عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-01-2008, 10:24 PM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي هل كان نبي الله آدم شاعرا ؟؟؟؟

[FRAME="13 70"]مفهـوم الشاعـر



إذا كان الشعر ينفلت عن التحديد المفهومي الدقيق باعتباره ضرورة وكفى، فهل يمكن وضع تحديد دقيق لمفهوم الشاعر؟ لنقل : إن الشاعر هو الذي يقول شعرا، يكتبه، يلقيه، يخرجه من منطقة ما قد تكون مظلمة أو مضيئة لاختلاف الحالات والأوقات وتنوع الفراغات التي يخرج منها كل شعر ….

الشاعر هو الذي يقول الشعر، وإذا قال نثرا وكتب رواية أو دراسة عقلية رياضية مثلا، لا مجال فيها للتـأمل، كلها براهين وعلامات ألا نعتبره شاعرا .هذه مشكلة تقودنا إلى الاستنجاد بالتراث العربي والعالمي لضبط المفهوم، وفك هاته الازدواجية .

حين يُنفخ في الروع تأتي اللغة، ويدخل جني هو الذي يوحي للشاعر الإنسان بقول الشعر، فيتحول من كائن عادي إلى شخص آخر، قد يتحكم فيه عبقر وما شابه. ازدواجية أخرى: جني/إنسان. فما هي المنطقة التي يتربعها هذا الجني ؟ ما لون هذا الجني؟ الجني الأحمر أكثر شيطنة من غيره. والجني هو غير الشيطان. شياطين الشعر هم شياطين الجنة لا النار، الحب لا الحقد، الحرية لا الاستعباد …الشيطان يحضر كذلك كما يحضر الجني فتأتي اللغة، هل الشاعر جني أم شيطان أم نبي باعتباره صاحب رسالة هو أيضا ؟

كان آدم شاعرا، أنشأ أول قصيدة في الدنيا نتيجة حالة مروعة لم يسبق لها مثيل هي قتل الأخ لأخيه، هابيل وقابيل ، أول قتيل وأول قاتل وحالة جديدة في دنيا آدم النبي، وقصيدة تأتي نتيجة الحالة الطارئة التي ستتحول إلى شبه عادية مع تقدم الزمن، قصيدة سيتفق عليها عمداء الرواية التاريخية العربية القديمة : أبو زيد القرشي، والطبري، والمسعودي، والثعلبي ، وخاصة مطلعها الذي يقول :

تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيـح

تغير كل ذي طعم ولون وقل بشاشـة الوجه الصبيح [1]

فعل إبليسي، شيطاني ، سيثير حفيظة الجني، وسيأتي الشعر على لسان النبي الذي سيتغير سلوكه، فيقيم في الدنيا سنة لا يضحك ولا يطأ حواء، حسب رواية الثعلبي إلى أن : "أوحى الله تعالى، يا آدم إلى كم هذا البكاء والحزن …." [2] فقد، وحزن، وشعر، وتأريخ بلغة يصعب ضبط مصدرها ، وعلى لسان شاعر هو حتما ناظم آخر رتب الكلام العربي، وقال أبياتا كان لا بد لآدم النبي أن يقولها[3] . فمن هو الشاعر ؟ وما مفهومه انطلاقا من البدايات ؟

حين ادعى المتنبي النبوة، لم يفعل ذلك طواعية، بل استجابة لشيطان أو جني ـ أتخيله أحمر ـ كان يسكنه باستمرار ، شيطان سيتحول إلى متنبئ، في انتظار النبي. ولكن انطلاقا من إنسان، وبلغة إنسان هو هنا عروبي صحراوي ينشد الكونية ومعها الحرية، وقد حققهما.

يسكن الجني أو الشيطان أو النبي جسد الشاعر الإنسان ويقيم فيه، ويحول سكناه إلى إقامة دائمة في المكان ولكن الأهم هو إقامتهما في الزمان.زمن إقامة الجني يرتبط بمكانه، فيحول الساحر ( الشاعر ) إلى مسحور، مسكون بآخر يتحكم ولا يريح إلا بالخروج من القمقم الذي يقيم فيه بشكل دائم لا عرضي. مفهوم الشاعر إذن يأتي من الخروج، خروج من سكون، وإقامة دائمة ومستمرة في الشيء، باللغة وتجلياتها، في المشهد الآني المستند إلى سكنى الجني في قمقم الذات ، في مسام العقل وفي فوران الروح العاتية .

ما معنى أن تكون شاعرا الآن ؟ معناه ببساطة أن تكون ساحرا يحول الكلام إلى حرارة والحرارة إلى رؤى متصاعدة متماسكة الواحدة تلو الأخرى. تختلف طريقة كل ساحر عن آخر باختلاف التقنيات والأسلوب، واختلاف عرض طريقة خلاص الضحية عن السيد، ونَفَسُ الساحر هو ما يخرج الروح من الجسد، ويحول، اضطراب الجني إلى إقامة دائمة في الحلم .

نتأمل أحيانا وجوه الشعراء ـ للبحث عن مفهوم مادي للشاعر ـ ونتأمل قاماتهم التي قد تطول أو تقصر فتغير متاهاتهم تبعا لتنوع بؤرة اللذة في ثنايا جلد الجني الساكن خلف الحلق، المنتظر لحظة النفخ، لحظة خلاص الضحية من قبضة السيد.أضحية للوقت.

هل نستطيع تكوين مفهوم محدد للشاعر انطلاقا من ملامح وجهه وحركات يديه وانفعالات شفتيه وهو يدهش أمام آخر ـ أيا كان هذا الآخر ـ وهو ينتظر فرجا مخلِّصا على مرايا اللغة؟ حالة برانية بفعل جواني ، ظل يُظل معه الآخرين، كل الآخرين . ورغم ذلك يبقى سؤالنا مطروحا : من هو الشاعر استنادا إلى ملامحه وسلوكه أيضا.

لم كان "بشار بن برد" يصفق بكلتا يديه الغليظتين، وينفخ ويبصق بصاقا كبيرا قبل أن يلقي قصيدة ؟ ما هذا الشاعر ؟ وما هذا الطقس القبيح ؟ شاعر قبيح أعمى غليظ الخَلق والخُلق، ورغم ذلك فهو شاعر على مفترق الطرق بين حداثتين .

لكل شاعر فردانيته وتوحده وأنانيته أيضا. شعراء نرجسيون متوهمون، وصفهم زرادشت قائلا: " … الشعراء جميعهم يعتقدون أن الجالس على منحدر جبل مقفر يتنصت إلى السكون، يتوصل إلى معرفة ما يحدث بين الأرض والسماء. وإذا هم هزهم الشعور المرهف خيل لهم أن الطبيعة نفسها أصبحت مغرمة بهم ، فيرونها تنحني على آذانهم لتلهمهم البيان الساحر والأسرار، فيقفون مباهين بإلهامهم وأما م كل كائن يزول " [4] . شعراء يسيطرون على المشهد برمته أو هكذا يتوهمون . مريدون، أتباع يتناثر ون ويتناسخون، صورة تخلق نسخا لا يمكن أن تكون أصلية على الإطلاق، لاختلاف الأنوات والنرجسيات، لكل نرجيسية جني ضاغط على اللحظة هو سيد الوقت لا غيره، هو سيد الحال لا غيره، فلا خيار للشاعر أيا كان في الوقت والحال المتحكم في الخروج وربما في الدخول أيضا.

أعطينا للشاعر هالة أكثر من اللازم ….بسبب غورنا في المتخيل الذي لا نعتقد أنه يستطيع يوما إلغاء الشعر، لأن إلغاءه هو إلغاء للشاعر وبالتالي للشعر الذي هو رئة العالم التي يتنفس بها….

ساعة الولادة يتحكم الجني أو الشيطان لتحصل النبوة / التنبؤ. الجني يُبكي الشاعر رغم نرجسيته، أو قد يُضحكه رغم عبوسه المنبعث عن جديته الظاهرة .إذا كان المتحكم في شاعرية الشاعر هو الجني أو الشيطان فهل يكون الشاعر هو آخرٌ غيره ؟ ذات تسكن ذاتها أم ذاتان متساكنتان؟

يأخذ الشاعر الحق ـ ولا ندري كيف يميز بين الحقيقي والزائف في هذا المجال ـ قيمته من قيمة الجني الساكن فيه، والمتربص باستمرار في انتظار الخروج من الروع. جني مجنون، جني شيطان، جني جني، صغير، حديث الولادة ، مشكاس، مسالم…الخ.حين يكبر هذا الجني تكبر معه رغبات الشاعر ونرجسيته، وقد تهدأ ،وقد تتحول علاقاته مع الأشياء الصافية، والأكثر سكرا، من عادية إلى عدوانية أو العكس، تبعا لتغير حالات الجني. سن الجني لا تقاس بسن الشاعر، فقد يكبر الشاعر في السن ويظل جنيه صغيرا، قزما، لا يكبر رغم الوصفات الكثيرة المزيِّنة بفعل السبق والأولية المؤديان إلى الشهرة، ورغم كثرة التوابل المحيطة لأطباقه المؤداة سلفا. وقد يبتدئ الجني مستعصيا مدمرا فيكبر دفعة واحدة كما حصل لجني رامبو، لجني طرفة بن العبد، لجني الشابي ….

ما هي الصورة الأكثر حضورا لدى قارئ الشعر، صورة الشعر أم صورة الشاعر ؟ لو تغيرت الأسماء ـ أسماء الشعراء ـ وبقيت نفس القصائد ، فهل سيؤثر ذلك على شياطين الشعر ؟ هل يستطيع الملتذ بالشعر ـ ولا نقول القارئ العادي ـ أن يميز الآن الاسم عن المسمى ؟ أتعود المفارقة إلى كون الشعراء لا يتكلمون كغيرهم من الناس كما تساءل "مونتسكو" مستغربا ذات مرة، أم تعود لغموض وتعقد المشهد الراهن بسبب متاهات قد تكون بعيدة عن الشعر، مشدودة إلى سلطة قد يتغلب فيها السياسي عن الثقافي رغم صعوبة الفصل بينهما. قد نجازف بالقول ـ في ختام هذا الكلام ـ ونحن نبحث في خضم الآني واليومي عن مفهوم محدد للشاعر والشعر الحديث : الشاعر (أو هكذا نتصوره) هو قطعة لهب تقف على الهاوية باستمرار، مدفوعة بجني، من أجل تنبئ سيحصل حتما عاجلا أم آجلا، استنادا إلى حالة الفقد الأول، بحثا عن خلاص يصعب فيه الفصل بين المادة وظلها ، أي بين الشاعر وشعره.






--------------------------------------------------------------------------------

[1] كليطو عبد الفتاح : لسان آدم، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال ، البيضاء ط 1، 1995 ، ص 56

2 الشيخ محمد بن إباس : بدائع الزهور في وقائع الدهور، دار الفكر دون تاريخ ص:53

3 لسان آدم : ص، 54

4 نيتشه فريديريك : هكذا تكلم زرادشت، ترجمة فليكس فارس ، دار القلم بيروت ص : 156
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس