الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 10-02-2006, 04:27 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(2)

لم يكن هذا ، الا أول يوم يلتحق به بالعمل ، بعد تخرجه من الجامعة . وعندما يكون الأمر كذلك ، فعليك تخيل ، ذلك الحجم من الاختلاجات التي تعتور كيانه ، فالعمل بحد ذاته هو محطة هامة من محطات حياة الانسان ، فهو كلحظة القبول بالجامعة ، او كلحظة قرار الدخول بليلة الدخلة عند العريس !!

منذ تلقيه ، قرار تعيينه ، وهو يعد لذلك اليوم بالالتحاق بالعمل ، ويرسم صورا قد يستعين بوضع إحداثياتها من خلال ، قصص بعض الأصدقاء ، أو الصحافة أو الأعمال الدرامية التلفزيونية ، لكن كل ذلك لن يسعفه في تكوين شخصيته الوظيفية .. تماما كما هي أخبار العرسان الذين يسبقوا غيرهم .. تبقى قصصهم بلا قيمة ، في حالة التنفيذ ..

لبس أفضل ما لديه من ملابس ، وتعطر ، وأخذت أنفاسه تتناغم مع أحلامه وكيفية طرقه للادخار ، وماذا سيوفر ، وكيف ، وكم يعطي أهله من راتبه .. ومتى سيخطط للزواج ، ثم يعود ، فيستريح من تراكض تلك الأحلام ليعد نفسه للحظات تسلم العمل الأولى ..

بعد أن أبرز أوراقه للديوان ، وبعدما أشارت له الموظفة المسئولة ، الى الغرفة أو القاعة التي سيداوم بها .. طرق الباب طرقات خفيفة مرتبكة ، دخل فحيا بتحية يبدو من ظاهرها الشجاعة ، ولكن تلك الشجاعة كانت شفافة بعض الشيء ، لدرجة أنها كشفت بعض ارتباكه ..

كان في الغرفة موظفتان وموظف .. صمتوا من حديثهم عندما دخل ، ليردوا على تحيته بخفوت ، وكعادة كل موظفي الدوائر الحكومية ، تكون الأقلام مفتوحة ومصوبة نحو أوراق مفتوحة ، لكن العمل يتم بالكلام بين مجموع الموظفين ، أما الأوراق والأقلام ، فهي جزء ظاهري من الوصف العام لحالة العمل أو اللاعمل الحكومي .

وعندما أبرز أوراقه أشار اليه الموظف بيده ليتجه الى موظفة لا يميزها عن غيرها ، الا أن على منضدتها جهاز هاتف .. أطرق قليلا ثم اتجه الى الموظفة ، فتناولت أوراقه منه ، ولم تطلب منه الجلوس ، ولكنها تركته واقفا ، فتخيل أن موجات أشعة نظر الآخرين اخترقت ركبتيه .. هنا طلبت منه الموظفة الجلوس ، فجلس على وجه السرعة ، كأنه يريد أن يتخلص من تثبيت نظرات الموظف والموظفة الآخرين ..

حاول أن يجيب على أسئلة لم تطرح عليه ، ليخرج من حالة الصمت والترقب التي لم يكن قد تدرب عليها ، لكن أحد لم يسأله . تمنى لو كان يدخن ليشتت هذا الموقف .. لكنه لم يكن من المدخنين ..

لم يطل انتظار من في الغرفة كثيرا ، فهم قد مروا بتلك اللحظات ، الا هو .. فطلب الموظف من الموظفة ان تكمل حديثها ، الذي سبق دخول الموظف ، فأدرك صاحبنا أن الفرج قد أتى ، ولم تكن انشدادتهم ، أكثر من التعبير عن شعورهم بالازعاج من طرفه ، كونه قطع حديثهم !

هوت صور الرهبة مرة واحدة ، خصوصا بعد أن بلغته الموظفة التي كانت تقرأ بأوراقه ، بأن كل أموره تمام .. من خلال ابتسامة مصطنعة ، مع عبارة أهلا وسهلا ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس