عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-06-2008, 01:44 PM   #15
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ابن طُفيل

هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن احمد بن طُفيل القيسي، يرجع الى أصل عربي خالص، الى قيس بن عيلان بن مُضر من العرب المستعربة الشمالية ويُنسب أيضا فيقال الأندلسي والقرطبي والأشبيلي وأحيانا قليلة كان ينادى بأبي جعفر.

ولادته

ولد ابن طفيل في وادي (آش) وتسمى اليوم (Guadix) على مسافة 57كم في الشمال الشرقي من (قرطبة) ويعتقد أنه ولد في السنوات العشر الأولى من القرن الثاني عشر الميلادي، أي بين 495و 505هجرية. وتوفي سنة 581هـ/ 1185م. في مدينة مراكش ودفن فيها.

شيوخه واهتماماته

المصدر الأهم للمعلومات عن ابن طفيل، هو (عبد الواحد المراكشي) في كتابه (المعجب في تلخيص أخبار المغرب). فيذكر فيه أن ابن طفيل قد تتلمذ على يد (ابن باجة)، إلا أن ابن طفيل نفسه ينكر ذلك من خلال ما فهمه المتخصصون في قراءة (حي بن يقظان) إذ ينتقده.

اهتم ابن طفيل بعلوم شتى، فهناك من تناوله كطبيب وهناك من تناوله كفقيه وهناك من اعتبره كاتبا هاما في الدولة، وهناك من تناوله كعالم فلك، وقد يكون كل هؤلاء محقين في نظراتهم نحو الرجل فقد كانت كتاباته في مختلف المجالات تدلل على درايته فيما يكتب، فكان ينتقد فلاسفة المشرق (ابن سينا والغزالي والفارابي) ولم يستثني حتى أرسطو. وكان طبيبا بارعا. وقيل أنه كان يحفظ صحيح البخاري عن ظهر قلب. وذكر (ابن خلكان) عنه أنه كان يجالس (أبي يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي القيسي) سلطان الموحدين في بلاد المغرب والأندلس المشهور بسعة علمه، فهو العارف بأخبار العرب وأحفظهم لأيامها في الجاهلية والإسلام وكان يحفظ القرآن الكريم ويجمع بين الحكمة والفقه والفطنة، فكان ابن طفيل أكثر من يلازمه في خلواته.

مؤلفات ابن طفيل

كان ابن طفيل شاعرا شعره متوسط الجودة، وقد روى ابنه (يحيى) أشعاره فأوردها (المراكشي في كتابه المعجب ) وله مؤلفات في الطب، حيث ذكر لسان الدين ابن الخطيب أن له مؤلفان في الطب منها (أرجوزة في الطب). وله مؤلفات في الفلك حيث شرح كتاب (الآثار العلوية) لأرسطو، ولم يكن راضيا عن نظام بطليموس في الفلك فاقترح نظاما جديدا.

فلسفته

أفضل ما يبين فلسفة ابن طفيل هو كتابه الذي يأخذ شكل قصة فلسفية عميقة والمعروف باسم (حي بن يقظان) يقصها وكأنه لا دخل له في تسيير أحداث القصة، لكنه من خلال سرد بداياتها الى التساؤلات التي يتساءل بها أبطال القصة يفرز فلسفته كاملة، ويبين رأيه بأسلوب لم يسبقه عليه أحد.

تلخيص قصة حي بن يقظان

يتخيل ابن طفيل أن أحدا سأله عن أسرار الحكمة المشرقية كما يراها (ابن سينا) فيحكي له قصة (حي بن يقظان)، ويذكر احتمالين لنشأة حي بن يقظان، فيقول بالاحتمال الأول أنه خُلق من الطين مباشرة، والاحتمال الثاني (وهو الذي سنلخص ما قاله بشأنه تاركين الاحتمال الأول)
يقول أنه في جزيرة صغيرة من جزائر الهند، مجاورة لجزيرة كبيرة مأهولة يملكها رجل من أصحاب الأنفة والغيرة، كانت له أخت ذات جمال وحسن باهر، فمنعها الأزواج لأنه لم يجد لها كفؤا. وكان لها قريب اسمه (يقظان) فتزوجها سرا ثم أنها حملت منه ووضعت طفلا. فلما خافت أن يفتضح أمرها وضعته في تابوت وخرجت به الى الساحل وقذفته بالبحر، فدفعته الأمواج الى الجزيرة الصغيرة.

لما جاع الطفل، بكى واستغاث، فسمعته ظبية فقدت وليدها، فأخذته وألقمته حلمتها وأروته لبنا سائغا. وما زالت تتعهده وتدفع عنه الأذى، وعندما ظهرت أسنانه كانت تحمله الى الأشجار ليلتقط من ثمارها الساقطة ما يسد جوعه.

كان الطفل يحاكي صوت الظبية ثم أخذ يحاكي أصوات الطير والحيوانات حتى ألفته كل الحيوانات. غير أنه رأى أن جميع الحيوانات مكسو بالوبر أو الشعر أو الريش، ومنها ما له قرون أو أنياب قوي البطش، فتأمل بذلك وكان عمره قرابة سبع أعوام. فنازعته أفكار ليغطي نفسه بالريش أو يجعل لنفسه ذيلا أو قرونا. وصادف أنه وجد نسرا ميتا، فأخذ جناحيه وعلقهما على ذراعيه وثبت ذيله، فاكتسب هيبة في الغابة وما زالت أمه (الظبية) ترافقه حتى أعوامه السبعة.

هزلت أمه وماتت، فسكنت كل حركاتها، فلما رآها جزع جزعا شديدا، فناداها ولم تجبه، وحاول استطلاع سبب ما جرى لها فلم يهتد. فظل يفتش في كل أعضائها الى أن اهتدى أخيرا الى عضو في الجانب الأيسر من الصدر وهو (القلب). فظل يقلبه ويفحصه فلم يعثر على آفة. فاعتقد أن الساكن في هذا البيت قد ارتحل قبل انهدامه وتركه بحاله. فتبين له أن الجسد كله خسيس لا قدر له بالإضافة الى ذلك الشيء الذي سكنه ثم ارتحل. هنالك فكر: ما هو ذلك الراحل؟ وماذا ربطه بالجسد؟ وما السبب الذي أزعجه إن كان خرج كارها؟

ويتسلسل ابن طُفيل بالتساؤلات التي ينسبها لبطل قصته (حي بن يقظان) فيسأل عن النار (بعد مشاهدتها) ويتساءل هل هي الشيء الذي كان يسكن في جوف أمه؟ ثم يتساءل عن أمر النجوم والكواكب ،ثم ينتقل الى سؤال أكثر خطورة، إذ أن وراء كل تلك الظواهر هناك فاعل لا نراه هو من يحركها ويبث فيها الحياة.

ثم يبتكر ابن طفيل نمطا جديدا من الحبكة القصصية، فيدخل (ملة) أصلها من ملل (الأنبياء) تدخل الجزيرة التي بها (حي بن يقظان) .. فيختار (بطلين) آخرين أحدهما اسمه (أبسال) والثاني (سلامان).. فأعطى لأبسال دورا يمثل العابد المؤمن (القارئ المصلي) ويجعل حي بن يقظان يتبعه و أبسال يهرب منه متوجسا خيفة منه، حتى يلين قلب أبسال فيعلم (حي) اللغة البشرية والدور الإلهي ويجيبه عن تساؤلاته (بربط فلسفي عميق)

تأثير قصة حي بن يقظان في أوروبا

يذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي (مؤلف الموسوعة الفلسفية) بأن هناك مسألتان تثيران الحيرة. أولاهما أن الأب اليسوعي (Baltazar Gracian) نشر سنة 1650 كتابا اسمه (El Criticon) يشبه في نصفه الأول قصة (حي بن يقظان) ولكن كيف؟ والترجمة الأولى من العربية لقصة حي بن يقظان لم تظهر إلا في سنة 1681، والقس اليسوعي لم يكن يعرف العربية!

والثانية هي التشابه بين قصة حي بن يقظان و روبنسون كروزو المنشورة سنة 1719، وقد تأثر الكاتب بالترجمة المنشورة عام 1681.

ومنذ منتصف القرن التاسع عشر والدراسات الأوروبية حول (حي بن يقظان) لم تتوقف حتى اليوم. ومن الذين أعجبوا بها إعجابا كبيرا الفيلسوف المشهور (ليبنتس).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس