فإنه كلما ابتعدت دولة ـ قديماً أو حديثاً ـ عن العدل، كلما ظهر الميل الى الاستحواذ والاستبعاد.

العدل يبدأ من الحاكم نفسه

يُعتبر الرسول الأكرم صلوات الله عليه أفضل من جسد فكرة العدل، فلم يظلم ابن ذمة ولم يظلم جاراً ولم يحابي أقاربه ولم يسعى للتشبه بالملوك والسلاطين في التمتع بممتلكات دولته، فكان محل رضا وقبول من حوله واعتراف خصومه قبل مؤيديه بالصفات الجليلة، وضرب مثلاً بقي حياً حتى اليوم في فتح مكة عندما قال ( اذهبوا فأنتم الطلقاء) لم ينتقم ممن أساءوا إليه وللمؤمنين بل تركهم ليكون ذلك نبراساً للتعامل مع الآخر، للتأثير فيه مستقبلاً وعدم ترك مجال الثأر ليأخذ دورته الأزلية بين المؤيدين والمعارضين.

وهكذا، فعل الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم، وما قاله الفارسي الذي وجد الفاروق نائماً في ظل متوسداً ذراعه دون حارس (حكمت فعدلت فأمنت فنمت).

ومن الطبيعي أن يكون نقاء العدل عند الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره من الخلفاء، وما حدث بسقيفة بني ساعدة، وما تلاه من فتن أتت لاجتهاد ربما يصيب في بعض الأماكن وربما يخطئ، وإصابته من عدمها ليس لها علاقة بالورع والإيمان، فقد انقسم المبشرون بالجنة في حربي صفين والجمل، ولا نستطيع أن نخطئ أحد الفريقين ضد الآخر، فمردهم الى الله.

لكن قراءات من اختلفوا تجاه ما اختلفوا عليه تذهب كلها الى مسألة عدم الرضا أو غياب العدل بنظر كلا الفريقين.

ماذا حل بالعدالة في مجتمعاتنا العربية اليوم؟

عندما تغيب العدالة ويحدث ارتباك في العلاقة بين التحديث والتمسك بالقديم، فإن انقسامات ستحدث في المجتمع: انقسام بين المجتمع والدولة. انقسام بين السياسة والاقتصاد. انقسام بين البنى التحتية والفوقية.

إن تراكب الطبقات وتواجد طبقات انتقالية ووسطية واسعة جدا يؤدي الى ضعف وزعزعة الأساس الاجتماعي الضروري لعملية خلق المواطن الحر المتسامي المنتمي لوطن. ويتعين شكل السلطة وفق العلاقة بين الاقتصاد والسياسة.

إن جوهر هذه المقولة هو أن تطور مؤسسات الدولة يسبق تطور العناصر الاجتماعية، وعندما يحدث خللٌ في مؤسسات الدولة يحدث معه صراع بين الأجزاء الخارجية الحديثة والداخلية التقليدية للسلطة الحاكمة، ويستحيل عندها الجمع السلمي بين المتناقضات الاجتماعية، فينتج عنه:

1ـ ميل لبناء منظومة الولاء للنظام على أساس الفساد واقتصاد الظل.

2ـ ازدياد ميول العنف والاستبداد لدى السلطة.

3ـ تعويض الشرعية المفقودة لمثل تلك الأنظمة من خلال رفع شعارات تعويضية لابتكار شرعية شكلية تخلق وَهَم النمو من خلال خطط وبرامج مرحلية ومشاريع تبجحية وزعم حول أهمية الدولة قوميا وعالميا وتربص أعداءٌ كُثر بها.

إن هذا المشهد، يجعل من يراقبونه من الخارج على استعدادٍ متواصل للدخول من أي ثغرة لإعادة إنتاج التخلف بأشكال مختلفة، فيتم بث عشرات الآلاف من الورشات التي تثير النعرات الطائفية والعرقية والجهوية، لجعل الصراع داخل المجتمع يُدوِّر نفسه باستمرار.

هذا القدر من الكلام سيمهد لنا الحديث عن انبعاث النزعات للاستحواذ والاستبعاد الاجتماعي تجاه هياكل المجتمعات المدنية الحديثة في العالم، أحزاب، نقابات، جمعيات خيرية وتعاونية، تجمعات إدارية أخرى كالبرلمانات والبلديات وغيرها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس