عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-11-2011, 01:38 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(25)

جبار يُسلِّم.. هذه كلمة السر التي قالها (أحمد صباح البردي) لعلوان، عندما اتصل به ليبلغه عن موعد الاجتماع الحزبي، وأخبره بمكان الاجتماع والطريقة التي يدخل فيها للمكان.. وكان من عادة أحمد أن يغير مكان الاجتماع كل أسبوع، للحيطة الأمنية!


وتفاجأ علوان من فكرة الحيطة الأمنية، في بلدٍ يحكمه الحزب، ويتم تنسيق اختيار الأمكنة مع أمن الجامعة، والحراس المناوبين، فمرة يختار الطابق الثالث من مبنى كلية العلوم، وبعد أن يتأكد من انتهاء المحاضرات في قاعات الدرس، ومرة يختار غرفة مشرف على القسم الداخلي للطلبة.

وفي إحدى المرات، كان أحد أعضاء الحلقة الثمانية، قد تأخر عدة دقائق، فطلب أحمد من أحد أعضاء الحلقة أن يفتح الباب، وكان غير عربي واسمه (سردار)، ففتح الباب المكون من قطعة واحدة على سعته الكاملة، فصاح به أحمد:
رفيق سردار... ماذا عملت؟ لقد كشفت مبادئ الأمة العربية!

عندما تذكر علوان تلك الوقائع بعد أكثر من أربعين سنة على وقوعها، تساءل: هل كان أحمد صباح يستشعر ماذا سيحصل لحزبه؟ وهل كان سلوكه طبيعيا في وقتها؟ ثم تذكر ما كان يحدث في اجتماعات حزب الخلاص الإسلامي قبل ذلك بعدة أعوام، عندما كان المسئول، يبلغ الأعضاء بتغيير مكان الاجتماع الأسبوعي، كل مرة ولم يكن يجعله أسبوعياً، بل كان إذا اجتمع المرة الأولى يوم السبت في مكان (أ) في الساعة السابعة مساءً، فإن الاجتماع الذي يليه سيكون يوم الأحد في مكان (ب) وفي الساعة الثامنة، لكي لا يُتاح حتى للأقارب الربط بين اللقاءات والأمكنة والأشخاص.

ثم قارن علوان بين المواد الثقافية التي كانت تعطى في الحزبين، فحزب الخلاص كان يأتي بكُتبٍ يلصق على جلدتها جريدة، كي لا يُتاح للأعضاء معرفة اسم الكتاب، واسم مؤلفه، وتذكر كيف أنه في مرة تمزقت الجريدة بين يديه فظهر عنوان الكتاب (في ظلال القرآن لسيد قطب)، وكيف أن مسئوله رماه بنظرة تعنيف لم يشأ أن يجعل منها قضية.

أما الحزب الجديد، فإنه كان يوزع نشرات مكتوب على غلافها (خاص بالأنصار، خاص بالأعضاء الخ).

لم يكن الحزب جديداً بل كان أقدم من حزب الخلاص حتى في بلده الأصلي، وتذكر كيف كان جهاز الاستنساخ (الرونيو) يُخبّأ في أوكارٍ حزبية، يتم اختيارها لحسن جوار من حولها، فإن داهمت أجهزة الأمن الوكر، انتقل الجهاز عبر جدران البيوت الى سابع جار، وتفشل خطط الأمن في المداهمة، وكيف لا؟ فعقوبتها ستكون على الأقل عشر سنوات سجن في مكان غير معروف!

(26)

بعد إعلان إيران ضم الجزر العربية الثلاث أو احتلالها في 30/11/1971، خرجت مظاهرات تندد بهذا الإجراء، وتطالب بالرد العملي والقوي..

اصطفت (كراديس) طُلاب الجامعة معظمها حسب منشأ الطلاب، وكان طلاب كل بلد يهتفون بطريقتهم الخاصة، كانت المظاهرة كمعرض فريدٍ من نوعه، وكان علوان يتجول بين الكراديس يشارك في الهتاف أو يستمع لهتاف، كان من يختلط بين الكراديس لا يميز ما يقول الهاتف الرئيسي، وحتى من يرد عليه كان يخطئ في فهم ما قال...

في (كردوس) لطلاب جنوب لبنان كان أحدهم يهتف:
وحدوا.. وحدوا الأمة العربية
دمروا .. دمروا الإمبريالية..
شتتوا .. شتتوا الصهيونية..

وكان من بين الردود ما يأتي: دمروا الأمة العربية، من باب الخطأ غير المقصود..

وكان هناك، شابٌ يحمله البعض على أكتافه اسمه مهدي ويطلقون عليه لقب (ماو العرب) حيث كانت ملامحه صينية، صاحب صوتٍ قوي يهتف:
يا إيران جاكي جاكي
حزب الشعب الاشتراكي
ويرد الجميع عليه بحماس
والذين يحملونه على الأكتاف يرقصون طرباً.. فسقطت (فردة) من حذائه.. فصاح وهو لم يتخلص من لحن الهتاف..
(نزلوني وقعت كندرتي: أي أنزلوني سقط حذائي)
ومن خلفه يهتفون: نزلوني وقعت كندرتي..

لم يكن هناك من يدقق بالهتافات، فمعظمها تأتي بنت وقتها..

(27)


في اليوم الثالث من المظاهرات، كان موعد الاجتماع الحزبي، الحضور، مراجعة محضر الاجتماع السابق، التعليمات، الموضوع الثقافي، وكان عن كتلة عدم الانحياز، ومن ثم متفرقة..

أنجز المسئول أحمد صباح البردي النقاط التي تسبق الموضوع الثقافي بدقيقة ونصف، وكان يجلس خلف المنضدة، يضع كتاباً دراسياً على فخذيه دون أن يراه أعضاء الحلقة، وكان يبدو أنه يقرأ لامتحانٍ في الغد. وعندما كان على أحد الأعضاء المكلفين بطرح الموضوع الثقافي (كتلة عدم الانحياز)، لم يكن قد اطلع عليه أحد أو حضره إلا من سبق وأن كُلِّف بتحضيره، ورغم أن الموضوع طويل واحتل في المجلة الحزبية تسع صفحات، لكن من كُلف به أنجزه بدقيقة، دونما اعتراض لا من المسئول ولا من أعضاء الحلقة على الاختصار الشديد، وعدم التحضير..

ثم جاءت (متفرقة)، وهي الفقرة التي يشطح بها الرفاق، واختاروا ساعتها الحديث عن إيران واحتلالها الجزر الثلاث (طُنب الكبرى والصغرى وأبو موسى)، فقال أحدهم: علينا احتلال إيران وإجبار الشاه على إعادة الجزر!
ـ قال آخر: هل إذا أعادها يتوجب علينا الخروج من إيران؟
ـ قال آخر: عندها لكل حادثٍ حديث..

استمر الحديث بهذا الشكل، وأحمد صباح لا يتدخل، فقد كان منهمكاً بدراسة ما في يديه..

نبهه علوان: رفيق أحمد... ضع حداً لهيئة الأركان العسكرية، فقد تتخذ قراراً بالانسحاب!!



تساءل علوان، بعد انتهاء الاجتماع، هل تصنع تلك الاجتماعات رجالاً للمستقبل؟ ربما تصنع، وربما لا تصنع، إنها على الأقل تعلم الشباب الانضباط والجدية وملكة الحوار وملكة التحليل، وتصوِّب ما لديهم من قناعات مرتبكة عن الحياة السياسية والكيفية التي سيؤدي بها من يؤمن بموالاة فكرة أو نظام ولائه.

ولكن، هل المواضيع الثقافية ضرورية لإنجاز ذلك؟ قد تكون ضرورية، ففيها من المعلومات ما تعين في اتخاذ قرارٍ مؤمن، بعكس الجاهل بما يدور حوله! وهل كان رجال الفتح الإسلامي والمعارك الأولى قد قرءوا ابن تيمية والخلافات بين المذاهب، أم كانوا يحفظون بعض قصار السور ويتسلحون بهمة عالية، واندفاع هائل.. وهذا كان يحدث مع التتار في غزواتهم فقد لا يكون الجنود قد وقفوا عند العقيدة العسكرية لهولاكو أو جنكيز خان.. فمعظم الانتصارات والحروب وحتى الإنتاج الاقتصادي الكبير ينجزها أقل الناس ثقافة وقراءة، ولكن تحت إمرة من يكون قد ألَّم بها جيداً!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس