عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-10-2010, 12:39 AM   #17
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة الصمصام مشاهدة مشاركة
[img][/img]

هذه القصيدة تبين لنا فعلاً الفرق بين شاعر ، وشاعر ..
شاعر يمزج إحساسه بالبحر ويشرك معه العديد من الأشخاص والأحداث والذكريات وشاعر آخر لا يكاد يصفه إلا بأن فيه سفنًا وقوارب ، وأناسًا يسبحون !!
من جمال القصيدة أن يبرز الشاعر كيفية تفاعله بما هو محيط به وكيف يكون للحبيبة وجود في هذا الجو وكيف يسقط خصائصها وسماتها عليه ،وهذا وإن كان أمرًا طبيعيًا معتادًا في قصائدنا العربية العمودي منها وغير العمودي إلا أننا في هذه القصيدة نشعر بتفاعل خاص ، وببراعة تتمكن من خلالها الشاعر أن يحيّد قوة إيقاع بحر البسيط وقوة مخرج الباء المضمومة ليطوعها ويحولها إلى طفل يحبو على ركبتيه أمام شاطئ هذا البحر من الإبداع والتمكن من الصياغة .


يـا بـحـــــــــر ...



يابحــر روحــك في جـنبيّ تنسـكبُ
والقـلب منّي على شـطيّك مـنتصبُ
بداية سريعة إلى جو القصيدة ، فالبحر ها هنا أضحى إنسانًا له روح ، بل والأجمل من ذلك أن شاعرنا العزيز حول الروح إلى شكل سائل وهذا الاستخدام للغة المعتمد على العلاقة الاعتباطية بين اللفظ ومدلوله يعد قوة في القصيدة لأن الروح صارت من جمالها عطرًا ينسكب
ألا تراني وهـذا المـــلح فـي رئتي
عـلى الجـــــبين تلالا درّه الرطـبُ
بعد ذلك نرى كل تفصيلة يحيط الشاعر بها ،فالملح في الرئة هنا يكون مبتعدًا عن دلالته التقليدية (الطعم) لتتحول إلى هواء يتنفسه الشاعر وبنفس الطريقة يحول الملموس إلى محسوس على عكس البيت السابق ، وهذا الهواء الذي يتنفسه الشاعر هو رائحة الذكريات التي لما تغادره بعد لكن الذي لا يفهم من ناحيتي هو الشطر الثاني على الجبين تلالا دره الرطب فما علاقة الجبين بالرئة وأين هي العلاقة المشتركة بين الملح والدر وما علاقتهما بالجبين ؟ولو قال على اللجين لكان أفضل فاللجين بمعنى صفحة الماء الملتمعة ويمكن أن تكون وصفًا لعيون المحبوبة.
حتى المـلامـح فيك اليوم تشـبهـني
قد صرت منك وفـيك الآن أنتســبُ
ثم يتوحد الشاعر مع البحر فيصير جزءًا منه ، غير أن هذا الجزء الذي ينتسب إليه ليس هو الغرق ولا البعد وإنما هو الجمال والذكريات الطيبة
مـذ عانقــتك عـيونٌ شــفـّــها ولهٌ
وأبصـرتك بعـيني وهـي تهـتضـبُ
هنا تظهر اللحظة المرتقبة ، التي تظهر فيها هذه المحبوبة التي من خلالها شعر أنه والبحر متوحدان في ، تلك العيون التي عانقته والتي نظر إليها ولكنها نظرة أحلام وأمنية ،لعل وفاءه ما به ريب لأنه في اتساع هذا البحر وكتوغل الملح فيه وهذا يبرِز لنا مدى ارتباط الشاعر بالمكان .
أنظـر إليها بأحـــلامــي وأمـنيتي
واهـمـس لحـبّي وفـائي مابه ريبُ

يابحـر روحي وقد جاءتك مسرعةً
عـلى ضفـافــك ترنو ثمّ ترتقـــــبُ
الخطاب يتحول إلى البحر ولكنه في الواقع إلى المحبوبة التي يشبهها بالبحر ، تلك الروح التي تسرع ،ترنو ثم ترتقب هي المحبوبة ، وهذا ما جعل للبحر هذه القيمة العظيمة .
هنا الحـبيب هنا الآمـال أجـمـعـها
وفـوق رمـلك كم تلهـو وكـم تثبُ

فـتنشـر الدفء والآفـاق ترمـقــها
صـبح تنفـّـس فالأكـوان تخـتصِـبُ

أمّا ( أناه ) ومـن أضـحـى له وطـنا
عن حـضن عـينيه منفيٌّ ومـحـتجـبُ
يستغرق الشاعر في سرد مجالس الأنس ، وهذا الجو الإنساني الرائع البريء في نفس الوقت والذي يكتمل بأن تكون العين ذلك البراح الذي لا يبرحه الشاعر ، وهنا يسجل للشاعر أنه تمكن من استخدام أسلوب تراسل الحواس بمعنى أنه جعل للحواس غير خصائصها التقليدي لتصير العينان حضنًا وهي صفة من صفات غير اليدين.
ياللحــظوظ لكـم جــارت لتهـلكـني
متى تجـود؟متى تعطي؟متى تهـبُ؟

يابحــر رفـقـا ولا تشـطط بأوردتي
خـذني حـنينا ودعني فيك أغـتربُ

قد جئت مـدّا وأشواقي سـتحـملني
وذا فـؤادي على كـفـّـيك يضطربُ
التجسيد كان عاديًا من خلال الأشواق تحملني الفؤاد على كفيك يضطرب ، ولكن هذه الصور تحدث هذا التوازي الجميل بين المحبوبة والبحر ليكون ذلك أدعى لشعور الشاعر بجمال (البحر) وارتباطه الوثيق به .
أطلق رياحـك قد أفـردت أشـرعـتي
على شــفـاهـك ثغـري بات يقـتربُ
وخجلاً يحاول الشاعر تصورير نفسه بالزورق الهائم في البحر ويستخدم تعبير إفراد الأشرعة لتكون الأشرعة تعبير عن اليدين وتبدأ لحظة العناق الجميلة ، ويقترب الثغر من الشفاه ، وله الحق أن يحب البحر بعد ذلك !!
إيه ودادي وعــشـقـي آهـة وقـدتْ
فـمـا تكـلّ ولا يخــبو لهـا لهــــــبُ

من يسكن النار في روحي ويخمدها
إلا فـيوضـك بالتحـــنان تـنســــكـبُ

وتأتي النهاية بطريقة الحكمة إلا أنها أتت في موضعها المناسب ليكون (البحر) هو ذلك الذي يخمد النار بفيضه وحنانه ، ومجئ الحنان بعد التقبيل وإفراد الأشرعة أكد من استمرارية هذه الحالة الإنسانية التي لا ينتهي العشق فيها لأنها حالة مستمرة (تنسكبُ)وكثرة الأفعال المضارعة توحي بهذه الاستمرارية التي كانت نهايتها كلمة تنسكب لتدل على لانهائية من الحب والذي ينبع من فيض هذا البحر الذي لا ساحل ولا نهاية له ،لكن بئس القلوب تلك التي لا يضيق البحر عنها !!!

.

أيها الصمصام : عد إلى الخيمة وكف عن الصيام .. دمت مبدعًا وفقك الله
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس