عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-03-2010, 10:38 PM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي لحسة طحينة -مجدي عزمي ،تعليق أحمد راشد

لحسة طحينة


مجدي عزمي

من ظلاله على أديم الأرض يمكنك أن تستدل على مواضع الشمس ، تشرق عليه الشمس ، وتتعامد ، وتغرب وهو واقف في مكانه - لا يمكنه الحراك - يبدو كمنحوته مصرية قديمة، وضعت في قسم شرطة بحي راق ٍ .
وكيف يتحرك ؟! من ذا الذي يغفل جفنه إلا بأذنه!- بالطبع هو يعي ويتذكر ما حدث مع مجند سبقه في خدمة الضابط - يوم لم تطلعه شمس ، داهمته نوبة تعنيه شديدة , فهرول لقضاء حاجته ، فكانت خطيئته لا تغتفر، أنه انصرف دون إذن، والطامة الكبرى أنه ولى وجهه شطر مرحاض كبير الضباط ، فكان جزاؤه نكالاً وتأديباً،شق له طريقاً منفياً وراء الشمس .
منذ أن سمع هذا ، قرر أنه مهما كان الخطب سيصبر ، فالبقاء تحت لفحه الشمس أفضل بأي حال من التواري خلفها ، يريد أن يمضي فترة خدمته على خير .. دون منغصات – بعد مسكن أهله في أقصى الصعيد لا يحتمل أي تأخير أو حرمان من إجازة - ولا سيما الحبس - اخذ عهداً على نفسه أن يكون أطوع للضابط من كلبه الشرطي الذي يلازمه اغلب الوقت .
وكان الأخير أكثر حظاً منه ، يلازم الضابط في غرفته المكيفة .. ممدداً أطرافه على أرضية رخامية ملساء ، بينما هو يمتطي ( بياده) يكاد عنقها يزهق أنفاسه قبل أن يصهر قدميه – صيحة نداء واحدة كفيله أن يأتيه ويلبيه قبل أن يرتد إليه طرفه .. حتى لا يحبط عمله - سمعه هذه المرة بوضوح نقر على باب غرفته الزجاجي الداكن بظهر كفه القابض على أيام أجازته خشية أن تهدر أو تتساقط من بين أصابعه – دخل راصداً مقعد الضابط خلف مكتبه لم يجده .. كان متكئاًً على أريكة ثرية أمام التلفاز تعبث أصابعه بجهاز صغير يقلب به قنوات لم يشاهدها من قبل - ويده الأخرى يحك بها سوالفه الغزيرة .
- " أوامر سيادتك " لم يرد .. ربما نسيَ ما ناداه من أجله .. أو أراده أمامه كي يتذكر شيء ما.. يكلفه به .
كانت سعادته لا توصف بمهمته الجديدة ، كانت فرصته لإثبات كفائتة ولإيمانه بالمثل القائل (طاهي السم لابد أن يذوقه ) فما بالك بحامل أطيب الطعام - كان يقف أمام البائع يملى عليه القائمة المطلوبة( نصف كباب ونصف كفته ونصف ريش - مع السلطة ) - أي سلطة ؟ - اخذ يفرغ ذاكرته من أنواع السلطات والتي لا يعرف منها سوى الطحينة، كانت أول ما طلب تعبئته من المقبلات – تمني لو يمتد لسانه ويلعق (لحسه) مما يصب في هذا الكوب الصغير ، ولكن قصر قامته لم يترك للسانه نصيب من الطول( لو نال لحسة طحينة لكان خيراً له ) - كان عقله يهذي بأماني كثيرة بخاطره - لو استطاع أن يحشر في مدخنة الشواء .. ويسقط فوق أسياخ ممدده .. تتقلب فوق النار .. طاعنه كل ما يحب ويشتهي – قطع اللحم كانت تراوده عن نفسه تارة ، وتستجير به من عذاب النار تارة أخرى – أخذ يجفف عرقه بغطاء رأسه الأسود .. بينما الآخر يسعر النار بمروحة من ريش أبيض - قطرات الدهن التي تسقط فوق الجمر كانت تعربد به ، وتنزل به أشد العذاب - أفاقه البائع من تهويم الإعياء الذي أصابه - وحمل إليه (لفه) كبيرة وأوفاه حسابه – كان غالياً .. يكفي لإطعام عائلته شهرًا من الزمان .. بلا حرمان .
عاد إلى سيده منهك القوى .. مدغدغ الأعصاب – أشتم رائحة الطعام تمني لو كان ماعرف الفطام انصرف آخذاً في يده سلسلة الكلب رابطاً إياه خارج الغرفة، كي يتسنى لسيده أن ينفرد بما ينهش على أكمل وجه .
كان يقف خلف الباب يمني نفسه بقطعة مما يشتهيه , وحمله بنفسه إلى سيده - لم يستطع أن يخفي شماتته تجاه الكلب - كان ينظر إليه بزهو – الآن هما سواسية - كلاهما يقف بالخارج تحت وطأة الشمس - كان يراقبه وهو يلهث .. يكاد يستفرغ لسانه - ((( رن جرس الضابط ))) كان بيده منشفه حينما سأله (ماذا دهاك يا دفعه) ؟ .
- أجابه مستعطفاً وهو يضم بواقي اللفه بين ذراعية ( من فضل خيرك يا باشا ).
- في لهجة آمره ( أخرجها للكلب .. واحرص على تنظيف المكان بعد أكله ).
بعدما أفنى الكلب كل ما تبقى من لحم وعظم - أخذ يلملم بواقي اللفه – سقطت منها علبة بلاستيكية بيضاء محكمة الغلق .. كما أخذها من البائع – من حسن حظه .. أن كلاهما لا يشتهيان الطحينة .. ( الكلب .. والباشا )


http://magdyzone.blogspot.com/2008/03/blog-post.html
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس