عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-11-2021, 08:31 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,907
إفتراضي نقد كتيب من آداب المروءة وخوارمها

نقد كتيب من آداب المروءة وخوارمها
مؤلف الكتاب صالح بن علي أبو عراد الخبير التربوى وهو يدور حول ما يسمى خلق المروءة وقد ذكر صالح اختلاف تعاريفها فقال فى مقدمته:
"وبعد :
فقد جاء دين الإسلام الحنيف داعيا لكل فضيلة ، و ناهيا عن كل رذيلة ، لأنه دين التربية الإسلامية الصافية ، والفضائل الإنسانية النبيلة ، والآداب الكريمة ، والأخلاق الحسنة التي تسمو بصاحبها ، وترتقي به في مدارج الشرف والرفعة والمثالية البشرية .
"ومن هذه الآداب الإسلامية الكريمة ، والأخلاق الإنسانية الفاضلة ما يسمى ( المروءة ) التي كثرت تعاريفها ، وتعددت معانيها حتى اختلف في تحديد تعريف موحد لها . فقد عرفت بأنها : " استعمال كل خلق حسن ، واجتناب كل خلق قبيح "وجاء في تعريفها كما ورد عند بعض السلف وقد سئل عن المروءة فأجاب : " أن لا تعمل في السر شيئا تستحي منه في العلانية " كما ورد في تعريف آخر أن المروءة تعني :" اجتناب الرجل ما يشينه ، واجتناؤه [ أي اكتسابه ] ما يزينه ".
…وقيل إن المقصود بالمروءة : " أن يجتنب الرجل القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها "
…كما ورد عن أبي حاتم البستي قوله : " والمروءة عندي خصلتان : اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال ، واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال "
وهكذا يتبين لنا أن التعريفات المذكورة تتفق في الدلالة والمفهوم العام والقصد ، ولا تختلف إلا على مستوى التعبير .
وعلى كل حال فإن كثرة تعاريف المروءة واختلافها وعدم الاتفاق على تعريف محدد لها دليل واضح على سمو منزلتها ، وعظيم شأنها ؛ لاسيما وأنها خلق كريم ، وسلوك قويم ، وفضيلة من الفضائل التي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بتوافرها في سلوكه القولي والفعلي ، نظرا لما تدل عليه من كمال الصفات ومحاسن الآداب ؛ حتى قيل في شأنها " المروءة اسم جامع للمحاسن كلها " "
وبعد أن انتهى صالح من القول أن التعاريف كثيرة ومختلفة قال أن كثرة التعاريف دليل على سمو منزلتها ، وعظيم شأنها وهو خطأ ظاهر فليس كثرة التعاريف أو ألفاظ التى ىتطلق على الشىء دليل على سموه وعظم شأنه فإبليس مثلا والخمر لهم أسماء كثيرة حتى ألف الفيروز آبادى مثلا كتابا فى أسماء الخمر سماه الجليس ألأنيس فى أسماء الخندريس
وعرف صالح أبو عراد المروءة بالتعريف التالى:
"ومن هنا يمكن القول : إن المروءة تعني جماع مكارم الأخلاق وكمال الأدب وحسن السلوك ، وتمام الخلق الإنساني الرفيع . وصدق من قال :
إني لتطربني الخلال كريمة
طرب الغريب بأوبة وتلاقي
وتهزني ذكرى المروءة والندى
بين الشمائل هزة المشتاق"
وهذا التعريف هو نفسه تعريف التقوى تعريف الخلق الحسين تعريف طاعة الله تعريف اتباع الوحى ومن ثم فالمروءة ليس خصلة وإنما تعريف شامل لكل النواحى ولذا قال فى الفقرة السابقة جماع مكارم الأخلاق وهو ما ناقض نفسه فيه بالقول أنه خصلة من الخصال بقوله:
"وليس هذا فحسب فهي خصلة إنسانية رفيعة القدر لما يترتب على التحلي بها من جلال وجمال وكمال في الخلق "
وبعد ذلك جعلها كمال الرجولية فقال :
وهي إلى جانب ذلك كله من خصال الرجولة المحمودة ؛ فقد جاء في لسان العرب أن " المروءة : كمال الرجولية وهذا يعني أن من كانت مروءته كاملة من الرجال فقد كملت رجولته و علا مقامه . قال الشاعر :
وإذا الفتى جمع المروءة والتقى وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل
كما أن من كانت مروءتها كاملة من النساء فقد كملت أنوثتها ، وفي ذلك ما فيه من العون على صلاح الأمر بين الزوجين ، لما ورد أن مسلمة بن عبد الملك قال : " ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة ". وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
إذا لم يكن في منزل المرء حرة
مدبرة ضاعت مروءة داره"
لغويا إذا كانت المروءة مأخوذة من مادة مرء فهى ما يطلقون عليه الإنسانية وهى كلمة معناها عند الناس عائم ولكنها فى الوحى كلمة تعنى الكفر فالإنسان وهو الكافر ملعون كما قال تعالى:
" قتل الإنسان ما أكفره"

والإنسانية أو المروءة فى العرف العام عند الناس هى القيام بأعمال غير واجبة أو أعمال لا يفعلها سوى أصحاب العزيمة كمن يقوم بالدخول بين متشاجرين يضربون رجلا فينقذه منهم غير مهتم بما يجرى له أو يجد حريقا فى مكان ولا أحد يتقدم لإنقاذ من فى الداخل أو اطفاء الحريق أو يجد من يغرق فيتقدم إلى المياه على الفور دون تردد لينقذه
المروءة أو المروة عند الناس إذا هى القيام بأعمال صالحة يتجنب عملها أغلبية الناس حفاظا على حيواتهم أو على صحتهم
وتحدث عن آدابها فقال :
"آداب المروءة :
…للمروءة آداب كثيرة قل أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى ؛ ولذلك فإن منازل الناس فيها تتباين تبعا لما يحصله الإنسان من آدابها ومراتبها . وقد وردت جملة من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءة ، ومنها :
أن يكون ذا أناة وتؤدة ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة أو رعونة ، كأن يكثر الالتفات في الطريق ، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال ، وهكذا .
أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب أو دهشة الفرح ، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السراء والضراء .
أن يتحلى بالصراحة والترفع عن المجاملة والنفاق ، فلا يبدي لشخص الصداقة وهو يحمل له العداوة ، أو يشهد له باستقامة السيرة وهو يراه منحرفا عن السبيل .
ألا يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعد من سقطاته والمآخذ عليه ، وهو ما يشير إليه قول الشاعر :
فسري كإعلاني وتلك خليقتي وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري
أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعمل خفيف ؛ فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز قوله : " ليس من المروءة استخدام الضيف " .
أن يحسن الإصغاء لمن يحدثه من الناس ، لأن في ذلك دلالة على اهتمامه به ، وارتياحه لمجالسته ، وأنسه بحديثه . وإلى هذا المعنى يشير أبو تمام بقوله :
من لي بإنسان إذا أغضبته
ورضيت كان الحلم رد جوابه
وتراه يصغي للحديث بقلبه
وبسمعه ، ولعله أدرى به
أن يكون حافظا لما يؤتمن عليه من أسرار وأمور لا ينبغي أن تظهر لأحد غير صاحبها . وفي هذا المعنى يقول المتنبي :
كفتك المروءة ما تتقي
وأمنك الود ما تحذر
والمعنى أن صاحب المروءة لا يفشي سرا وهو مؤتمن عليه " كما أن من الآداب التي يمكن أن تضاف إلى ما سبق ذكره من آداب المروءة : أن يترفع الإنسان بطوعه واختياره عن كل ما لا يليق به من الأقوال الباطلة والأفعال الشائنة والسلوكيات المنحرفة ، وأن يربأ بنفسه عن إتيانها أو الاتصاف بها ، قال الشاعر :
وحذار من سفه يشينك وصفه
إن السفاه بذي المروءة زاري
ويتبع لذلك أن لا تخالف أقواله وأفعاله ما جرت عليه العادة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية الحسنة ، المتوافقة مع تعاليم الشرع وتوجيهات الدين . وأن يحترم الآخرين بأن يتعامل معهم بما يحب أن يتعاملوا معه ، وألا يفضل نفسه بشيء عنهم ، وفي ذلك يقول الشاعر :
وإذا جلست وكان مثلك قائما
فمن المروءة أن تقوم وإن أبى
وإذا اتكأت وكان مثلك جالسا
فمن المروءة أن تزيل المتكا
وإذا ركبت وكان مثلك ماشيا
فمن المروءة أن مشيت كما مشى
وانطلاقا من كون المروءة ترتبط بالأعراف الإنسانية الصحيحة والعادات المقبولة في المجتمع ؛ فإنه ينبغي مراعاة أن ما يكون مخالفا للمروءة في بلد أو مجتمع ما ، قد لا يكون مخالفا لها في بلد أو مجتمع آخر ، وخير مثال على ذلك عادة كشف الرأس وعدم تغطيته للرجال التي تعد مقبولة في بعض البلاد ، وغير مقبولة في بلاد أخرى وفي هذا الشأن يقول الشاطبي : ".. مثل كشف الرأس ، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع ؛ فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية وغير قبيح في البلاد المغربية ، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك ؛ فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة وعند أهل المغرب غير قادح "
ولهذا فإن كل سلوك يفعله الإنسان لا بد أن يخضع لميزان الشرع والعقل ؛ وألا يصادم النصوص الشرعية ، أو يكون مخالفا لما يستحسنه العقلاء ؛ فإن الشرع لم يأت بما يخالف العقل أبدا ، ولذلك " سئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة ؟ فقال : العقل يأمرك بالأنفع ، والمروءة تأمرك بالأجمل ". وهذا يعني أن على الإنسان العاقل أن يحافظ على مروءته لما في ذلك من الجمال والكمال والجلال ، وإلى ذلك يشير الشيخ محمد الخضر حسين ( شيخ الجامع الأزهر ) بقوله : " إذا نظرنا إلى تفاصيل الأخلاق والآداب التي تقوم المروءة على رعايتها وجدناها تبعث على إجلال صاحبها وامتلاء الأعين بمهابته .

رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس