عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-06-2010, 12:45 PM   #19
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل السادس: المجتمع المدني والتنظيمات الوسيطة

الجمهورية الأرستقراطية

يربط المؤلف (جون إهرنبرغ) وحدات كتابه بعناية فائقة، متجولاً بين مفكري أوروبا بشكل متتابع لكل مفكر ومتجادل مع من سبقه، ليصل في نهاية كتابه الى رسالته التي أراد الوصول إليها من خلال كتابه.

يتحدث المؤلف في هذا الباب من هذا الفصل، عن (شارل لوي دي سيكوندا: المعروف باسم مونتسكيو) والمولود في جنوب غرب فرنسا قرب (بوردو) عام 1689، والذي يُعتبر أول داعية بوضوح لمسألة (فصل السلطات)

(1)

كان مونتسكيو ابن القاضي، ورئيس المحكمة البرلمانية، مثقفاً ساخراً، يميل للتورية في كتاباته، فهو ابن عائلة برجوازية قريبة من البلاط الفرنسي. كان يريد تقديم النصح للملك الفرنسي، ولكن بطريقة غير مباشرة، وكان معجباً بالنتائج التي أسفرت عنها الثورة الإنجليزية، حاله حال كثير من فلاسفة عصر التنوير.

بدا لمونتسكيو أن النظام الاجتماعي المتسامح والمرن في إنجلترا قد أنهى قرناً صاخباً من دون السقوط في مهاوي التطرف والاستبداد أو الفوضى. فقد تأسس في إنجلترا مجتمعٌ مقسمٌ الى ثلاث طبقات: الملك والنبلاء والعامة، وكلها تتبع لمؤسسات العرش: مجلس اللوردات ومجلس العموم. وهذا قد جسَد بضم الواحد، والقلة، والكثرة في دستور سعيد وحكيم. كانت الدولة والمجتمع واحداً؛ والنشاط الاقتصادي والسلطة السياسية يحددان بعضهما بعضاً، على نحو متبادل، ففقدت الأرستقراطية دورها المهيمن ولكنها لم تتعرض للتدمير.

لقد برَّرت الأرستقراطية، على الدوام، احتكارها الأرض بالقول إنه ما دامت سلطتها وملكيتها مستقلتين عن كل من إرادة الملك وانفعالات الرعاع، فإنها الطبقة الوحيدة القادرة على التوسط بينهما.

(2)

مَيَّز مونتسكيو بين ثلاثة أشكال من الحكومات: الحكومة الجمهورية التي يمسك زمام السلطة فيها جميع الناس (الديمقراطية)، أو أن عوائل معينة (أرستقراطية) تمسك بسلطة السيادة؛ أو الحكومة الملكية التي يمسك فيها الأمير بزمام السلطة، ولكنه يمارسها طِبقاً لقوانين راسخة؛ وحكومة الاستبداد وهي فساد النظام الملكي الذي لا يحكمه قانون، إنما أهواء الأمير ونزواته هي التي تسيره.

وأفضل وصف للاستبداد هو أنه مَلَكية من دون الهيئات الوسيطة للأرستقراطية؛ (إذا أنت ألغيت صلاحيات اللوردات، ورجال الدين، والنبلاء، والبلدات في نظام ملكي، فسرعان ما سيكون لك دولة شعبية، أو دولة استبدادية)*1

وإن الحرية تقتضي تقسيم السلطة وتوزيعها عن طريق مؤسسات جمهورية أرستقراطية: (تشكل السلطات الوسيطة، والخاضعة، والتابعة، طبيعة أي حكومة ملكية، أي طبيعة الحكومة التي يحكم فيها واحد أوحَد اعتماداً على قوانين أساسية. وأقول سلطات وسيطة، وتابعة؛ لكن الواقع أن الأمير، في نظام ملكي، يكون مصدر السلطة السياسية والمدنية بأسرها.)

(إن السلطة الطبيعية، الوسيطة، الخاضعة، هي سلطة النبلاء. فطبقة النبلاء تمثل، بطريقة ما، جوهر النظام الملكي، الذي تقول بديهيته الأساسية: لا ملكية من دون نبلاء، ولا نبلاء من دون ملكية، فمن غير ذلك سيكون هناك مستبد أوحد)*2

(3)

رأى مونتسكيو أن الأنظمة الملكية أكثر استقراراً من أنظمة الاستبداد؛ وذلك لأن هيئاتها الوسيطة تمكنها من تشكيل علاقات منفعة متبادلة بين الملك والنبلاء. ويقتضي هذا توزيع السلطة السياسية طبقا للمكانة الاجتماعية والثروة.

لن يشعر المستبد دائما بالرضا، لكن ملكاً حكيماً يتفهم أن الحفاظ على الامتياز المحلي والتفاوتات الاجتماعية هو أمر جوهري لسلامة الدولة برمتها.

المستبد هو الرجل الخاص الذي ارتقى الى سدة القيادة العامة؛ وهو لا يستطيع أن يحكم مملكة مستقرة لأنه لا يعرف غير رغباته الخاصة، ولا يمكن أن يسمح بقيام مراكز أخرى للسلطة. أما المَلِك، الذي يعرف كل مقاطعة من مقاطعاته، فيمكن أن يضع قوانين متنوعة، وأن يجيز أعرافاً مختلفة.

إن الاستبداد الذي يسوِّي الجميع في مرتبة واحدة خصم لدود للتحرر والاستقرار، لأنه يهاجم التراتبيات التي تسند قاعدة الحكم المعتدل والمسئول.

وهكذا عندما يجعل الإنسان من نفسه مستبداً بلا حدود، تكون فكرته الأولى أن يبسط القوانين. وفي هذه الدول، ينشغل المستبد بإقامة العوائق الجزئية أكثر من انشغاله بحرية رعاياه*3

(4)

البشر متساوون في الحكومة الجمهورية؛ وهم متساوون لدى الحكومات المستبدة؛ في الأولى لأنهم كل شيء، وفي الثانية لأنهم لا شيء.

يطرح مونتسكيو فكرة (مجتمع المجتمعات) أي إقامة فدرالية الهيئات الوسيطة التي تستطيع أن تخدم التحرر بتقييد كل من السلطة التنفيذية وعنف الدهماء. والدولة المختلطة المتشكلة على هذا النحو ستجمع الفضيلة المدنية للنظام الجمهوري مع السلطة الخارجية للنظام الملكي، وهي تقاوم التحلل الداخلي والغزو الأجنبي.

ويميل بل ينحاز مونتسكيو في التنظيمات الوسيطة الى تأسيس مجلسين تشريعيين: (هناك دائماً، في دولة معينة، بعض الناس يتميزون بقوتهم أو ثروتهم أو شرفهم، لكنهم إذا اختلطوا بين الناس، وإذا كان لهم صوت واحد مثل الآخرين، فإن الحرية العامة ستكون استعباداً لهم، ولن تكون لهم مصلحة في الدفاع عنها، ذلك أن أغلب القرارات ستكون ضدهم. ولذلك، فإن دورهم في التشريع يلزم أن يكون بمقدار ما لهم من ميزات، وهو أمرٌ سيحدث إذا ما شكلوا هيئة لها حق في فحص مشروعات الشعب، مثلما أن للشعب الحق في فحص مشروعاتهم.

من الواضح أن لتلك الأفكار أهميتها حتى في عصرنا الحاضر، فمجلس الشيوخ في أمريكا مع مجلس النواب ومجلس الأعيان (في الأردن مثلاً) محاذي لمجلس النواب، وفي كل البلدان التي لها تجارب ديمقراطية معينة، والأصل في تسمية الشيوخ والأعيان و (التشريعي في مصر) كان اسمها (مجلس الملك). حيث عندما أُعطي الحق للشعب في اختيار ممثليه فإن للملك الحق في اختيار ممثليه باعتباره (مؤسسة العرش أو الحكم).




هوامش من تهميش المؤلف

*1ـ روح الشرائع/ مونتسكيو/ كمبردج 1989 ص 18( التهميش مُتَرْجَم).
*2ـ المصدر نفسه.
*3ـ نفس المصدر صفحة 74.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس