الموضوع: قتل الغيلة
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-05-2019, 01:51 PM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,949
إفتراضي قتل الغيلة

وجه الاستدلال: أن النبي ( قتلهم دون أخذ رأي أولياء الدم، فلو كان العفو معتبراً في قتل الغيلة لما أمر النبي ( بقتلهم إلا بعد الوقوف على رأي الأولياء، لاحتمال عفوهم عن الجناة ويُناقش: بمثل ما نوقش به حديث اليهودي الذي رض رأس الجارية، ويحتمل أن الراعي المقتول ليس له أولياء يطالبون بدمه فاقتص النبي من قاتليه على اعتباره ولي من لا ولي له
الدليل الرابع: واستدلوا أيضاً بما رواه ابن عمر ( : أن غلاماً قُتل غيلة، فقال عمر (: "لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم"وجه الاستدلال: أنه لم ينقل أن عمر ( استشار أحداً من أولياء الدم، ولو كان لهم حق العفو لرد الأمر إليهم، وطلب رأيهم، ولم يُنقل أن أحداً من الصحابة أنكر عليه، فكان إجماعاً ونوقش: بأنه لا يلزم من عدم النقل عدم الاستشارة ولا عدم وجود من يُنكر وأجاب عنه ابن قدامة أيضاً بقوله: "وقول عمر: (لأقدتهم به) أي أمكنت الولي من استيفاء القود منهم"
كما يمكن الجواب عنه بأن عمر ( لم يتعرض لعفو الأولياء بإثبات ولا نفي، بل كان كلامه جواباً لمن استشكل قتل الجماعة بالواحد
الدليل الخامس: واستدلوا أيضاً بما رواه مسلم بن جندب الهذلي: "أن عبد الله بن عامر كتب إلى عثمان بن عفان أن رجلاً من المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله، فكتب إليه عثمان أن أقتله، فإن هذا قتل غيلة على الحرابة نوقش: بأن هذا الأثر ضعيف ضعفه ابن حزم؛ لأنه من رواية عبد الملك بن حبيب، قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ: "وهو ساقط الرواية جداً"، وكذبه ابن عبد البر، وقد كان فقيهاً في مذهب مالك
وقال الذهبي ـ رحمه الله ـ: "الرجل أجل من ذلك ولكنه يغلط"
كما أن فيه انقطاعاً بين مسلم بن جندب وعثمان
وهناك آثار أخرى مقاربة لهذا الأثر وكلها ضعيفة الأسانيد
الدليل الخامس: واستدلوا من المعنى:يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "أنهم كالمحاربين؛ لأن القتل بالحيلة كالقتل مكابرة، كلاهما لا يمكن الاحتراز منه؛ بل قد يكون ضرر هذا أشد؛ لأنه لا يُدرى به"
يمكن أن يُناقش: فيقال: إن القتل العمد العدوان غالباً لا يمكن الاحتراز منه؛ لأن القاتل غالباً يحرص على التخفي، وعدم الظهور مع حرصه على إخفاء جريمته، وذلك بالحذر الشديد عند قتل من يريد قتله، وهذا يعني أنه على قولكم سنعتبر أي قتل متعمدٍ من قبيل الغيلة، وهذا غير صحيح كما أن قياسكم الغيلة على الحرابة قياس مع الفارق؛ لأن الحرابة تكون بشروط معروفة تخالف الغيلة، ومنها أن يأتوا مجاهرة ويأخذوا المال قهراً، وغير ذلك مما ينافي الغيلة التي هي على وجه الاختفاء"

وقد أدلى المعد برأيه فقال :
"الترجيح:
بعد عرض الأقوال وأدلتها ومناقشة ما يمكن من ذلك، فإني أقول: إن المسألة مشكلة، وأدلتها متجاذبة، وإن كانت النفس تميل إلى القول الأول ـ وهو أن الغيلة موجبة للقصاص ـ وذلك لعدة اعتبارات أهمها ما يلي:

1 -أن الأصل في القتل العمد أن يكون حكمه القصاص، وهذا أمر لاشك فيه؛ لوروده في الكتاب والسنة، ولا يُترك هذا الأصل إلا بدليل واضح بيَّن، ولم يظهر لي في أدلة القول الثاني ما ينقل عن هذا الأصل لورود الاحتمالات عليها التي تجعلها تضعف أمام الأصل العام في القتل العمد
2 - عدم انضباط هذا القول وذلك في بيان معنى الغيلة؛ لذلك تجد بعضهم يذكر ضابطاً يمكن أن يدخل تحته كل صور العمد، وهذا الاضطراب وعدم الانضباط يضعف القول، ولو كان للغيلة حكم خاص تنفرد به؛ لبيَّن الشارع صفتها وحكمها، فلما لم يكن ذلك دل على أن حكمها حكم الأصل العام وهو القصاص ولكني أعود فأقول: إن المسألة تحتاج لمزيد دراسة وتحرير، وهذا البحث لا يفي بحق المسألة"

ما غاب عن القوم هو التفرقة بين نوعين من القاتلين :
الأول معتاد القتل وهو من ارتكب جرائم قتل المرة تلو الأخرى سواء كان هذا القاتل يتم تأجيره لقتل الناس أو يقتل من عنده نفسه بسبب كالاستيلاء على المال أو اغتصاب القتلى
هذا القاتل ليس فى جريمته عفو لكونه مفسد فى الأرض كما جاء فى قوله تعالى بسورة البقرة"
"وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"
وفى عقابه قال تعالى بسورة المائدة:
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم أو أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"
فعقابه القتل فى كل الأحوال سواء قتلا كالمعروف بين الناس بالشنق أو الخنق أو بتقطيع يده ورجله وصلبه حتى يموت بالنزف أو اغراقه فى الماء
والكلام هنا عن القاتل المتواجد على أرض المسلمين
الثانى القاتل مرة واحدة سواء كان قتل واحدا أو أكثر فى تلك المرة وهذا القاتل هو الذى فيه حكم القتل أو العفو أو الدية كما قال تعالى فى سورة البقرة:
"يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"
ونلاحظ أن تكرار جريمة القتل فى نهاية آية سورة البقرة اعتبره الله بلا عفو وجعل العذاب الأليم هو عقاب مكرر الجريمة وهو ما تكلمنا عنه فى النوع الأول من القتلة
ورغم أن المعد عنون بحثه بالغيلة فإنه لم يتناول نوع أخر من الغيلة لا يتعلق بالقتل وهو الغيلة المتعلقة بالرضاع والتى اختلف الفقهاء فى معناها فمنهم من قال :
جماع الزوجة المرضعة
ومنهم من قال :
إرضاع الحامل طفلها وفى هذا قال أحدهم :
الغِيلة " قيل هي : وطء الزوجة المرضع ، وقيل هي : إرضاع الحامل لطفلها .
وقد ثبت في صحيح مسلم (1442) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ ) .
قال النووي :
" اختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث , فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة : أن يجامع امرأته وهي مرضع ، وقال ابن السكيت : هو أن ترضع المرأة وهي حامل .
قال العلماء : سبب همِّه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع ، قالوا : والأطباء يقولون : إن ذلك اللبن داء ، والعرب تكرهه وتتقيه .
وفي الحديث جواز الغيلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها , وبين سبب ترك النهي " " شرح مسلم " ( 10 / 17 ، 18 ) .
وروى مسلم (1443) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنِّي أَعْزِلُ عَنْ امْرَأَتِي . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ ) .
ولم يأتِ ما يخالف هذه الإباحة إلا حديث ضعيف رواه أبو داود (3881) وابن ماجه (2012) عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها ، فيه : نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيلة .
والحديث : ضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف سنن أبي داود " .
وذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن الأحاديث الدالة على الإباحة ثم قال : " وهذه الأحاديث أصح من حديث أسماء بنت يزيد ، وإن صح حديثها فإنه يحمل على الإرشاد والأفضلية ، لا التحريم "
ويبدو الجامع بين غيلة القتل وغيلة الرضاع هو تكرار ضرر فالقاتل يكرر جريمة القتل والمرضعة تكرر الضرر وهى أنها تؤذى الجنين فى بطنها وتؤذى نفسها بإرضاع المولود
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس