عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-02-2014, 03:11 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الإرادة العسكرية في إدارة الدولة

قالوا: المُلْك بالجُند، والجند بالمال والمال بالخَرَاج، والخَراج بالعمارة، والعمارة بالعدل.. وولي العدل الحاكم*1 وقالوا: لا جباية إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل وفي السياسة قالوا: بالعدل عمرت الأرض وقامت الممالك.

وكان أرسطو قد لخص ذلك بالقول: (الوطن بستان سياجه الدولة، والدولة سلطان تحيى به النفوس، والسُنة سياسة يسوسها الملك، والملك نظام يعضده الجند، والجند أعوان يكفلهم المال، والمال رزق تجمعه الرعية، والرعية عبيد يكتنفهم العدل، والعدل مألوف وبه قوام الوطن، وهو هكذا متصل ببعضه)*2

والجُند مصطلح يختلف عن العسكر، فالعسكر هم من يحترفون مهنة القتال ويقيمون في قلاع ومعسكرات ويتلقون رواتبهم وأرزاقهم من الدولة، أما الجُند فهم أُناسٌ يتم تجنيدهم في الحروب والقتال، ثم يعودون الى أعمالهم، الطبيب لعيادته والعامل لورشته والمزارع لحقله.

وقد مر على تطور تنظيم الجيوش في المناطق العربية والإسلامية ست مراحل حتى انتهت الى ما هي عليه الآن، ابتدأت المرحلة الأولى من عهد النبي صلوات الله عليه، وانتهت بنهاية العصر الأموي، فكانت القيادة مركزية بيد المركز وقيادات الجيوش(عربية صرفة) تُعين من الرسول أو الخليفة. ثم انتقلت الى شكلٍٍ آخر في العصر العباسي وامتدت الى نهاية حكم الأيوبيين بثنائية عرقية حدث من خلالها تمزيق مراكز القيادة والابتعاد عن الامتثال للخليفة. وفي المرحلة الثالثة: جاءت مع المماليك والعثمانيين لتكوّن حاميات أو قلاع تذود عن البلاد ولا تلتفت الى ما يجري في داخل البلاد. أما المراحل الثلاثة الأخيرة فكانت بعد التعرض للاستعمار الغربي ونيل الاستقلال. *3

في المراحل الثلاث الأولى، كان الحاكم (خليفة، أمير، سلطان) هو من يقود الجيوش، حتى نهاية حكم السلطان (سليمان القانوني)، وبعدها تُرك الأمر لقيادة متخصصة، قد تتحكم في مصير السلطان نفسه، لذلك نرى أن من بين سلاطين العثمانيين الستة والثلاثين، تم عزل أو اغتيال أربعة عشر سلطاناً منهم. وقد يكون هذا الأمر متبعا حتى في عصر العباسيين.

ممن يتكون عسكر اليوم؟

لم تختلف البلدان العربية والإسلامية كثيراً، عن الدول الأخرى في العالم من حيث النظرة الاجتماعية للمكانة التي يُشغلها كبار ضباط وقادة الجيش، فهي كانت حِكراً على أُسر الأشراف من السكان الإقطاعيين والبرجوازيين، وكان للفرسان في أوروبا مكانة عالية.

وقد انتبهت الكثير من الدول، لتنويع أفراد الجيش والقيادات، فكانت روما، مثلاً لا تبقي قائد الجيش إلا لسنة واحدة، ثم تصرفه خارج الجيش خوفا من الطمع في الحكم، حتى جاء يوليوس قيصر بعد أن احتل (الغال: فرنسا اليوم) واقتحم مجلس الشيوخ ونصب نفسه إمبراطوراً على روما..

في بلداننا العربية، بعد أن اعتمدت الدول الاستعمارية أسلوب تنصيب الأقليات (أكراد، أرمن، شركس الخ) في قيادات الجيوش، حتى لا يتعاطف أبناء القبائل مع شعبهم، جرى بعد نيل الاستقلال تنصيب أبناء من القبائل العربية المقيمة كقادة للجيش، وكان الدافع هو نيل رضا القبائل الكبيرة لكي تحمي أنظمة الحكم. ويمر الضباط بمراحل من التصفية حتى يترقى للرتب الأعلى من هو أكثر ولاء وإخلاصا للنظم الحاكمة، أما البقية فتنصرف لأعمال غير مؤثرة كثيراً، كالتموين والنقل ومؤسسات الخدمة الاستهلاكية وغيرها، أو يحالوا الى التقاعد بوقت مبكر.

لم يتذمر أحدٌ من ذلك، فقد يكتفي بما ناله من رعاية صحية وراتب تقاعدي واستفادة من خدمات استهلاكية وسكنية أو تنظيم إعارة لهم في دول تطلبهم الخ.

طموحات العسكر وأهدافهم

كون السُلطة والنظم تقوم بالاعتماد على قوة الجيش والتنظيمات الأمنية الأخرى، فإنه من الطبيعي أن تجتاح عناصر الجيش والأمن مشاعر تجعلهم وكأنهم أصحاب الأيدي العليا في حفظ الأنظمة، ولا بُد لهم من مكافئات تتناسب مع تلك الخدمة الهامة، وطالما أن رؤوس الأنظمة من ملوك وأمراء ورؤساء دول، يعرفون تلك الحقيقة، فإنهم يتعاملوا معها بمنتهى الحذر، فهم يغدقون من رعايتهم لقيادات تلك التنظيمات، ويبثوا العيون من حولهم في نفس الوقت ليتم التأكد والاطمئنان لولائهم. وتلجأ الأنظمة لحماية الأنظمة الأمنية، وتنص الدساتير في كثير من البلدان العربية على استثناء الكتل الأمنية من الملاحقة الإعلامية ومن كشف حساباتهم الخ.

وعندما تختل العلاقة بين رأس النظام وقيادات القوى العسكرية والأمنية، فإن مصير رؤوس الأنظمة لن يكون مأموناً (تركيا، مصر، العراق، سوريا، السودان، اليمن الخ) أمثلة واضحة.

ويُلاحظ المتابع لتطورات الأنظمة العربية، اقتران أسماء الرؤساء برتبة عسكرية (الزعيم فلان، العقيد فلان، الفريق فلان، المشير فلان الخ).

وتلجأ الأنظمة المرتبطة بالعسكر، لبث خطاب يعلن أنهم جاءوا بناءً على طلب الشعب، وأنهم قد اكتشفوا مؤامرات خارجية خطيرة، وأنهم لن يتهاونوا في ملاحقة المتآمرين والخارجين على القانون، ولن يسموا حركتهم في جميع الأحوال بأنها انقلاب بل تصحيح وثورة على المتآمرين.


كيف ينظر الشعب الى تحركات العسكر؟

الشعب له ثلاث مستويات من الدوائر المؤثرة، دائرة العلم (بحوث تطبيقية وبحوث سياسية وفكرية) وهي تلك الممثلة بالجامعات ومراكز الدراسات والمعاهد الأكاديمية العليا؛ ودائرة الفكر وهي التي تحول البحوث الى رؤى فكرية كالصحافة والكتاب والمثقفين والفنانين والمعلمين والإعلام الخ؛ ودائرة الثقافة الشعبية التي تتأثر بعناوين الأحداث دون فهمها فهماً جيداً، فتنجر وتتأثر بفجاجة وتغير مجرى الأحداث حسب قدرة المؤثرين فيها (حالة مصر نموذجا).

ولو أخذنا حالة توجه (السيسي) في مصر لترشيح نفسه، فإننا نلمس التفكك في القيادات الحزبية من شيوعيين وناصريين وأتباع حزب الوفد، وغيرهم، فعندما أعلن (حمدين صباحي) عن نيته في ترشيح نفسه، بادر أقطاب حزب الوفد للوقوف الى جانب (السيسي)، وهكذا سيفعل الآخرون. لماذا؟ لأنه ليس هناك ما يسمى بالبرنامج الوطني المتفق عليه كما حدث في الهند وجنوب إفريقيا.. وهكذا فسيجد الشعب من أنه لا مناص من انتخاب (السيسي)، وستدور الدائرة مرة أخرى.


هوامش
*1ـ ابن الأزرق/ بدائع السلك في طبائع الملك صفحة 59 [كُتب من التراث]
*2ـ ذكرها الطرطوشي وابن خلدون.
*3ـ فؤاد إسحق الخوري/ العسكر في البلدان العربية/لندن: دار الساقي 1990 [للتفصيل في الاطلاع على تلك المراحل]
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس