عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-09-2009, 02:07 PM   #13
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاستدلال في تسيير المحاكمات القضائية العشائرية

لم يكن للقضاة العشائريين وسائل معينة كالتي في أيامنا الحاضرة من فحص حامض نووي وتتبع البصمات الخ من مهام المختبرات الجنائية.

وكان تحصيل الحق يعتبر أهم من قيمة المختلف عليه مادياً، فقد شاهدت عدة مرات، أحد سكان قرية (كودنه ـ في الجولان المحتل ـ قبل احتلاله) يكلف أشخاصا لتقفي أثر سرقة بعض مواشيه، وكانت مصاريف من يكلفهم تفوق عدة مرات قيمة ما سُرق له.

ولتجميع الدلائل التي تثبت الحق عدة طرق عن العشائر، ومعظمها تعتمد المنطق الفطري في الاستدلال، لنتأمل تلك القضية التي أوردها الدكتور عبادي في كتابه القضاء عند العشائر الأردنية صفحة 369ـ370 وقد سبق الإشارة لهذا الكتاب:

في الخمسينات من القرن الماضي وقع الزنا في إحدى فتيات إحدى العشائر، وذهب أهلها الى قاضي عشائري وسأنقل الصيغة باللهجة التي قيلت بها:

(( يا قاضي وأنت تذكر الله، ويش عندك (أي ماذا عندك من عقوبة عادلة ضد الشخص) بالرجل اللي استغصب (اغتصب) إنثانا (ابنتنا). وخافت من الفضيحة ومن أهلها، ويوم فضحها بطنها (أي ظهرت حبلى)، راحت لأبو الولد واشتكت له عن اللي ساواه ولده بها، لكن أبوه طردها، وقال: روحي يا مره لا ترمينا ببلاكِ الذي بك، وبعدها راحت على عم الولد، فقال: قوطري لا تبلينا (أي اذهبي لا تفتري علينا). ويوم شافت ما عندهم فرج توهدنت الدولة (أي لجأت الى الدولة)، حيث اعترف الفاعل جدام (أمام : قدام) المحافظ قرار ما به إنكار. وهذه حجتي حجة الرجل البليم عند الرجل الفهيم))

لكن كبير المدعى عليه، قدم حجة دقيقة ومختصرة، حيث قال: (وش لك بالعري البري اللي ماله عندها مدور) ومعنى تلك العبارة: أيها القاضي، ماذا تحكم على شخص بريء مما ألصق به من اتهام، عار من أي ثوب للفضيحة يراد إلصاقه به.

تظهر في القصة ضعف حجة ذوي الفتاة المجني عليها، حيث أنهم لم يقتلوا الفتاة لتقوى حجتهم في المطالبة بالحقوق العشائرية، كما أن ادعائهم بأن الزنا قد وقع غصبا (استغصب إنثانا) يناقض قولهم بأن (بطنها فضحها) أي أن القضية بقيت ساكتة لظهور أعراض الحمل واضحة، فأين ردة فعل الاغتصاب؟

لقد فهم القاضي ضعف موقف أهل المجني عليها، ووضعتهم تلك القضية في دائرة قاتمة من الاعتبار الاجتماعي، لكن القاضي لا يريد أن يفقد حكمته التي ستغلق دائرة المشاكل، فاقترح زواج المدعى عليه بالمجني عليها، بمبلغ 300 دينار وإن طلقها عليه دفع 200 دينار، كأنه يريد أن يقول لذوي الفتاة (عيبك أصبح في جيبك).

مظاهر الأدلة

1ـ الاعتراف: في كل القوانين المدنية والشرعية والعشائرية، يكون الاعتراف سيد الأدلة. لكن في القضاء العشائري قد يكون الاعتراف للتغطية على جريمة أخرى أو لتبرئة فاعل آخر كأن يكون شيخا للعشيرة أو ابنا لرجل مهم. فلا يؤخذ بالاعتراف إلا في حالة واحدة وهو أن يكون المعترف على شفير الموت حيث تعتقد العشائر أن تلك اللحظات هي أكثر اللحظات رجاءً من الله وتقرباً له، فلا يعقل أن يكذب من يعترف بها.

2ـ اليمين: في كثير من القضايا، تختلط الأمور على القضاة أو المصلحين فيلجئون الى اليمين. في عام 1985، قام رجل بإطلاق النار على رجل وهما جالسين في سيارة أجرة، فتم القبض على الفاعل فوراً، لم يكن الاثنان يعرفان بعض، أو على الأقل لم يكن يعرفان بذهاب كل منهما الى تلك المدينة، لقد حيرت تلك القضية الناس والقضاة، واستمرت الحيرة ست سنوات، حيث وضع الفاعل في المصح النفسي، بعد إنكاره عن فعلته أو علمه بأن هناك من قُتل، وأخذت الظنون الناس الى وضع الاحتمالات، بأن الاثنين قد وجدا كنزا واختلفا، وأنهما قد تشاركا في تهريب بعض المخدرات ولم تكن قسمتهما مرضية، وعند البحث عن ماضي كل منهما لم يؤكد أحد من ذوي كل منهما أن الفاعل أو المقتول يعرفان بعض. هنا تم اللجوء الى اليمين في المسجد، وتم الصلح.

ولكن في بعض الأحيان، قد يقوم الطرف الآخر بحلف يمين مضاد ينسف ما جاء بيمين الطرف الأول، فتكون عندها الصلاحية للقاضي أن يلجأ لأسلوب المصالحة والمسامحة الخ.

3ـ العرافة: هذه تتعلق بمعرفة الأنساب واللهجات، وحتى بمعرفة سلالات الحيوانات (في حالات سرقة المواشي).

4ـ الشهود: معروف دور الشهود.

5ـ البشعة: وهي كي اللسان بقطعة حديد حارة (يد المحماسة: التي يحمس بها البن) بعد وضعها على الجمر حتى تحمر، ثم وضعها على لسان المتهم، ظنا أن المذنب الخائف ينشف ريقه فيخشى من حرق لسانه، وأن غير المذنب، يبقى لسانه رطبا فلا يخاف ولا يتأذى!

وقد ألغت معظم الدول تلك الطريقة، وأبقت على الشهود والقرائن واليمين والاعتراف، أما العرافة والبشعة فلم يعد لهما دور.



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس