عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 10-06-2010, 12:05 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الأسعار والتسعير والقاعدة الاقتصادية

لو كان شخصان يتوهان في الصحراء، أحدهما يحمل ذهباً والآخر يحمل قربة ماء، فإنه في لحظة معينة سيدفع حامل الذهب كلما لديه مقابل أن يحصل على شربة ماء. أي أن الحاجة اللحظية والقاهرة والتي تحكمت فيها ندرة الماء ستكون وراء تسعير وتثمين تلك السلعة. لكن في عالمٍ أصبح مفتوحاً على مصراعيه للمعلومات وللبضائع فإن للتسعير مسارات مختلفة.

يسعى كل فرد وكل مؤسسة وكل دولة، أن يكون للجهد الاقتصادي الذي يُبذل منها مردودٌ يكفي لتغطية الكُلَف المبذولة على الأقل، مع هامشٍ آخر يكون عوناً في تطوير مستلزمات الإنتاج، وتوفير أسباب الحياة الاعتيادية، فإن تحقق سيسعى الفرد والمؤسسة والدولة الى تحقيق الرفاه للمشتغلين في ذلك الجانب الاقتصادي، وإن لم يتحقق الحد الأدنى من توفير شروط الحياة الاعتيادية، فإن النشاط كله سيكون موضع إعادة تقييم، إما بتركه والتخلي عنه أو ببيعه بثمن بخس.

أثر الندرة في التسعير

الندرة: هي أن تكون الخدمة أو السلعة المطروحة أقل بكثير من حاجات طالبيها، فمثلاً يكون خبير المتفجرات في بلدٍ مليء بالألغام، ويخرج من حرب أهلية من الخبرات النادرة، عالية الأجور. كما تكون ندرة عمال النظافة ورفع القاذورات في بلدٍ كهولندا مثلاً سبباً وراء غض النظر عن دخول أعدادٍ من المهاجرين وهو ثمن (معنوي).

في سنين القحط كانت ترتفع أسعار القمح والشعير، وتنخفض بالمقابل لها أسعار اللحوم والحيوانات كون مواد العلف غير متوفرة، وفي تسعير النفط عندما تحس الدول أن المخزون من النفط في بلاد تستهلكه بكثرة كالولايات المتحدة قد انخفض فإن الأسعار سترتفع عالمياً.

وتتحكم دولٌ منتجة لبضاعة معينة كالنفط من خلال (كارتل) ينسق فيما بين إنتاج أعضاءه للتحكم بالسعر. وهذا يحصل مع عمال (المياومة) الذين يرفعون أجورهم بمواسم البذار أو مواسم الحصاد أو مواسم البناء.

المُشتري والبائع والسوق

يشتري الشاري حاجاته أولاً بأول، إذا كانت قدرته الشرائية محدودة أو منخفضة، ويستغل المقتدرون فترة العرض الأضخم ليخزنوا حاجاتهم للسنة كلها، ليستخرجونها وقت قلة عرضها وارتفاع أسعارها، ومنهم من يُحول تلك المواد من حالة الى أخرى تصلح للتخزين. ومنهم من يشتري تلك البضائع ليعيد طرحها في الأسواق وقت ندرتها.

وهناك من الدول أو الشركات العملاقة من تكون هي (الزبون) الوحيد لشراء تلك المواد، ففي أستراليا مثلاً، يتم شراء كل القمح وكل الصوف لبيعه وِفق أسس مدروسة في الأسواق العالمية. وكذلك تفعل الكثير من دول العالم الثالث في شراء المنتوجات الزراعية لتبعد الاحتكار عنها.

دعم الأسعار

تلجأ الكثير من دول العالم الى دعم الأسعار في كثيرٍ من الخدمات والسلع، ولا يتوقف هذا السلوك على نمط معين من الدول، وتسلكه الدول الاشتراكية كما تسلكه الدول ذات الاقتصاد الحر.

وتتضمن الخدمات المدعومة، تلك التي يكون لندرتها أو تذبذب أسعارها أثرٌ ذو طابع سياسي، كالخبز والوقود والتعليم والصحة. لكن مع ذلك فإن الحكومات في كثيرٍ من الدول تترك الباب موارباً للالتفاف على مسألة الدعم، وتبقى آثار الالتفاف على هذا الدعم محدودة وتحت المراقبة.

ففي بعض الدول، تقدم الدول بضائع مدعومة وتوزعها بموجب بطاقات ليأخذ كل مواطنٍ نصيبه منها بالتساوي. وهناك أسلوبٌ آخر لبضائع يكون أثر ندرتها أقل من البضائع الأساسية، وهذا الأسلوب يسمى (من يَحضر أولاً يحصل على البضاعة أولاً)، فتنزل الدولة بمعارض معينة (أسواق مركزية حكومية، جمعيات تعاونية، وخيرية) ويصطف المشترون بطوابير للحصول عليها، وعندما ينتهي المعروض من البضاعة، لا يستطيع من يجيء متأخراً الحصول عليها، فتزدهر معها الأسواق السوداء لتُباع البضاعة بسعرٍ أعلى، وبعيداً عن عيون المراقبة!

في أسواق التعليم والصحة كخدمات مُلزمة بها الدولة في كثير من بلدان العالم، تُحدد الدولة أعداد المقبولين في جامعاتها بأسعار مخفضة أو مجاناً، وليكن مثلاً في بريطانيا، نصف مليون مقعد. وعندما يتقدم مليون طالب لإشغال تلك المقاعد، فإن الدولة تلجأ لأسلوب المفاضلة بين الطلاب حسب مجموع علاماتهم، ثم تفتح الباب للدراسة بأجورٍ (التعليم الموازي، كما في الأردن مثلا).

وهذا ينسحب على قطاع الصحة، فعندما يكون المتقدمون للعلاج في المستشفيات الحكومية أعلى بكثير من أعداد الأسِرَّة في المستشفيات، فتلجأ إدارة المستشفيات لإعطاء مواعيد للمراجعة تصل أحياناً الى عدة شهور، قد يُتوفى المريض المراجع خلالها، فيضطر المريض المقتدر الى البحث عن مستشفى يتقاضى مالاً بدل المعالجة.

وهنا، ستكون القطاعات الأهلية تزحف جنباً الى جنب مع القطاعات الحكومية، الى احتلال مواقع الخدمة التي يُفترض بالدولة تأمينها، مما سيؤثر بالنهاية على استنزاف مُدخرات المواطنين وتوظيفها مقابل خدمات لم يضعها المواطن بحسبانه، مما سيؤثر على وضعه كمؤثرٍ في القاعدة الاقتصادية أينما كان موقعه.

بقي علينا القول، أن الدولة تتدخل أحياناً في تحديد الحد الأدنى من الأجور، ومع ذلك يجري على ذلك التحديد التفافات كثيرة، ففي الأردن مثلاً، تحدد بعض النقابات أجور المهندسين المتدربين لدى الشركات، بحيث تدفع النقابة جزءاً منه ويدفع صاحب العمل الجزء الآخر، فيتم الاتفاق أن لا يتقاضى المتدرب من الشركة شيئاً ويكتفي بالجزء الذي يتقاضاه من النقابة، ويغض النظر صاحب العمل عن ساعات دوامه، حتى وإن لم يحضر للعمل نهائياً.

كما تلجأ بعض الدول من أجل الحصول على العملة الصعبة في تخفيض أسعار المواد المُصدرة أو دعمها بالمال أو الإعفاءات الضريبية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس