عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-01-2009, 07:28 PM   #25
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


16ـ الوحش ذو الخَدَيْن الأحمرين

(( فإن شاء الله أن تستمر هذه الحرب حتى تضيع الثروة التي جمعها الرقيق خلال قرنين ونصف قرن من الجهد غير المأجور، وحتى تُدْفَع ثمن كل قطرة دم أسالتها السياط قطرة أخرى تسيلها السيوف، فعلينا أن نقول مع القائلين منذ ثلاثة آلاف عام مضت : { إن حكم الله حق لا ريب فيه}. ))
.......... من الخطبة الافتتاحية الثانية لأبراهام لينكولن 1865

يعود الكاتب في هذا الباب والباب الذي يليه بالإشارة لفعل (الثيموس)، وسنكتفي بالباب هذا للوقوف عند قضية الثيموس، التي جعلها الكاتب قاعدة تنطلق منها الحماسة لموقف، وهنا، يضيف الكاتب عما أورده في الباب السابق، بأن الثيموس، ليس لإثارة الفضيلة التي تخص الفرد نفسه كما ورد في جمهورية أفلاطون أو قضية بائع الخضراوات في تشيكيا، بل يتخطى ذلك في إثارة الفضيلة للدفاع عن الجماعة التي ينتمي لها الفرد.

(1)

إن تحرك الفرد في الدفاع عن نفسه مسألة مفهومة، أما أن يتحرك الفرد في الدفاع عن الآخرين، فهذا ما سيخضعه الكاتب على ضوء نظرية الثيموس.

تنبري إحدى النساء للدفاع عن قضايا المرأة، دون أن تأخذ تفويضا صريحا من النساء، ولا تهتم بالكيفية التي ينظر الناس الى تصديها للدفاع عن نساء ربما لم تلتق بهن أو أنهن يستنكرن تصرفها. كذلك يفعل مواطن أسود من جنوب إفريقيا عندما يحارب العنصرية، إنه يفترض أن لا يعترض على كفاحه أحد من أبناء لونه، وربما لا تؤرقه كثيرا الكيفية التي يتعامل معه فيها أبنا لونه. كذلك يفعل ابن أي بلد أو دولة عندما يغمز أحد أبناء غير دولته في شأن يخص بلده، فإنه يتصدى لذلك، دون انتظار كلمة شكر من رئيس دولته أو تكريما من شعبه.

يرجع الكاتب هذه التحركات الفردية لشيء سماه (الثيموس)، وقد سماه (جوزايا رويس) فلسفة الولاء، وقد تعمدت أن أستعرض الكتاب الأخير في نفس الفترة، لإعطاء المزيد من القدرة على التأمل بتلك النظرية.

(2)

يقول الكاتب: إن الرغبة في الاعتراف الناجمة عن الثيموس هي ظاهرة جد متناقضة حيث إن الثيموس هو الأساس النفسي للعدالة والإيثار، وهو مع ذلك وثيق الصلة بالأنانية. وتطالب الذات التي تسيطر عليها الثيموس باعتراف الآخرين بمفهومها عن تقييمها لنفسها ولغيرها، وتبقى الرغبة في الاعتراف في صورة تأكيد الذات وإسقاط قيم صاحبها على العالم الخارجي، وتستنفر مشاعر الغضب حين لا يعترف الآخرون بتلك القيم.

ويؤدي تأكيد الذات الذي تنطوي عليه طبيعة الثيموس الى الخلط الشائع بين الثيموس والرغبة. والواقع أن تأكيد الذات الناجم عن الثيموس يختلف عن الأنانية الناجمة عن الرغبة. ومثال ذلك الخلاف على تحديد الأجور بين الإدارة والتنظيم العمالي في مصنع ما، والذي يفسره علماء الاجتماع السياسي على أنه صراع بين جماعتين مختلفتين، هما جماعة المدراء وجماعة العمال، حيث يتذرع المدراء بأن زيادة الأجور غير ممكنة في إضافة كلفة جديدة تؤدي للخسارة، في حين ترى جماعة العمال أن الأمر يختلف حيث أن المسألة تتمثل في قطع جزء من أرباح المدراء لصالح العمال.

ويرى فوكوياما أن تلك الحالة تشبه حالة بائع الخضراوات الذي لم يكتب يافطة تقول: (أنا جبان) كما لم يكتب العامل في المصنع يافطة تقول: (أنا جشع، أود ابتزاز الإدارة بقدر الإمكان) .. وإذا كان الوجه المعلن لبائع الخضراوات أن قال: (أنا خائف) فإن الوجه المعلن عند عامل المصنع يقول: ( إنني عامل جيد أستحق أكثر مما تعطيني إياه الإدارة، وبفضلي هي تجني أرباحا، وتحرمني من جزء منها، وهذا ظلم).

إن حالة الثيموس هنا، تتجلى لا في إثبات البطولة، بل بتحقيق مزيد من العدالة ورفع الظلم.

(3)

إن الفقر والحرمان هما مفهومان نسبيان لا مطلقان ناجمان عن دور المال باعتباره رمزاً لقيمة المرء. فإن كان حد الفقر الرسمي في الولايات المتحدة مثلا، يمثل مستوى للمعيشة أعلى بكثير من مستوى معيشة الأغنياء في بعض الدول الإفريقية والآسيوية، فلا يعني أن إحساس فقراء الولايات المتحدة سيكون أقل من فقراء دول العالم الثالث، بل سيحسون بإذلال لا يختلف عن غيرهم.

إن القصور في فهم الثيموس (كما يقول الكاتب)، يؤدي الى سوء فهم السياسة والتطور التاريخي. فمن الشائع مثلا تأكيد أن الثورات تنجم عن الفقر والحرمان، أو أن ازدياد الفقر والحرمان يزيد من إمكانية الثورة. غير أن دراسة (توكفيل) الشهيرة للثورة الفرنسية توضح أن العكس تماما هو الذي حدث. ففي السنوات التي سبقت الثورة الفرنسية كان الفلاحون ورجال الأعمال المتوسطين يتفوقون على نظرائهم في شرق أوروبا، التي لم تحدث بها ثورة، وحتى ألمانيا نفسها. لكن ما الذي حدث؟ إن الطبقة الوسطى الفرنسية وفلاحوها الأكثر رخاءً من نظراءهم في الدول الأقل رخاءً كانوا وقودا للثورة الفرنسية في انطلاقها نحو التمهيد للعهد الليبرالي.

(4)

يمر الكاتب على الثورة الأمريكية، للتدليل على الخلط بين مفهوم الرغبة ومفهوم الثيموس، إن تلك الثورة التي ذهب ضحيتها 600 ألف قتيل من مجموع سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم وقتها 31 مليون نسمة، أي بنسبة 2% من السكان، هي ليست بسبب العوامل الاقتصادية التي يظن علماء التاريخ والاقتصاد السياسي أنها وراء تلك الحرب، بمعنى أنها دارت بين الشمال الرأسمالي الصناعي والجنوب الزراعي التقليدي.

وحسب (فوكوياما)، إن الحرب دارت بأسبابٍ غير اقتصادية، بين نظرة الشماليين الراغبين في بقاء الاتحاد، والجنوبيين الراغبين في تركهم وشأنهم ليعيشوا حياتهم كما اختاروها. وهي عند (أبراهام لينكولن: الأكثر حكمة حسب رأي فوكوياما)، حيث قال: ( كل الناس يعرفون أن الرق هو سبب الصراع) فأهل الشمال كانوا ضد تحرير العبيد، وكانوا يرغبون في إنهاء الحرب بحلول وسط، في حين أن أبراهام لينكولن أرادها أن تبقى مشتعلة حتى لو أتت على جهد 250 سنة من النضال ضد التحرر، حتى يحصل من تبقى من الناس على حريته. ويقول فوكوياما: لا يمكن تفسير ذلك إلا بالثيموس.

(5)

بعد أن يعدد الكاتب أمثلة على ما يريد أن يبرهن عليه من أثر الثيموس، يقول: لكن ليس دائما العوامل الكبيرة أو الهامة هي من تحرك الثورات، بل قد يحركها شيءٌ يبدو تافها وضئيلا، كما حدث في براغ عندما قتلت قوات الأمن عام 1989 طالبا، فتجمعت الجماهير التشيكوسلوفاكية في شوارع براغ واستمرت بانتفاضتها حتى أسقطت النظام، وتبين فيما بعد أنه لم يكن هناك طالب قد قتل، بل هي محض إشاعات.

وفي رومانيا تجمع الناس بعد حبس قسيس مجري في مدينة (تيمشوارا) واستمرت الاحتجاجات حتى سقطت حكومة شاوشيسكو في ديسمبر/كانون الأول 1989.

وهكذا، فبرأي الكاتب، عندما تتفاعل عناصر الثيموس وتتخمر فإن أي سبب تافه يحرك الجماهير من أجل الثورة.

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس