عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 02-08-2008, 02:57 PM   #6
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

كاتب الموضوع: عمار كاظم محمد - 24-04-2008


من أشعار فروغ فرخزاد



( الجزء الاول )







ترجمة :- عمار كاظم محمد



أحسّ أني خسرت عمري كله ، كان عليَّ أن أعرف أقل بكثير من خبرة السبعة والعشرين عاما ً، لعلّ السبب يكمن في أن حياتي لم تكن مضيئة ، فالحب ، وزواجي المضحك في السادسة عشرة زلزلا أركان حياتي. على الدوام لم يكن لي مرشد ، لم يربّني أحد فكرياً وروحيا ً. كل ما لدي هو مني ، وكل ما لم أحصل عليه كان بمقدوري امتلاكه لولا انحرافي وعدم معرفتي لنفسي . عراقيل الحياة منعتني من الوصول لكنني أريد أن‏ أبدأ ..‏



تلك هي قصة الشاعرة الايرانية الراحلة فروغ فرخزاد التي ولدت في الخامس من كانون الثاني من عام 1935 من عائلةٍ كبيرةٍ وهي الثالثة بين سبعة أولاد. بعد تخرجها من مدرسة الأحداث العليا انتقلت إلى مدرسةٍ فنية لدراسة الرسم والخياطة ولم تنهِ المرحلة الثانوية.



كانت تبلغ السادسة عشرة عندما تزوجت من بارفيز شابور، أحد أقربائها البعيدين وهو حفيد خالة والدتها. وخلافاً لما هو الحال عند ابنتي الجيل السابق طاهرة قرة العين وبارفن اعتصامي بزواجهما التقليدي، تزوجت فروغ فرخزاد من رجلٍ وقعت بحبه. وبعد عام ولد طفلهما الأول والوحيد وهو صبي أسموه كاميار. صدرت مجموعة فرخزاد الشعرية الأولى تحت عنوان "الأسيرة" The Captive عام 1955 وتحتوي على أربعٍ وأربعين قصيدة تتحدث عن قصة امرأةٍ محبطةٍ وعن شعورها بالقيود في حياتها. وعنوان المجموعة بحد ذاته يشير إلى إحساسها بالتورط واليأس. شخصية "الأسيرة" الشعرية هي امرأة شابة مضطربة تقضي وقتاً مريراً تصوغ فيه هويةً لنفسها وتقع بحيرةٍ بين مطالب المرأة -الزوجة والأم التي، على ما يبدو، أنها تتناقض مع مطالب الشاعرة المستقلة



بعد ثلاث سنواتٍ من الزواج، قررت فرخزاد أن تترك زوجها رغم الصعوبات الاجتماعية والنفسية والمادية العديدة المترتبة على ذلك. وبكثيرٍ من الألم والحزن خسرت الحضانة الدائمة لطفلها الوحيد حتى إنها حُرِمَت من حقوق الزيارة. وفي أيلول من عام 1955 عانت من انهيارٍ عصبي وأُخِذَت إلى عيادةٍ نفسية حيث بقيت تتعالج لمدة شهر. وبعد عام من ذلك، أي في عام 1956 نُشِرَت مجموعتها الشعرية الثانية "ديفار" Divar أو The Wall وتعني "الجدار" وهي مهداةٌ إلى زوجها سابقاً.‏
"في ذكرى ماضينا المشترك آملةً أن تكون هذه الهدية التي لا قيمة لها رمزَ امتناني للطفه الذي لا حدود له".



‏ وبعد أقلّ من عام صدر كتابها الثالث "عصيان" Esian أو Rebellion وأثبت فعلاً أنها شاعرةٌ ذات مستقبلٍ واعد، لكن في الوقت نفسه رديئة السمعة بالنسبة لتقاليد مجتمعها. وفي قصائد هاتين المجموعتين البالغة اثنتين وأربعين قصيدة يلاحظ المرء شعوراً أقوى وأكبر باستقلالية الشاعرة فهي تنتقد مجتمعها بقسوة ولا سيما ظلمه للمرأة. إنّ شعوراً بالحنق والغضب يشكّل الدافع لكتابة الكثير من قصائد هذه الفترة. ‏
تمتلك فرخزاد شواهدَ كثيرةً على موهبتها وطاقتها؛ فما كادت تبلغ الرابعة والعشرين وقد أصدرت ثلاث مجموعاتً شعرية حتى نمّت اهتماماتٍ جديدة في التصوير السينمائي والتمثيل والإخراج. ففي عام 1962 أنجزت فيلماً وثائقياً عن مستعمرة مجذومين تحت عنوان "البيت أسود" (The House is Black) وقد لاقى الفيلم نجاحاً عالمياً وفاز بجوائز عدة. بينما تم نشر مجموعتها الشعرية الرابعة التي جاءت تحت عنوان ( ولادة أخرى ( another Birth في عام 1964. وبما أنّ الذاتي والخاص يشكلان خلفيةً دائمةً لشعر فرخزاد، فإنّ قصيدة (ميلاد آخر) تحتفي بميلاد أنثى تتمتع بحقوقها الجديدة كمقاتلة ناضلت من أجل كل خطوة في طريقها إلى الحرية؛ فهي تصبح أنموذجها الخاص وتخلق ذاتها بالصورة التي تريدها منها ميولها وطموحاتها الخاصة. ميلادها الجديد يمثل ميلاداً ذاتياً حقاً:‏



فارقت فرخزاد الحياة وهي في قمة إبداعها ولم تكن قد تجاوزت الثانية والثلاثين من عمرها إثر إصاباتٍ في الرأس في حادث سير في الرابع عشر من شباط عام 1967 فبينما كانت تحاول أن تتجنب عربةً قادمةً، اصطدمت بجدارٍ وانطرحت خارج سيارتها. ومن سخرية القدر هو أنّ هذه المرأة التي تجنبت الجدران وفرت منها طيلة عمرها قتلها في نهاية المطاف جدار.







القصــــــائـــــــــد






هدية



سأنطق من أعماق الليل



من أعماق الظلمة



ومن أعماق الليل سأنطق



إذا أردت أن تأتي إلى بيتي يا صديق



فاجلب لي مصباح ونافذة



استطيع أن انظر من خلالهما



إلى الزحام في الزقاق السعيد .



ستأخذنا الريح



في ليلتي الصغيرة , آه



الريح على موعد مع أوراق الأشجار



في ليلتي الصغيرة هناك الم الدمار



فلتصغي



هل تسمع عصف الظلمة ؟



أنا أعتبر هذه السعادة كشيء غريب



وأدمن يأسي



أصغي



هل تسمع عصف الظلمة ؟



شيء ما يمر في الليل



القمر مضطرب وأحمر



وفوق هذي السطوح



حيث قطع غيوم الخوف المتواصلة



مثل نائحين



يبدون كما لو أنهم بانتظار لحظة المطر



لحظة



ومن ثم لاشيء .



الليل يرتجف خلف هذه النافذة



ورياح الأرض تكاد أن تتوقف



خلف هذه النافذة



شيء ما مجهول يراقبنا أنت وأنا



أيها الأخضر من الرأس حد القدم



ضع يديك مثل ذكرى محترقة



في يدي العاشقتين



وامنح شفاهك أن تداعب



شفاهي العاشقة



مثل إحساس دافئ بالوجود



فالريح ستأخذنا



الريح ستأخذنا .







حافة الجدران



والآن , ثانية في سكون الليل



شقوق الجدران , حافة الجدران



مثل أشجار متشابكة



ربما تكون حراسا لحبي



والآن , ثانية شياطين المدينة تلغط



مثل مدارس مضطربة للمتصيدين



تتفادى حزني المتطرف



والآن , ثانية النوافذ تعيد اكتشاف نفسها



في متعة الاتصال بعطور منتشرة



والأشجار الهادئة في البساتين



تسقط لحائها وأغصانها



عند مداخلها الألف



وهي تتنسم ضوء القمر







* * *



والآن



تعال بقربي



واستمع



لنبض الحزن في حبي



الذي ينتشر



مثل قرع طبول افريقية



على طول قبيلة في أوصالي



أحس



اعرف



أي لحظة



هي لحظة الصلاة







والآن النجوم



عشاق



في ملاذ الليل



من النسيم العميق انبعثت



وفي ملاذ الليل



بجنون وقعت هكذا



بضفائري الغزيرة



في يديك



وأنا أقدم لك زهورا استوائية



من فلك هذا الشباب .







تعال معي



تعال إلى تلك النجمة معي



لأن القرون تمضي



من هذه الأرض متشبثة بمقاييس اللاجدوى



و لا احد هناك



يخاف من الضوء.







سأتنفس على جزر تطفو على المياه



وابحث عن نصيب في السماء الغالية



خالية من عنجهية الأفكار التافهة .







ارجع إلي



ارجع إلي



إلى مصدر كل الوجود



إلى المصدر المقدس للأصل الفريد



إلى لحظة خلقتها معك



ارجع إلي



فانا لا اكتمل الا منك .







والآن



على قمة صدري



تطير الحمامات



الآن



على سطح شفاهي قبلات الفراشات



تتعمد بأفكار الطيران



الآن



مذبح جسدي



مستعد لعبادة الحب



ارجع إلي



فليس لي طاقة للكلام



لأنني احبك



لأن عبارة " أنا احبك "



من عالم العبث



ومن القدم والإسهاب



ارجع إلي



فليس لي طاقة للكلام







في ملاذ الليل دعني اعشق القمر



دعني أمتلئ



بقطرات المطر الرقيقة



بالقلوب اليافعة



بالكتاب الذي لم يكتب



دعني أمتلئ



فربما يكون حبي مهدا



لولادة مسيح آخر .







الدمية الآلية



أكثر من هذا ، نعم



أكثر من هذا يستطيع المر أن يبقى صامتا



بنظرة ثابتة



مثل الأموات



يستطيع المرء أن يحدق لساعات طويلة



في الدخان المنبعث من سيكارة



في شكل الكوب



في الزهرة الذابلة على البساط



في الشعار الباهت على الجدار



يستطيع المرء أن يزيح الستائر



بأصابع متغضنة ويراقب



المطر يتساقط بغزارة في الزقاق



طفل يقف عند المدخل



ممسكا بطائراته الورقية الملونة



عربة هزيلة تغادر الساحة المهجورة



محدثة ضوضاء في اندفاعها







المرء يستطيع أن يقف بلا حراك



قرب الستائر – أعمى , أطرش







يستطيع المرء أن يصرخ



بصوت شكلي نوعا ما , ضئيل نوعا ما



" أنا أحب ........"



في الرجال أذرعهم المستبدة







يستطيع المرء أن يكون معافى ، أنثى جميلة



بجسم مثل جلد السماط



بنهدين كبيرين وصلبين



في الفراش مع سكير , مجنون , متشرد



يستطيع المرء أن يلوث براءة الحب .







يستطيع المرء أن يهين بمكر



كل الأسرار الغامضة



يستطيع المرء أن يستمر في حل الكلمات المتقاطعة



سعيدا باكتشاف الأجوبة السخيفة



نعم , أجوبة سخيفة من خمسة أو ستة حروف .







برأس منحن , يستطيع المرء



أن يجثو طوال حياته قبل برودة العذاب المغطى في القبر



يستطيع المرء أن يجد الله في قبر مجهول



يستطيع المرء أن يتاجر بإيمانه من اجل مال تافه



يستطيع المرء أن يتهرأ في زاوية مسجد



مثل حكواتي قديم لابتهالات حاج



يستطيع المرء أن يكون ثابتا كالصفر



سواء أضيف أو طرح أو ضرب



يستطيع المرء فيك – في عينيك حتى



في غضبهما



كحفرتين منطفئتين في وقت التعب



يستطيع المرء أن يجف في حوضه كالماء .







يستطيع المر ء بخجل أن يخفي جمال اللحظات التي قضيناها معا



في أعماق صدره



مثل لقطة فوتوغرافية قديمة ومضحكة



في الأيام الفارغة الشكل يستطيع المرء أن يظهر



صورة ألإعدام , الصلب أو الشهادة .



يستطيع المرء أن يغطي شق الجدار بغطاء



يستطيع المرء أن يتمادى في خيالاته بخداع أكثر من هذا .







يستطيع المرء أن يكون مثل دمية آلية



وينظر إلى العالم بعينين من زجاج



يستطيع المرء أن يعيش لسنوات في كذب وبهرجة



جسد ممتلئ بالتبن



في داخل قبعة في صندوق



لكل لمسة شيقة



بلا سبب دائما



يستطيع المرء أن يطلق صرخة



آه , سعيد جدا ,



هل أنا كذلك ؟







جمعــــــة



جمعة هادئة



جمعة مهجورة



جمعة حزينة كالأزقة القديمة



جمعة للأفكار المزعجة الكسولة



جمعة للتمطيات المتعرجة المؤذية



جمعة ليست للحدس



جمعة للخضوع



بيت خال



بيت موحش



بيت مغلق ضد طيش الشباب



بيت للظلام وفانتازيا الشمس



بيت للوحدة ، للتنبؤ والتردد



بيت للستائر ، الكتب ، الخزانات ، الصور



آه كيف أزهرت حياتي بصمت وسكون



مثل جدول يجري عميقا



في قلب صمت كهذا ، جمعة مهجورة



في قلب بيوت خالية من المتعة



آه كيف أزهرت حياتي بصمت وسكون .
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس