عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-08-2008, 02:13 AM   #3
صتيمه
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 561
إفتراضي

الوهابية لم تتعاون مع الانجليز والفرنسيين

على سؤال فحواه: ما هو حكم الصلاة في المسجد الذي فيه ضريح؟ أجاب الشيخ (علي جمعة) مفتي مصر بأن الصلاة في هذا المسجد جائزة. إلى هنا والقصة تبدو طبيعية، فالشيخ عالم أزهري مجتهد، ومن حقه أن يخالف غيره في اجتهاده. غير أن الذي أثار استغرابي فعلاً هو أنه أرجع سبب تحريم الصلاة في هذه المساجد إلى الحركة الوهابية، وقال: إن مبرر الوهابيين في ذلك هو الخروج على الخلافة العثمانية!. أي أن الوهابيين جعلوا من بناء الخليفة العثماني للمساجد على القبور حجة لتكفيره، ومن ثم الخروج عليه. فالمبرر في نظر فضيلة المفتي لا يرجع إلى أسباب دينية، ولكنه يعود - كما يدعي - لمبرر سياسي محض!. ثم أضاف إلى هذه الطامة، طامة (تخوينية) كبرى، وهي قوله بالنص: (وخرجوا على الدولة العثمانية، وتعاونوا مع الإنجليز والفرنساوية)!.
وأنا هنا لن أناقش الشيخ في وجهة نظره حول الصلاة في المساجد التي فيها أضرحة، فهناك من هم أعلم مني في هذا الشأن، وأقدر مني على تفنيد حججه؛ كما لن أتحدث عن تلك اللغة المتدنية، والعامية الساخرة، التي كان يجب أن ينأى بمقامه ونفسه عنها، طالما أن الحديث يتعلق بأمر من أمور الدين، غير أن الكتاب لا يُقرأ من عنوانه فحسب، وإنما من لغته أيضاً، ولله في خلقه شؤون!.
أما الذي يهمني في كلام المفتي المصري فهو الجزئية المتعلقة بالخروج على الخلافة، والتعاون مع الإنجليز والفرنسيين، وما كان هذا الاهتمام فقط لأنه يفتقر إلى الدقة التاريخية إلى درجة التدليس، بقدر ما هو - أيضاً - لأسباب موضوعية وكذلك وطنية؛ فالوهابية كانت هي الأساس الذي قامت عليه وحدة هذه البلاد، فشرعية التأسيس هي وهابية بالإجماع، وشرعية الاستمرار - في تقديري - تعود الى الإنجاز بكافة صوره.
وإذا حاولنا تحليل كلام المفتي في هذه الجزئية، فإننا سنخلص بأنه يترتب على كلامه: أن الخلافة العثمانية كانت هي القوة المسيطرة على منطقة نجد (منطلق الحركة الوهابية)، وأن الوهابيين جاؤوا، أو تمسكوا بفكرة تحريم الصلاة في المسجد الذي فيه ضريح، بغرض تكفير هذه السلطة والخروج عليها.
وهذا زعم لا أساس له من الصحة. فالعثمانيون - كما يعلم أي قارئ مبتدئ للتاريخ - لم يكونوا مسيطرين على منطقة نجد، ولم يكن ذلك الحيز الجغرافي من الوطن العربي داخل ضمن نفوذهم العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، بل كانت هذه المنطقة - في ذلك الحين - عبارة عن إمارات ومراكز قوى مستقلة، حتى جاء الإمام محمد بن عبدالوهاب وتحالف مع الإمام محمد بن سعود، وأخضعا المنطقة لسلطة الدولة السعودية الأولى، ثم توسعت هذه الدولة حتى خرجت من النطاق النجدي وشملت أغلب أرجاء الجزيرة العربية.
إذن فلا حاجة لأن يبحث الوهابيون عن مبرر لتكفير الدولة العثمانية كي يبنوا دولتهم المستقلة، ذلك لأنه لا وجود للعثمانيين من الأساس في منطقة نجد، وإذا زال المسبب بطل السبب كما هو معلوم.
وإذا استبعدنا هذا الاحتمال الذي يتبناه فضيلة المفتي لعدم واقعيته، فضلاً عن أنه لا يمت لتاريخ هذه الحركة بأية صلة، نستطيع القول بشيء من العلمية الموثقة تاريخياً، أنهم جمعوا بين إيمانهم الديني ووعيهم وطموحهم السياسي، فانطلقوا لتصحيح معتقدات الناس، وفي الوقت ذاته ضم أقاليم الجزيرة العربية إلى دولة واحدة تؤمن بمبادئ الدعوة.
أما ما ادعاه المفتي عن علاقة الوهابيين بالإنجليز والفرنسيين، وتوظيفهم لهذه العلاقة في خروجهم عن الدولة العثمانية، فهو أيضا زعم واه، ومتهافت، يعوزه الدليل، فالإنجليز والفرنسيون لم يكن لهم أي اتصال بالدولة السعودية الأولى بأي شكل كان؛ كما أن هذه الدول، وبالذات البريطانيين، لم يكن من صالحها - في ذلك الوقت - تفتيت الخلافة العثمانية. والشيخ يعرف بالتأكيد من قراءته للتاريخ المصري، على افتراض أنه يقرأ التاريخ، أن محمد علي باشا و الي مصر في ذلك الزمان، وهو تابع رسمي للدولة العثمانية، قام بالخروج على الدولة العثمانية، وحاربها حرباً ضروساً، حتى اضطر الخليفة العثماني أن يستنصر بالقوات الروسية لحماية الدولة العثمانية من جيش محمد علي باشا بعد معركة (قونية) عام 1833، والتي هزم فيها الجيش المصري جيش العثمانيين، وبالفعل وصل الأسطول الروسي إلى البوسفور بغرض حماية الخلافة العثمانية من (واليها) الثائر، وتدخلت أوروبا بكل طاقتها لوقف الزحف المصري على عاصمة العثمانيين، مما دفع بمحمد علي باشا لأن يحاول الاكتفاء بطلب الاستقلال الكلي عن الدولة العثمانية، وأن تكون حدود دولته المستقلة في كل المناطق التي بلغتها جيوشه، غير أن مصالح أوروبا، وفكرة توازن القوى لم تكن تسمح بتقسيم الرجل المريض في ذلك الحين، وقفت في وجه هذا المشروع بقوة.
من هذا العرض نخلص بما يلى:
أولاً: الدولة السعودية الأولى بدأت من الصفر ولم تكن المناطق التي بدأت منها وحدتها راضخة للعثمانيين.
ثانياً: أن الدولة السعودية الأولى لم يكن لها أي اتصال أو مصالح مع الإنجليز أو الفرنسيين، بل على العكس من ذلك كان الإنجليز مستائون من سطوة القواسم الوهابيين على مصالحهم في الخليج.
وفي ذلك يقول محمد جلال كشك في كتاب السعوديون والحل الإسلامي: (كانت حكومة الهند تتابع باهتمام بالغ أنباء الدولة السعودية والأحداث المتعاقبة بعد غزو إبراهيم باشا وسقوط الدرعية فقررت إرسال "سادليير" لداسة الموقف، وقد حددت المذكرة السرية التي كلف بها سادليير بالمهمة واجباته في 15نقطة). وأهم ما يعنينا من هذه النقاط:
أ - بحث إمكانية التنسيق للقضاء على الوهابيين.
ب - التعرف على نوايا إبراهيم باشا المقبلة بعد إخضاعه للساحل العربي.
ج - إذا كان إبراهيم باشا ينوي استئصال القواسم (الوهابيين) فما هي المساعدة التي يمكن أن نقدمها له من خلال أسطولنا وقواتنا؟
ويعلق الأستاذ كشك بعد ذلك ويقول: (فهي مهمة تجسس بريطانية ودراسة للوضع وإعداد لحملة استئصال الوهابيين وبالذات القواسم).


------------------------


يتبع
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
صتيمه غير متصل   الرد مع إقتباس