عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-12-2009, 06:22 PM   #51
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي الحلقة العاشرة

10



... لشدة ما أكره الفئران ولا زلت... كبارها والصغار... منظرها يصيبني بالتقزز خاصة وهي مبعوجة مقتولة. زاد بغضي لهذه الكائنات القارضة بعد سماعي للأمر النبوي بقتلها لأنها من الفواسق, ومذ قرأت أيضا أنها كانت عبر التاريخ( الكبار خاصة) سببا في انتشار داء الطاعوع الذي كاد يهلك أمما عن بكرة أبيها. وأنا صغير كنت أموت رعبا حين يشاع أن أحدا قد رآها تقفز وتتجول بحرية في أركان بيتنا وزواياه. فطن أشقائي مبكرا لنقطة ضعفي تلك. فكانوا يجعلونني أتسمر مكاني منكمشا على السرير لفترة طويلة دون أن تطأ قدماي الأرض. في الليل حين كنا نصطف كسمك سردين معلب في غرفة نومنا اليتيمة نحن الأطفال ويطفأ المصباح, يبدأ مسلسلي الهتشكوكي, كانوا يصطنعون أصواتا (وخرششات) ويشرعون في الصراخ فار...فار...فار... أتشبث بتلابيب أختي ...وترتعد فرائصي وأبلل سراويلي أحيانا من الرعب.لم يتوقف ذاك المسلسل إلا بتدخل والدتي في ليلة مظلمة رفست فيها الجميع بما فيهم أنا الضحية بعدما استنفذت كل وسائل الإنذار والتحذير.


كاموا بشقاوة الطفولة يجدون لذة في مقالب الإنتقام مني لوشاياتي المتكررة بهم عند الوالدة ونتائجي التي كنت أتبجح بها أمامهم.


لم أعرف ولم أستطع تمييز رائحتها. والدتي كانت من خلال حاسة الشم تعلم أن إناثها قد وضعت من جديد( لا زلت أستغرب كيف كانت تميز الرائحة ولم أسألها بعد) فكانت تعلن حالة الإستنفار تقلب خلالها أغراض البيت رأسا على عقب بعد إحكام غلق الأبواب ومنافذ الهروب وتسلح كل الأسرة بالعصي والنعال والمكانس . ذكاؤها الذي كان يبهرنا به jerry في صراعه السرمدي مع خصمه
tomلم ينفعها مع ماء الوالدة المغلي الذي يجعلها تخرج مستنفرة مسلوقة من انفاقها الصغيرة التي تحرص على جعل مداخلها الضيقة والمموهة في كل زوايا البيت وتحت الأسرة.


كان كل همنا نحن الصغار بعد انتهاء هذه المعارك الضارية هوعد الجثث الصغيرة وتقليبها بحذر شديد للبحث عن الأب المحتمل لهذا الجيش الغازي العنيد الذي لا يكاد يفنى حتى ينبعث من جديد .


هاهو...هاهو...هاهو...يصيح من يكتشف صاحب أطول شارب. فيبدأ الجدال عن هوية الفأر الصريع أجد هو أم والد؟


لم أكن ألمسها كما يفعل أشقائي بعد لف أيديهم الصغيرة بأكياس البلاستيك كقفازات طبية. ولم أشارك في مراسيم الدفن التي كنا نقيمها نحن الصغارسوى مرة واحدة . شاركت خلالها في حفر القبر الجماعي الذي راكمنا فيه الثث ثم أهلنا عليها التراب.


لم أتصور أو يخطر ببالي يوما أن تقززي وكرهي وعداوتي الشديدة لإخوة JERRYوأبناء عمومته ستكون هذه الليلة سببا في عذابي وجعل ظهري ألين من بطني. لكني مادمت في بلد الغرائب هذه كان علي أن لا أستغرب وأن أتوقع كل شيء. حتى المثل العامي الذي كرروه على مسامعنا منذ نعومة أظافرنا للتخويف من بطش الأجهزة (ماديرش ماتخافش) لا تفعل لا تخف. لم تعد له قيمةأو معنى في عهدنا الجديد. قادرون من لا شيء أن يصنعوا للواحد شيئا كبيرا...كبيرا...كبيرا... يرميه لسنوات عدة خلف الجدران الباردة بعدما يوقعوا على جسده وشما للذكرى لن يمحى أبدا MADE IN MOROCCO. فعلوها بالكثيرين ممن التقيتهم في قعر الجب العميقة أو سمعت حكاياتهم من أفواه من عرفوهم عن قرب._ ع,ك أحد أولئك المساكين. حين وقعت تفجيرات الدار البيضاء16 مايأضهروا صورته على التلفزيون كأحد المتورطين المبحوث عنهم. حدثني أنه كان في فراش زوجته حين ظهرت صورته التي لعب فيها الكمبيوتر كي تبدو بشعة مخيفة , لم يكن يمكلك تلفازا ولا كهرباء في القرية النائية التي اختارهاكمنفى طوعي بعد أن ظنكوا عيشه هو الآخر. بعد منتصف الليل طرق باب بيته أحد أبناء عمومته ليخبره أن صورته تجوب كل فضائيات الدنيا كمبحوث عنه فيما هو يغط في سبات عميق غير آبه بما يجري!!!!


حدثني بحسرة وحزن قائلا: لم أندم على شيء في حياتي كندمي على تسليمي لنفسي بضغط من الأسرة (ماديرش ماتخافش) رددوها علي وكرروها حتى وجدتني في أقرب موكز للدرك كمنوم مغناطيسيا. هلل نافخو الكيرومسعروا الحروب في جرائدهم, وباركوا (جهود رجال الأمن الجبارة) التي كللت بالقبض على مجرم إرهابي مسجل في خانة الخطرين. دون ذكر واقعة تسليم نفسي.


بعد أيام م العذاب في سراديب إبليس صرت على الورق الذي وقعته مرغما معصوب العينين إنتحاريا احتياطيا زار مدن مراكش والصويرة لترصد الأهداف.وكمن في البادية متظاهرا بالاشتغال في الفلاحة منتظرا الإشارة لكبس الزر وقتل الأبرياء؟؟!!!!


ماتت الوالدة بحسرتها وتبعتها الزوجة التي لم يتحمل قلبها الضعيف صعقة حكم المؤبد الذ ي كان نصيبي منقضاء مستقل ونزيه جدا...جدا...جدا...
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس