عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-07-2009, 01:23 PM   #39
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الجزء الخامس: خاتم البشر

27ـ في ملكوت الحرية

(( التاريخ بمعناه الدقيق، الذي يتحارب فيه الناس (الطبقات) فيما بينهم من أجل نيل الاعتراف، ويحاربون فيه ضد الطبيعة بالعمل، هو عند كارل ماركس [ ملكوت الضرورة Reich der Notwendigkeit] وبعده ملكوت الحرية حيث يعيش الناس (وقد اعترف بعضهم بالبعض دون تحفظات) دون صراع فيما بينهم، مع أقل قدرٍ من العمل))

ألكسندر كوجيف : (مقدمة لقراءة هيجل)

(1)

ابتدأ المؤلف تساؤله في أول الكتاب، عما إذا كانت الغاية من التاريخ وتطوره هي الوصول الى التقدم، وإذا كان هذا التقدم سيتمثل بالديمقراطية الليبرالية، والتي اتضح (من وجهة نظره) أنها كانت أفضل من منافستيها في القرن العشرين وهما الفاشية والشيوعية.

لكن المؤلف يعاود التحذير من أن الاستسلام والركون الى أن الديمقراطية الليبرالية هي الغاية النهائية، لا يخدم فكرة الديمقراطية الليبرالية واستقرارها، فأعدائها من نظم شمولية وقومية متعصبة ودينية (ثيوقراطية) لا يعرفون الرحمة وسيبقون يحاولون إعاقتها، ويفترض الكاتب أن الديمقراطية الليبرالية تستطيع في النهاية قهر هؤلاء الأعداء وجعل آثارهم منحسرة، فهل ستبقى محافظة على نفسها وعلى درجات تقدمها، أم أنها ستنهار كما انهارت الشيوعية والفاشية من داخلها؟

ويشير الكاتب أن الديمقراطية الليبرالية تعاني من مشكلات ليست سهلة كالبطالة والتلوث والمخدرات والجريمة وما شابه ذلك، فهل تكون نهاية الديمقراطية الليبرالية هي إيذانٌ باقتراب نهاية التاريخ؟

(2)

لقد حاول الكاتب بتسلسل كتابه أن يؤكد أن بناء التاريخ سار ويسير من خلال طريقين: الأول، تحكمه العلوم الطبيعية الحديثة ومنطق الرغبة في إشباع حاجات الإنسان، والثاني، يحكمه الصراع من أجل الاعتراف (ما أسماه الكاتب [الثيموس]).

وقد تم انتقاد الخط الليبرالي الديمقراطي من طرف جهتين: اليساريين، الذين لا يروا أن العدالة في إشباع الحاجات الإنسانية أو الاعتراف قد تحققتا في ظل النظام الليبرالي الديمقراطي. والجهة المنتقدة الثانية، هي اليمينيون الذين رأوا في أن العموميات في هذا النظام لم تحقق الاعتراف المتكافئ للبشر بشكل متساو.

رغم أن عدد اليساريين المنتقدين للنظام الليبرالي أكثر بكثير جدا من اليمينيين إلا أن انتقاداتهم أقل أهمية من انتقاد اليمينيين للنظام.

يناقش (فوكوياما) انتقادات اليمينيين بشكل مركز، على مسألة المساواة بين الناس، فيقول: أن تلك المسألة تنبع من عدم وجود قدرات طبيعية متكافئة بين الناس، فلا يمكن أن يكون أي شخص عازف بيانو (مثلا)، كما أنه لا يمكن أن يكون الشباب والفتيات بنفس القدر من الوسامة، مما سيجعل الأشخاص الأكثر وسامة (ذكور أو إناث) أكثر احتمالا للاقتران بأشخاص مهمين، وأكثر احتمالا لتبوء مراكز وظيفية أكثر أهمية، وهذا بالتأكيد سيقود الى تفاوت في جمع الثروات أكثر من غيرهم.

وقد اقترن السعي لدى القوى الرأسمالية بالهجوم المطرد على العلاقات الاجتماعية التقليدية المحضة، التي كانت تسود في المجتمعات الزراعية، لينتقلوا بالمجتمعات الى حالة طبقية أساسها المهارة والتعليم، وهذا بحد ذاته بدا وكأنه متناقض مع فكرة خلق الطبقة (الوسطى) المتشابهة لتتحقق المساواة (!).

(3)

يتكلم فوكوياما عن مظاهر تبدو فيها (عدم المساواة) واضحة، ويرد تلك المظاهر لنتائج الرأسمالية الليبرالية، ولم أجد سببا ـ لحد الآن ـ لزج تلك الأمثلة في هذه المقالة، ومن يتأمل فيها، سيظن أنها تم زجها في الكتاب من طرف يريد نسف فكرة الكتاب كاملة واستحالة ما يصبو إليه الكاتب.

يقول: في أحياء السود الفقيرة بالولايات المتحدة يبدو المستوى المنخفض للمدارس فيها، مما سيؤدي الى إنتاج خريجين أقل كفاءة وأقل حظوظا من غيرهم.

ويقول: بالرغم من قدرة الرأسمالية على خلق قدر هائل من الثروة، فستظل عاجزة عن إشباع الحاجة الإنسانية الى الاعتراف المتكافئ أو ما يسمى ب (الإيسوثيميا). فمع تقسيم العمل تظهر الاختلافات في مكانة كل من الأعمال المختلفة. وسيعامل عمال جمع القمامة والأوتوبيسات دائما باحترام أقل مما يناله جراحو المخ أو نجوم كرة القدم، وستكون معاملة العاطلين عن العمل أقل درجة من عمال جمع القمامة.

(4)

عرج الكاتب على التجارب السوفييتية والصينية والكمبودية (الشيوعيات)، والتي حاولت استئصال التمييز بين الناس، في الريف والمدينة وفي مختلف المهن، فمثلا [وهذه إضافة من عندنا] كانت نقابة موسكو تضم جراح الأعصاب والمهندس المعماري وجامع القمامة، انطلاقا من ضرورة كل مهنة للمجتمع.

لقد غمز الكاتب بتلك التجارب، باعترافه أنها حققت زوال الطبقات لكنها قتلت الإبداع، وهي في نظره تتنافى مع الحرية وحقوق الإنسان.

تعليق: الحرية وحقوق الإنسان، لا تعني إطلاق العنان للرغبات الإنسانية أن تتمدد على حساب الآخرين، كما حدث في الليبرالية الرأسمالية، كما أن معاملة الناس كأرقام (كما في التجربة الشيوعية) سيجعل الأفراد يركنون الى النمطية الساكنة، طالما أن التعليم والصحة والسكن والعمل تؤمن لكل مواطن دون اعتبار كبير للفوارق الإبداعية، وهذا ما جعل سيارة (موسكوفيتش) القوية تؤدي دورها بالنقل دون الاهتمام بمظهرها الفخم ودون تطوير قبضات الأبواب، وهذا ما جعل البضائع السوفييتية أقل رواجا من تلك المصنعة في الدول الرأسمالية.

وللتوفيق بين المنهجين (الاشتراكي والرأسمالي)، كان لا بد من الاستفادة من مبدأ العدالة العامة الذي ينشد حماية المواطن من جشع المستغلين، وبنفس الوقت مكافأة المبدعين وإعطائهم بدل إبداعهم ما يتلاءم مع إنجازاتهم، لا أن يكافأ المبدع في قضاء يومين أو أسبوع في المنتجعات الاشتراكية (عند السوفييت) ولا أن يكافأ المبدع بأن تجعل الأسواق والمستهلكين تحت خدمته ليأكلهم ويوجههم كما يشاء (عند الغرب الليبرالي).

(5)

لقد حاولت الديمقراطية الليبرالية أن تجعل من إطلاق الحريات وكأنها مكافأة للمواطنين الذين يقبلون بالمنهج الليبرالي، فتركت لهم حرية السفر وحرية التملك وحرية الزواج المثلي واللواط والإجهاض، الخ، فنتج عن ذلك تشويه للحريات وحقوق الإنسان، وتُرك المواطن ليسبح في خياله اللامحدود الى أن قاده الى الجريمة والشذوذ وتآكل بنيان الأسرة والمجتمع، واستبدال العلاقات غير الأسرية بالأسرية التي تحفظ المجتمع ك (بلوك) يتفق على قيم العدالة وحقوق الإنسان التي تتوافق مع مصالح المجتمع.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس